news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
آلام الشتاء... بقلم : ويس أحمد
syria-news image

مرة أخرى أعود إلى فصل الشتاء. ذلك العالم الموحش غريب كيف يجعلك بحاجة إلى أبويك و أن تجلس معهما تماما مثلما اعتدت أن تجلس عندما كنت صغيرا في العاشرة من عمرك.


 مرة أخرى أعود إلى غرفة الجلوس في بيتنا القديم وأرى أبي جالسا أمام مدفأته القديمة و بيده راديو قديم بموجته القصيرة. كلما أراه أتذكر نفسي عندما كنت صغيرا. كم كنت أشعر  بالملل عندما أرى أبي يصغي تماما لما يقوله المذيع على إذاعة "أورشليم القدس". لطالما سمعت ياسر عرفات و هو يهدد الاسرائيليين بأنه على وشك أن يعلن عن قيام الدولة الفلسطينية من جانب واحد و لطالما استغربت مما أسمع و لسان حالي يقول "وماذا يعني قيام الدولة من جانب واحد؟  وما الفائدة؟"

 هذا العام يأتي فصل الشتاء والمطر دائما يذكرني بطفولتي. لا أدري لماذا ربما لأنه يغسل عن جسدي تعب السنين و ألم الحياة! أم لأن المطر يذكرني بأيام ليست مثل كل الأيام! أيام كنا نجلس أنا و أخوتي جميعا حول المدفأة القديمة ونحن نلعب الورق وفوق رؤوسنا غمامة بيضاء شكلتها سجائر أبي و إخوتي.

 ما عدنا كما نحن أبدا ولن نعود! كيف نعود و أخي الكبير قد توفى في صيف العام الماضي بالسرطان؟ ما أزال أذكر كيف كان يلفظ أنفاسه الأخيرة و هو مستلق على سريره في مشفى حكومي سميت تعسفيا على إسم واحد من ألمع علماء العرب بالرياضيات و الصيدلة و الطب و هو أبو الريحان البيروني.

 لقد قرأت عن الطراز القوطي الألماني و روايات ادغار آلان بو البوليسية و كم تمنيت أن أزور يوما ما قصرا تماما مثل قصور روايات "بو" المخيفة. تحققت أمنيتي أخيرا ولكن ثمنها كان آخر شهقة من روح أخي في مشفى البيروني عند الساعة الرابعة فجرا.

وكيف نعود كما نحن وهذا العام أيضا أخي الآخر على فراش موته في بيته. مازال أخي هذا يعاني ألم جرعات الموت النووية على الرغم من ندرتها وألم استحقار أطباءه ,الذين نسوا قسم أبو قراط الذي دعاهم إلى الفاء في مهنتهم وليس لجمع الأموال, في ذلك المشفى الذي سينال منه قريبا. ما أصعب أن ترى أخوتك كلهم يموتون واحد تلو الآخر بمرض لعين واحد سببه أن أحدا منهم قد دفن قذارته و أحقاده تحت تراب منزلنا فتفشت أمراض خبيثة.

 هذا العام هو الأسوأ فأبي أيضا لم يعد يجلس كثيرا أمام مدفأته و يتحجج بأنه يفضل أن يستلقي على سريره على أن يجلس قرب مدفأته و لكني أعرف لماذا. فأبي المتقاعد والذي لا يكفي راتبه حتى ثمن السجائر مازال ينتظر دعم الحكومة فأسعار المازوت أخمدت مدفأة أبي و تركته مستلق في فراشه.

 و هذا العام أصبحت أنا أدخن بعدما كنت مدلل أبي الذي حاول دائما أن يكون المثال الأفضل للطفل الذي ينصاع لنصائح أبيه. لطالما نصحته أن يقلع عن التدخين و لكن ملعونة السيجارة ففيها من الألم ما يكفي لأن تداوي بها آلام الشتاء.

2010-12-22
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد