بعد سبع سنوات من إراقة الدماء، لم يعد الصراع
في سورية أكثر تعقيداً فحسب، بل أيضاً أكثر خطورة على منطقة الشرق الأوسط وعلى
أوروبا. إن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على المواقع الإيرانية في جنوب سورية، على
وجه الخصوص، تشير إلى ضرورة التدخل الدبلوماسيقبل فوات الأوان.
برلين ـ الصراع الحالي في سورية له الكثير من القواسم المشتركة مع حرب الثلاثين
عاماً 1618 ـ 1648التي دمرت قلب أوروبا وخاصة مدينة ماغدبورغ الألمانية التي كانت
تشبه مدينة حلب في ذلك الوقت. كانت هذه الحرب للناظر من بعيد صراعات على العروش
تسببت بمعاناة لا حصر لها لسكان أوروبا، وانتهت بعقد اتفاقية وستفالياالتي لم يتم
عقدها إلابعدما استنفدت جميع الأطراف المتصارعة قواها تماماً .
كانت حرب الثلاثين عاماًظاهرياً صراعاً دينياً
بين المسيحيين الكاثوليك والبروتستانت، تماما كما هو الانقسام الرئيسي في الشرق
الأوسط اليوم بين المسلمين السنة والشيعة. ولكن، وكما هو الحال في سورية اليوم، شكل
الدين قناعاً لصراع أعمق من أجل السلطة والهيمنة الإقليمية.
بدأت الحرب في سورية خلال الربيع العربيبعد أن دعا المتظاهرون السوريون إلى
الديمقراطية والتعددية السياسية . لكنها سرعان ما أصبحت قضية دولية حيث تدخلت
عسكرياً إيران وحزب الله، وهي الميليشيا الشيعية اللبنانية التي تدعمها، جنباً إلى
جنب مع روسياوحالت دون انهيار الحكومة السوريةعلى أيدي قوات المعارضة المدعومة من
تركيا والسعودية اللتين تمثلان الجانب السني من الانقسام.
وفي الوقت نفسه، توسعت الحرب أيضاً لتشمل حملة تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم
داعش. وعندما هُزمت داعش في العام الماضي، سرعان ما تلا ذلك نزاع آخر بين تركيا
والأكراد في شمال سورية. أما الآن، فإن مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية المتحالفة
مع الولايات المتحدة ، والذين ثبت أنه لا غنى عنهم في الحرب ضد داعش ،قد أصبحوا
مُستهدفين من قبل تركيا ، الأمر الذي يُثير إمكانية مواجهة عسكرية مباشرة بين
حليفين في الناتو . وعلاوة على ذلك، هناك أيضاً خطر متزايد لوقوع مواجهة بين
الولايات المتحدة وروسيا، وأكدت التقارير الأخيرة أن غارة جوية أمريكية قتلت عشرات
من المرتزقة الروس في سورية.
ومع كل فصل جديد، تبدو المأساة السورية أكثر خطورة. فالصراع لم يعد يتعلق بمن
سيتولى السلطة في دمشق، بل حول الهيمنة في الشرق الأوسط. فالصراع ليس بين روسيا
والولايات المتحدة فحسب، بل يتضمن أيضاً تنافس إيران الشيعية ضد السعودية السنية
التي أخذت تنحاز بشكل متزايد نحو إسرائيل وهي حليف أميركي آخر.
ويُمكن تفسير موقف تركيابالدرجة الأولى بالخوف من إقامة دولة كردية في شمال سورية،
مما قد يُشجع الفصائل الكردية الانفصالية في جنوب شرق تركيا. والواقع أن الأكراد في
شمال العراق (كردستان) كانوا يتنافسون بالفعل من أجل إقامة دولتهم حتى أنهم أجروا
استفتاء على الاستقلال في العام الماضي.
وأخيراً، فإن إسرائيل، القوة العظمى العسكرية في المنطقة، لها مصالحها الأمنية
الخاصة في لبنان وجنوب سورية. وحتى وقت قريب، كانت إسرائيل قدابتعدت بنفسها لدرجة
كبيرة عن الحرب. ولكن كان عليها التدخل من الجو لمنع شحنات الأسلحة من الوصول إلى
حزب الله، ومنع إيران من إقامة وجود لها بالقرب من حدودها الشمالية.
وقد زادت مشاركة اسرائيل في وقت سابق من هذا الشهر عندما اسقطت طائرة إيرانية بدون
طيار دخلت مجالها الجوي من سورية. وعندما ردت الطائرات الإسرائيلية بضرب أهداف
إيرانية في سورية، أسقطت سورية إحدى هذه الطائرات (الطيارين وصلا إلى الأراضي
الإسرائيلية بأمان)، مما دفع بإسرائيل إلى ضرب القوات الحكومية مباشرة.
ومع تكشف هذه الأحداث، سرعان ما اتضح أن إسرائيل لا تستطيع الاعتماد على العلاقة
الخاصة المفترضة بين الرئيس بوتين ورئيس الوزراء نتنياهو. وقد أثبتت روسيا أنها إما
غير راغبة أو غير قادرة على السيطرة على إيران. لذلك، سواء كانت تحب ذلك أم لا،
أصبحت إسرائيلالآن لاعب نشط في سورية.
ولذلك يُمكن أنتقع حرب أخرىهذه المرة بين إسرائيل وإيران على الجبهة السورية على
وجه التحديد.و من البديهي أن وقوع مثل هذه الحربلن يخدم مصالح أي طرف، ولكن وعلى أي
حال من السهل أن نرى كيف يُمكن أن تقع نظراً للحقائق الراهنة. فإسرائيل ببساطة لا
تستطيع البقاء خارج الصراع في حين أن الحكومة السورية وروسيا وإيران وحزب الله
يحققون انتصارات عسكرية بشكل مثير .والوقائع على الأرض أصبحت تهدد بشكل جوهري أمن
إسرائيل، وتعزز بشكل كبير عدوتها، إيران.
إن الحرب بين إيران وإسرائيل (مع السعودية في الخلفية) ستعرّض المنطقة بأسرها للخطر،
لأنها ستكون جبهة أخرى في معركة الهيمنة. ولكن أوروبا ستتأثرأيضاً بشكل مباشر
لأسباب عديدة منها أن اتساع رقعة هذا الصراعسيؤدي إلى زيادة عدد اللاجئين إلى
الشمال. ومع تهديد الرئيسترامببإلغاء الاتفاق النووي الإيراني، يُمكن لأوروبا أن
تجد نفسها في سباق تسلح خطير أو حتى حرب أخرى كبيرة تتكشف بعيداً عن حدودها.
وبالنظر إلى هذه الأخطار، لم تعد أوروبا قادرة على الاكتفاء بمراقبة ما يجري عن بعد
.يجب على الأوروبيين الدفاع عن الاتفاق النووي الإيراني من أجل أمنهم. ونظراً لأن
الاتحاد الأوروبي عليه التزامات طويلة الأمد تجاه إسرائيل، فيجب ألا يُسمح باستمرار
صراع عنيف على الهيمنة في المنطقة يهدد إسرائيل مباشرة .
واليوم ، أكثر من أي وقت مضىو مع حرب أخرى كبيرة تلوح في الأفق في الشرق الأوسط، هو
الوقت المناسب للدبلوماسية الأوروبية. ويجب على القادة الأوروبيين العمل من أجل
تجنب وقوع الحرب.
يوشكا فيشر .بروجيكتسينديكيت . 22-2-2018.
الرابطhttps://www.project-syndicate.org/commentary/syria-israel-iran-conflict-by-joschka-fischer-2018-02