عندما سمع نداء باسمه ، كان الرجل العجوز ما يزال جالساً لأكثر من ساعة ينتظر دوره بفارغ الصبر ، فنهض مطقطقاً عظامه التي تيبست ، جاراً قدميه بصعوبة لمقابلة المحامي الذي رحب به .
- لن أضيع وقتك سأدخل بالموضوع مباشرة .
تلفت المحامي نحوه وهو يقول :
- تفضل .
وضع على الطاولة بعض الأوراق ثم شرع يقول :
- إن لي قطعة أرض مع شركاء وأريد أن أسجل الأرض باسمي ، حتى يستفيد منها أولادي من بعدي .
تريث المحامي قليلاً ممعناً النظر في القضية ، وقال كمن صحا من غفوة :
- قضيتك سهلة سنرفع دعوى في المحكمة من أجل إخراج سند تسجيل باسمك دون الشركاء ولكن قد يكلفك ذلك بعض الرسوم .
تململ الرجل العجوز في مقعده وقال :
- لا تقلق كل ما تطلبه سألبيه ولكن أرجو منك أن تدفع الرسوم في الوقت الحالي لأن أموالي في البنك وبقي فقط شهر على تمام السنة للاستفادة من فوائد المبلغ لذلك لا أستطيع سحبها الآن .
ظهر على وجه المحامي بعض الارتباك ولكنه استدرك قائلاً :
- حسناً سأرفع الدعوى .
مضى أسبوعان على تمام السنة ولم يأت الشيخ لإعطائه الرسوم ، قلق المحامي وخاصة أن الهاتف المحمول للرجل العجوز مغلق دائماً لذلك دخل الشك إلى صدره ، فذهب إلى أكبر أبنائه يشكو أباه ولكنه قاطعه قائلاً :
- إن أبي قد توفي منذ أسبوعين .
شعر المحامي بالخجل من نفسه وقال معتذراً :
- إنني متأسف ، البقية بحياتك ، ولكنني أردت أن أستعيد المبلغ الذي دفعته عن أبيك .
حدق الرجل به والشرر يتطاير من عينيه وصرخ به :
- إذا أردت النقود اذهب وانبش قبر أبي وخذ منه ما تريد .
تفاجأ المحامي من رده وخرج إلى الشارع لا يلوي على شيء فإذا بالرجل العجوز يقف وحيداً والدموع تفر من عينيه ، فاقترب منه قائلاً :
- لماذا البكاء ؟ هذا ما صنعته يداك .
عندها نظر إلى يديه وقال :
- قد اقترفت الكثير من المعاصي من أجل راحة أولادي والآن حتى في قبري لا يريدونني أن أرتاح .
أحس بشفقة تجاهه ، فمد يده ليربت على كتفه ولكنه تبخر في الهواء وكأنه لم يعش يوماً .