news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
هل مساواة المرأة مع الرجل, هل هو فعلاً الطريق الحقيقي لتحرر المرأة... بقلم : عبد المسيح الشامي*
syria-news image

كثيرٌ هو الكلام عن حرية المرأة في العالم العربي هذه الأيام, وكثيرةٌ هي الآراء والتصورات التي تُطرح عن طبيعة وعن شكل وعن آلية ممارسة هذه الحرية,


فالكل يجمع على منح المرأة حريتها الكاملة في كل الميادين وعلى كافة الصعد, ولا شك أن هذا الإجماع هو دليل حالة صحية وتوجه إيجابي في هذا المجتمع.

ولكن ومن خلال مراقبة المسارات والتوجهات التي تأخذها ممارسة هذه الحرية في هذه المنطقة من العالم, ومراقبة ما يدور حول هذه القضية من جدل في كثير من الأوساط وعلى كافة المستويات, كان بادياً وبشكل واضح بأن هنالك حالة من اللغط وحالة من عدم النضج الكافي في عملية فهم وفي طريقة ممارسة هذه الحرية بدرجة أو بأخرى عند أغلب أطياف الشعب العربي على إمتداد ساحة هذا الوطن.

حيث أنه ورغم حصول المرأة على هامش كبير من الحرية في أغلب الدول العربية وعلى أكثر من صعيد, إلا أن هذه الحرية ما ذال يشوبها الكثير من الشوائب والأخطاء التي يُصنف بعضها بالخطيرة في بعض الاحيان, وأهم هذه الأخطاء والشوائب هو الخلط الكبير بين مفهوم حرية المرأة ومفهوم مساواة المرأة مع الرجل, هذا الخلط الذي ينطوي على كثير من المخاطر والمطبات التي يمكن أن تؤدي إلى نتائج كارثية وخطيرة جداً على الفرد وعلى المجتمع, ولكن بالأخص على صعيد الأسرة

وظهور هذه المشكلة وكما يبدو يعود إلى ثلاث أسباب:

السبب الأول :

هو أن نموذج الرجل هو الذي ما ذال يسيطر في كثير من هذه المجتمعات, ولذلك فهو يمثل المثل الأعلى والوحيد لممارسة الحرية الشخصية والعامة, ولذلك كان لا خيار للمرأة عندما بدأت تأخذ حريتها في هذه المجتمعات, إلا أن تتبنى نموذج الرجل كمثل وكقدوة في ممارسة الحرية على أي صعيد من الصعد.


السبب الثاني :

سعي المرأة في أغلب الدول العربية, من حيث تدري أو لا تدري, لأن تحتفظ لنفسها بكل ما تتمتع به من ميزات ومكاسب في ظل النظام المحافظ والغير متحرر, وأن تسعى بذات الوقت, بكل جهدها أيضاً, لتحصل على كل ما يمكنها تحصيله من مكاسب إضافية على حساب الرجل, تحت شعار حرية وحقوق المرأة, ومساواة المرأة مع الرجل

  

السبب الثالث :

هو أن كثير من المجتمعات العربية تأخذ من نموذج التحرر الأوربي مثل أعلى لها, وتطبقه بحذافيره, دون التدقيق والتمحيص في مساوئه وشوائبه, الأمر الذي أوقعها من حيث لا تدري في كثير من المطبات التي كانت قد وقعت فيها المجتمعات الأوربية ذاتها بعدما بدأت المرأة الأوربية تحصل على حريتها في بدايات وأواسط القرن الماضي, وهي مشكلة ما زالت تعاني المجتمعات الأوروبية من إنعكاساتها وآثارها على مجتمعاتها حتى الآن, وذلك بإعتراف الأوروبيين ذاتهم طبعاً.

لأن عملية الخلط بين حرية المرأة وبين مساواة المرأة مع الرجل أدى إلى كثير من اشكال الخلل في الأدوار والوظائف الطبيعية والتقليدية للرجل وللمرأة في كثير من فعاليات الحياة, وبالأخص على صعيد الأسرة والمجتمع, وهو ما ظهر بشكل واضح في إحجام الأوروبيين عن الزواج, وفي حالات الطلاق العالية جداً, وفي قلة عدد المواليد في كل البلدان الغربية, وهذه أمور كانت وما زالت لها إنعكاسات على كل جوانب الحياة الأخرى بشكل أو بآخر

 

فمساواة المرأة مع الرجل لا تؤدي بالضرورة إلى إعطاء المرأة حقوقها, ولا تؤدي بالضرورة أيضاً إلى منح المرأة حريتها, وهذه يعود إلى أسباب كثيرة أهمها :

أن هنالك فارق كبير بين مساواة المرأة مع الرجل بالحقوق كإنسان وكمواطن, ومساواة المرأة مع الرجل في الواجبات. فإعطاء المرأة حقوقها يستوجب أن تحصل المرأة على جميع الحقوق التي يتمتع بها الرجل كمواطن وكإنسان,  ولكن واجب المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل في الإنسانية وفي المواطنة لا يستوجب أن يكون هنالك تساوي وتطابق في الواجبات  فيما بينهما.

وذلك يعود إلى لأسباب كثيرة أيضاً منها أن التركيبة الفيزيولوجية والسيكولوجية لكلا الطرفين هي تركيبة مختلفة, وهذا الإختلاف يفرض على كل منهما دور وواجب مختلف عن الآخر في الحياة, وهذا الدور يفرض بدوره سلوكية معينة ووظيفة معينة لكل منهما يصعب على الآخر القيام بها, فالمرأة مثلاً هي الوحيدة التي تملك إمكانية الحمل والإرضاع, وهي والوحيدة التي يمكن للطفل  المولود حديثاً أن يميز صوتها ورائحتها وأن يهتدي إلى صدرها ليرضع رشفات حياته الأولى وهو مازال أعمى ولا يبصر, وهذا يفرض على المرأة واجب الأمومة ورعاية الطفل على مدى الثلاث سنوات الأولى من عمره على الأقل.

لأنه أمر لا يمكن للرجل أن يحل محل المرأة فيه, وهو أمر لا يمكن تجاهله والإلتفاف عليه واختصاره بالقول بأن الرضاعة الاصطناعية يمكن أن تحل محل الرضاعة الطبيعية وينتهي الأمر. فالقضية أهم من هذا بكثير فإذا كان على الصعيد الطبي والصحي, فإن الحليب الذي تمنحه الأم لإبنها في الثلاث شهور الأولى             ( وكما هو معلوم ومثبت وفقاً لكثير من الأبحاث طبية المؤكدة ) هو أمر هام جداً وضروري لإكتمال بناء كثير من أجهزة جسده وفعالياته كجهاز المناعة على سبيل المثال, وهذا أمر لا يمكن للحليب الإصطناعي منحه إياه.

أما على الصعيد النفسي والإنساني فإن العلاقة التي تجمع بين الطفل وأمه ليست علاقة رضاعة فحسب رغم أهميتها طبعاً, بل إن العلاقة وكما بينت الكثير من الدراسات أيضاً, هي علاقة تلاحم وإندماج جسدي وروحي ونفسي يبدأ منذ تشكل الجنين في رحم الأم ويستمر على مدى الثلاث سنين الأولى من عمر الطفل على الأقل, وهذه العلاقة بين الأم والطفل هي علاقة مهمة جداً لنمو الطفل ولاستكمال بنائه الروحي والنفسي, وهذا أمر لا يمكن للأب أن يمنحه للطفل, فهي علاقة لا يمكن إفتعالها ولا يمكن تصنّعها, وخصوصاً في الثلاث سنين الأولى لأنها علاقة غريزية غير خاضعة لإرادة الطفل أو لإرادة الأم, ولكن ورغم ذلك نجد أن كثير من الأمهات أصبحن يرفضن فكرة الرضاعة الطبيعية لأسباب واهية وسخيفة جداً, ويحرمن أطفلهن من هذه الإحتياجات الهامة والأساسية جداً لهم, والتي هي حق طبيعي ومكتسب ومجاني منحتهم أياه أمهم الأكبر الطبيعة, وكل ذلك تحت شعارات ترتبط بمجملها بشكل أو بآخر بشعار رئيسي هو تحرر المرأة ومساواة المرأة مع الرجل, فتحت هذا الشعار تتبرأ المرأة من كل العادات والتقاليد القديمة والتقليدية الحسنة منها والسيئة على حدٍ سواء, وتحت شعار مساواة المرأة مع الرجل في الحقوق والواجبات, تفرض المرأة على الرجل واجب العناية بالأطفال

ولذلك أرى أنه أصبح من الضروري القول بأن هذا الخلل وهذا التبادل في الأدوار بين المرأة والرجل, وتخلي للمرأة عن دورها كأم وعن دورها كمربية أولى للأولاد في البيت, وأخذ الأب دور الأم ودور المربي المنزلي عوضاً عن زوجته في بعض الاحيان, وتخليه عن دوره كرجل لصالح زوجته, من خلال إلتزامه في البيت وإعطاء دور العمل الخارجي, هذا الخلل وهذا التبادل بالأدوار بين الرجل والمرأة, هو أمر خطير جداً سوف يؤدي إلى نتائج كارثية على الأسرة وعلى الفرد وبالتالي على المجتمع ككل

 

أما فيما يتعلق بقضية حرية المرأة, فإن هذا الأمر أيضاً ما ذال يعاني الكثير من الشوائب في عالمنا العربي, وذلك بسبب عدم وجود تعريف محدد لمفهوم حرية المرأة, وهذا أمر يتسبب بجنوح وبخروج كثير من البشر من عالم الحرية إلى عالم الفوضى والضياع في كثير من الأحيان

فالحرية ليست إنفلات, وليست خروج عن اللياقة العامة, وليست خروج عن قوانين الطبيعة, وهي أيضاً ليست مرهونة بشرط الإجماع عليها, أو بشرط توافقها وإنسجامها مع كل ما هو مألوف في المجتمع في بعض الاحيان والحالات. ولكنها مرهونة بشيء أساسي ومهم جداً, وهو ضرورة تحقيق حالة إيجابية عند ممارستها, وذلك بالمعنى المطلق لهذه الكلمة وليس بالمعنى الضيق والشخصي أو المؤدلج لها, أي بمعنى أنه إذا كانت ممارسة الحرية لن تؤدي إلى خلق حالة إيجابية على الصعيد النفسي والمادي للفرد وللمجتمع كليهما سوياً.

فإن هذه الحرية تكون قد خرجت عن مدارها الحقيقي ودخلت في إطار الفوضى والعبث, وهذا ينطبق على المبالغة في ممارسة الحرية وعلى الإحجام عن ممارستها أيضاً, لأن كلا الحالتين يُخرج هذه الممارسة عن مدارها الحقيقي ويفقدها الهدف الإيجابي لها, فالتعري مثلاً بما يمثله من خروج عن حدود الحرية ودخول في عالم الفوضى والعبث. يشابه تماماً لبس النقاب بما يجسده من خروج عن حدود واجب الحشمة, ولذلك فإن التعري ولبس النقاب هما وجهان لعمة واحدة هي الخروج عن الحالة الإيجابية لممارسة الحرية, فكليهما لا يمثل حالة إيجابية, لا لمن يمارس هذه السلوكية ولا للمجتمع الذي يعيش به

فالحرية لا تعني التعري والإسفاف في عرض الجسد, وهي لا تعني أيضاً ممارسة كل أشكال التسلط والأستعباد والدكتاتورية والقمع والقهر لهذا الجسد. فلأجسادنا علينا حق, ويجب علينا إحترامها وعدم تحويلها إلى سلعة وعدم قمعها وتحقيرها وتبشيع صورتها, ولذلك أعتقد أنه قد آن الأوان لتحرير الجسد البشري من هذه الحرب الدائرة بين تجار النخاسة وتجار الإديولوجيات, ويكفي لهذا الجسد قمع واستعباد وأسر وتحقير وحرمان, ومتاجرة به وبعواطفه وبشكله. فالجسد هو سر الروح, وبقدر ما يكون هذا الجسد حر وسليم ومحترم ومصان ومدلل, تكون الروح أيضاً كذلك حرة وسليمة ومحترمة ومصانة ومدللة  

 

ولذلك أعتقد أنه يجب على الشعوب العربية في هذه المرحلة الحساسة من إنتقال المجتمع العربي والمرأة العربية من مجتمع محافظ إلى مجتمع متحرر يعطي للمرأة الهامش الذي تستحقه من الحرية, يجب أن ينتبه إلى أن لا يأخذ قوالب جاهزة على علاتها من الخارج, وأن ينتبه إلى أن الحرية هي سلاح ذو حدين يمكن له إذا ما استعمل بشكل خاطئ أن يسيء للفرد وللمجتمع, وأن يكون خطير وضار جداً على كل الصعد.


*عبد المسيح الشامي, كاتب وباحث سوري مقيم في ألمانيا , له عدة دراسات وأبحاث في مجال السياسة وعلم الإجتماع, تناول فيها قضايا عربية وعالمية هامة

2011-01-11
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد