هل للنبوغ والعبقرية والذكاء والذاكرة أن تتبخر أو تذوب وأكثر من ذلك بأن تتحول إلى فشل علمي أو مهني وهل السبب أنها تنحرف سريعا لتصبح تجارة خاسرة أو طمع مادي بائس أم أن التخلي عن القيم الاجتماعية والوطنية والأخلاقية كفيل بتحويل النبوغ إلى فشل ؟
أما إذا قيل أن ما وراء ذلك هو انعدام التمويل أو سوء الحالة المادية فإنني أقول ليس دائما ! فهناك من النوابغ من بحالة مادية ممتازة ومع ذلك يفشلون.
أعتقد أنه وبشكل رئيسي الفشل هو فشل الجامعات وفي كل مقاييس العلم والممارسة والتربية والتوجيه.
بالإضافة إلى انعدام البحث العلمي وانعدام المشاركة بين الأستاذ والطالب ، أما تدني مستوى كفاءة المدرس وضعف تأهيله فهو أمر لا ينكره حتى المدرس نفسه.
إن أساتذة الجامعات المتميزة والمشهورة في العالم هم باحثون ودارسون ومكتشفون أبدا باختصاصاتهم والمواد التي يدرسون، إضافة لتوفر المخابر والمواد والمصادر كذلك الدراسات والمكتشفات في أبحاث سابقة عدا عن ارتباطهم بباحثين آخرين وجامعات أخرى في تبادل الخبرات والتعاون عبر المراسلات واللقاءات والندوات العلمية الدورية وغير الدورية.
إن مظاهر الفشل بادية في ممارسات الخريجين وحياتهم العملية سواء كانوا أطباء ، مهندسين ، مدرسين ، اقتصاديين ، محامين، دبلماسيين.
وإلا فما هي نسبة المتميزين في ميادين البحث والعلم والعمل بكل مجالاته وما هي كمية العطاء المهني للإنسان المنتج عندنا وبالمقارنة مع عطاء الإنسان المنتج في أوربا أو اليابان لعله متدنيا جدا.
إنني لم أسمع يوما أن طبيبا من أطبائنا الذين يمارسون المهنة قام أو يقوم ببحث طبي أو دراسة علمية في مجال تخصصه الذي يمارس به عمله ولو حتى دراسة إحصائية طبية من خلال متابعته لمرضاه!.
بالعودة إلى سبب مهم لهذا التدني ، وربما كان السبب الأهم وهو المنهاج الدراسي في المدرسة والجامعة هذا المنهاج التلقيني التحفيظي الجامد و الذي يحول المخ إلى ما يشبه علبة السردين كوسيلة لتكديس المعلومات وحفظها فحسب فيكون غير قادر على المبادرة أو على التحليل والاستنتاج أو التخيل والابتكار.
إن القدرة على التفكير أي المحاكمة العقلية مع الكم اللازم من المعلومات هي المدخل إلى النجاح في أي مجال، وغياب أحد هذين الشيئين يعني الفشل لا ريب.
من الحق أن نشير أيضا إلى جانب آخر يساهم في هذا الفشل الذي نتحدث عنه ألا وهو أن طالبا حاز على العلامة التامة في الامتحان الثانوي من المؤكد أنه سيتقدم للدراسة في كلية الطب مع أنه لا يهوى هذه المهنة ولا يشعر بأنه ولد من أجلها بل ولا يحس بأنه سيتفانى من أجل هذا الاختصاص ولن يكون متعته وهمه وإبداعه لذا سيكون الفشل ملاحقا له أبدا.
أما المهندسين فمع كل أسف لا أعتقد أن بينهم من يعي أو يأخذ باعتباره أن الهندسة بالأساس هي علم قائم على الفن والذوق والجمال إضافة إلى الدقة في الحساب والكمال في الشكل أناقة وروعة وأبعادا .
هذا ما نفتقده في فننا المعماري الحالي المحزن ويؤكد أن التطور المعماري عندنا يتراجع باستمرار وهذا ظاهر للعيان في شوارعنا وأحيائنا ومدننا وقرانا ولا أصدق أن لدينا مهندسين هم المهندس الدارس والمنفذ والمشرف والمستلم في المجال المدني والمعماري !
أين هؤلاء المهندسين وهل هم يستحقون حمل شهادة الهندسة أم أن شهادة الهندسة تعني التخلي عن القيم الفنية والجمالية والهندسية نفسها والأخطر هو افتقاد القيم الوطنية والغيرة على المصلحة العامة ، وفوق كل هذا فإن الأحياء العشوائية والبناء السرطاني يبتلع الأراضي ويحاصر المدن ويرسم مستقبلا مظلما للأجيال لا يمكن إصلاحه مع الزيادة السكانية غير المنضبطة وبشكل مفزع داخل الطبقات التي تعاني من الفقر والجهل والتي تقطن هذه الأحياء ، هذه الطبقات المتميزة بنسبة عالية من الإعاقات في مجال الجسد أو العقل أو كلاهما لأسباب وراثية أو بسبب تزاوج الأقارب حتى الدرجة الرابعة والذي ينتج عنه خلل في الجينات المتحكمة في صحة العقل والجسد حيث تظهر أعراض هذا الخلل عبر عدة أجيال والعياذ بالله. وفي هذه الأحياء ليس للعلم مكانة إلا ما رحم ربي.
أريد أن أسأل المهندسين العاملين في إدارات وأقسام المحافظات وفي البلديات ألا يعذبكم ضميركم وما هي الأدوار التي تقومون بها وهل تعون مسؤولياتكم؟