حملت شنطتها المدرسية وأسرعت نحو باب البيت وهي تصيح بصوت عالي : خاطركم أنا رايحة على المدرسة ... وقفي لا تتحركي ، صرخت أمها من المطبخ : تعالي واشربي كاسة الحليب أولا ... نظرت سهى إلى ساعتها ورأت أن الوقت لا يسمح بالجدال فانصاعت لأمر أمها وركضت نحو المطبخ ، حيث قابلت أمها حاملة لكأس الحليب الذي تناولته سهى من يد أمها وشربته بسرعة وانطلقت خارجة من البيت .
رأته واقفا على زاوية الحارة ، فسرى شعور لذيذ في أوصالها ومشت وقلبها يرقص طربا ، هذا أحمد ،الذي عرفت اسمه من مناداة أصدقائه له ، الذي يمشي وراءها حتى تصل المدرسة . لقد مضى على هذه الحالة قرابة الثلاثة أشهر بالتمام والكمال ، واصبحت حالة من التواصل والحب الصامت ، فلا كلام ولا فعل ، بل نظرات وإبتسامات حيية ... وعلى الرغم من مرور الثلاثة شهور على (علاقتهما ) لم ينتقلا لمرحلة السلام والكلام ، فلا هو تجرأ على التفوه ولو بكلمة ، وطبعا هي لم تفكر حتى بذلك ، وبقيت منتظرة أن يقدم على الخطوة التالية ، ولكن على الرغم من هذه العلاقة المبتورة بالكامل ، فقد كانت سهى تعيش حالة الحب المعهودة من أحلام يقظة وشرود وخفقان قلب لمجرد سماعها لاسمه بمسلسل أو فلم أو في أي مكان .
لقد أخذت تتخيل نفسها و أحمد يجمعهما بيت واحد بعد حفلة الزفاف ولبسها للفستان الأبيض والحفل ومن سيحضره من زميلاتها ، حتى أصبحت تعد قوائم المدعوات من زميلاتها ومن ستدعو ومن ستتجاهل ، لقد أصبحت المدرسة عبارة عن وسيلة للتواصل معه .
لقد كانت في الخامسة عشرة من عمرها وهو قرابة الثامنة عشرة ، ويفترض به أن يقدم إمتحان الثانوية العامة هذا العام ، لم تفكر كيف له أن يؤمن بيت لسكنهما أو ما الذي سيعمله لكسب قوته ، ناهيك عما اذا سيتقدم لخطبتها أم لا !!! فلم تكن تفكر إلا بالحب الذي يسري بكيانها والأحلام الوردية التي تراها في يقظتها ونومها .
سهى كانت بمثابة غريق ، وأحمد كان هو القشة التي ستنقذها من أبوها القاسي الشديد التمسك بالدين ( على عكس أمها الحنونة ) ، فلقد كانت المحظورات عنده قائمة طويلة لا نهاية لها ، وكانت هي تشعر بالاختناق فعلا ، فلم يكن مسموحا لها أن تدعو أية صديقة للبيت ، ناهيك عن ذهابها هي لزيارة اي من صديقاتها أو حضور أي حفل إجتماع ، حتى وإن كان إجتماع بنات !
ماذا تفعل ؟ تريد الخروج من هذا البيت الذي هو بيتها للإبتعاد عن سلطة أبوها والإنتقال لبيت زوجها لتصبح تحت سلطته ، مسكينات البنات ، فلا سلطة لهن على أنفسهن ولا بيت يملكونه ! فهن دائما يعشن في بيت ليس لهن ، ولا يسمح لهن بالتصرف -أي تصرف- قبل أخذ الأذن من الأب أو الأخ أو الزوج!! دمعت عيناها عندما فكرت بذلك ، وشعرت بأنها ليست إنسان كامل.
رأته هذا الصباح ، ولكن ليس كما كانت تراه كل صباح ، لقد كان هناك نور غريب يشع من وجهه ، يالله كم هو وسيم هذا الأحمد ، إبتسمت له ونظرت إليه نظرات مشجعة ، الذي لم يكن يملك سوى أن يقترب منها ويقول لها بصوت متحشرج صباح الخير ! ردت :صباح النور ... هل أستطيع أن أمشي معك ؟... طبعا تستطيع وضحكت ضحكة خافته ، ومنذ ذلك اليوم اصبحا لا يفترقان ، وكانا أحيانا يدخلان أية بناية على طريق المدرسة ويتبادلان العناق والقبلات .
عائلة أحمد ذاهبة لرأس البسيط ، تعلل بانشغاله للتفتيش عن عمل ،" أحسن مالو قاعد بالبيت ينتظر نتيجة إمتحانات الثانوية العامة "، فرغ البيت وجاءه أصدقائه وهمسوا في أذنه ، الفرصة مواتية لإحضار (صاحبتك) للبيت ، راقت له الفكرة وبتحميس من أصدقائه دعاها ولبت الدعوة وياليتها لم تلبها ، فلقد حصل المحظور و وجد "فاعل خير" ليقول لأبوها أنه رآها تخرج من بناية برفقة شاب ، فإنتظر لحين عودتها ودخولها غرفتها حتى يدخل عليها والسكين مخبأة خلف ظهره وذبحها ، هكذا دون نقاش . لقد غسل العار ، وظهر "نور" من وجهه ولحيته المشوبة بالبياض...أنا رجل مكافح للفساد ، حتى ولو كانت الفاسدة إبنتي .
القاضي والقوانين المتعاطفة معه حكمته حكما خفيفا ، وبقي لا يقطع صلاة بمصلى السجن.
دمشق 10/1/2011