ردا على الدعوات الأخيرة لإلغاء مادة التربية الدينية من المنهاج المدرسي وتدريس مادة أخلاق عوضا عنها وما تبعها من مقالات تدعم فكرة عدم علاقة الأخلاق بالدين وصولا إلى فكرة أن المسلم يتبع قوانين الإسلام خوفا من العقاب وطمعا بالثواب أقول الأتي:
أليست تعاليم الإسلام تحوي من الأخلاق ما يكفي لبناء المدينة الفاضلة والمجتمع المثالي؟؟لا احد يستطيع إنكار أن ما جاء به الرسول الكريم يهدف لزرع الأخلاق الفاضلة,بل أن الهدف الرئيسي للإسلام كما أوضح الرسول الكريم هو إتمام مكارم الأخلاق.
ومن لم يقرا بعض ما تعلمناه في المدارس فليتفضل ويرى بنفسه الأحاديث النبوية المدرجة بالمنهاج ويقرا حديث السارق والسارقة,والراشي والمرتشي, أدب الوقوف في الطريق .... إلى غيرها من الأحاديث التي تحوي من التعاليم الأخلاقية ما يكفي ويزيد عن ما يريده أصحاب فكرة إلغائها من المنهاج.
هذا بالنسبة لقسم الحديث الشريف أما بالنسبة لقسم الاستحفاظ وقسم البحوث ففيهم أكثر من السابق كون الأول مأخوذ من القران الكريم والثاني ترجمة لكل من القران والأحاديث النبوية مع شرح الفوائد في كل منهما,حتى درس تعليم الصلاة يبدأ بكيفية الوضوء و الصلاة وينتهي بتأثيرها على خلق المسلم وفوائدها للنفس والجسم. فمن أين جاء الزعم أن الإسلام بعيد عن الأخلاق؟؟من الذي قال لكم أنا الإسلام دين روحانيات وليس دين علم وعمل؟؟؟
الم نكن في الماضي على رأس هرم الحضارة علميا وعسكريا في وقت كانت أوروبا تغرق في ظلام دامس؟؟؟من منا لم يقرا عن عصور الظلام التي يخجل الأوروبي الآن من الحديث عنها ويحاول تغيير دفة الحديث ويرى الفرق بيننا في الماضي والحاضر,عسكريا كنا الأقوى وحطين وعين جالوت والزلاقة خير شواهد,أما علميا فالأمر محسوم بالرجوع فقط إلى أسماء المبدعين العرب على مختلف الأصعدة والى قوة النظام التعليمي في ذلك الزمان وخير مثال له هارون الرشيد الذي أعطى كل مؤلف وزن كتابه ذهبا وجامعة قرطبة في الفردوس المفقود كامبردج تلك الأيام) خير دليل على ذلك في وقت كانت أوروبا تداوي مريض الصرع بالجلد لإخراج الشيطان من جسمه بينما في بلادنا كان هناك بيمارستان تعالج المرضى مجانا وبأخصائيين يعدون مراجع طب ذلك الزمان.
بعد كل ما سبق أوجه سؤالي للإخوة العلمانيين : الم نحقق كل ما سبق نتيجة تطبيق تعاليم الإسلام الذي حض على العلم والعمل ونحن ملتزمون بتعاليمه ومع وجود المنقبات والمحجبات وكل ما تدعون إلغائه الآن بحجة إعاقته للتطور والتقدم؟؟
لماذا لم يعق الدين التطور في ذلك الوقت في حين يتم اتهامه الآن انه هو العقبة الرئيسية في وجه تقدمنا؟؟ بل إني أزيد على ذلك أن تخلفنا نتج عن ابتعادنا عن ديننا ,كنا أسياد الأرض عندما كنا ملتزمين بتعاليم ديننا ونعمل بعزيمة وشعارنا البحر من ورائكم والعدو من أمامكم,وأصبحنا فئرانها عندما ابتعدنا عن مصدر قوتنا وأصبح شعارنا راقصات على أنغام لما بدى يتثنى.
أما عن اتهام البعض أن الإسلام عبارة عن مجموعة من تعاليم الثواب والعقاب ولولا العقاب لما اطعنا تعاليمه فقد أجاب البعض مشكورا عن هذه النقطة وأريد فقط التتويه إلى أن مواطني أوروبا (الشاهد المفضل للإخوة العلمانيين) لا يطيعون قوانين البلاد فقط لأخلاق المواطنين العالية كما تظنون( وأنا مسؤول عن كلامي بحكم وجودي في ألمانيا منذ 4 سنوات وأنا حاليا على وشك بداية الدكتوراه وأقولها فقط لتفهموا أي شريحة من الناس أخالط ) وإنما لشدة عقوبة مخالفة النظام,ومن لا يصدق ليسال احد المقيمين في أوروبا عدة مواطنين عن رأيهم بنظام الضرائب التي تذهب بنحو 40 في المائة مما يكسبه الموظف وليستمع لكلام البعض ممن سال الممزوج بالغضب والأسى معا عن أمنيته لو يستطيع الإفلات من هذا النظام( مع تأكيدي على نجاح هذا النظام وفاعليته الرهيبة في المجتمع مخالفا برأيي الكثير من الأوروبيين أنفسهم).
طبعا لا يفكر الجميع بمثل هذه الطريقة بالتأكيد, لكن شريحة لا باس بها يطيعون القانون ليس لأخلاقهم العالية وإنما لعلمهم بعقوبة السجن والغرامة الخرافية التي تنتظر المخالفين, صدقوني نسبة كبيرة من الشعب الألماني يطيع قوانين البلاد خوفا من كلمة شترافي( وتعني مخالفة وهي بالمناسبة أول كلمة قامت مدرسة اللغة الألمانية بتعليمها لنا عندما كنت ادرس اللغة الألمانية قبل دخولي الجامعة),والأمثلة تطول على فكرة إطاعة القانون خوفا من العقوبة منها مثلا قوانين المرور (لمن لا يعلم هناك كاميرا على كل إشارة مرور تقوم بالتقاط صورة السائق المتجاوز للإشارة الحمراء) الذي يجبر من يريد ومن لا يريد على إطاعة القانون.
لماذا كل هذه العقوبات وما يترتب عليها من كادر وتجهيزات برأيكم إذا كان الشعب الألماني الذي يعد من ارقي شعوب أوروبا يتمتع بأخلاق عالية كفيلة لردعه عن مخالفة النظام؟؟؟
لا أنكر أن الأخلاق ممكن أن توجد دون وجود الدين وإلا لما كان النبي (ص) الذي لا ينطق عن الهوى قال في احد الأحاديث:إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقة فزوجوه.
هذا الحديث برهان قاطع على لزوم تكافل الدين مع الأخلاق ليكون المرء مواطنا صالحا في المجتمع يشرف أي عائلة أن تناسبه, لكن إنكار علاقة الدين بالأخلاق خطا مع احترامي للجميع,فالأخلاق ممكن أن تنهار في لحظة ضعف ولا يبقى حينها إلا الدين رادعا للمرء عن الوقوع في الخطأ,اعرف عشرات الموظفين الشرفاء الذين يكملون الشهر يأكلون الخبز الحاف فقط كما يقال دون أن تسول له نفسه الرشوة معللا ذلك انه لا يريد أن يدخل جيبه قرش حرام.
الدين والأخلاق جزءان يكمل كل منهما الأخر ولا يجوز فصلهما لان احدهما متعلق بوجود الأخر.أين كانت أخلاق ملايين جيوش الحلفاء حين تم اغتصاب مئات آلاف الألمانيات عقب سقوط برلين ودخول جيوش الحلفاء إليها؟؟؟
الم يكن أمر عسكري صادر عن قائد الجيش بعقاب من تسول له نفس تلك الفعلة الشنيعة أو كون الجنود أنفسهم ممن يخاف الله ويعد الاغتصاب جريمة يعاقب عليها الإسلام كافيا لمنع حدوث تلك المجزرة عوضا عن الاعتماد على أخلاق ملايين الجنود التي انهارت عقب غياب القانون الرادع ؟؟؟ باختصار فكرة الثواب والعقاب موجودة ابتداء من مكافئة أطفال الحضانة المدرسية على حفظهم أغنية طفولية وصولا لمكافئة التطبيق الصحيح لتعاليم الإسلام.
أخيرا أود التنويه(حتى ما تخطفوا الكباية من رأس الماعون مثل ما يقولوا وتستلموني عشرة بلدي) إلى إنني اتفق مع الإخوة العلمانيين على وجود العديد من المسلمين الآن من لا يطبق من الإسلام سوى ما يريد,لا أنكر وجود من يصلي الفروض الخمسة حاضرا في المسجد نهارا وليلا هو من اكبر اللصوص,أو من يفسر تعاليم الإسلام على هواه لينتج عنها فتاوى فكاهية كإرضاع الكبير وما شابهها من هراء,لا أنكر وجود من يغتصب حتى ابنته مع ادعائه بأنه مسلم..
لكن ما أريده منكم أن لا تعدوا هؤلاء هم الممثلين الحقيقيين للإسلام, بل هم مسلمون دخلاء على الدين البعيد كل البعد عنهم وعن ممارساتهم, في الإسلام القاتل يقتل فليس هناك ما يسمى جريمة شرف ولا غيره, تعدد الزوجات أبيح في حالات وشروط معينة لا للتسلية والمزاج, السارق يعاقب مهما كان مركزه الاجتماعي, وما نراه اليوم ليس إسلاما ولا مسلمين وإنما جهل بتعاليم الإسلام ومسلمون ,فأرجو عدم الخلط لان تعاليم الإسلام واضحة وصريحة وإذا كان هناك خطا في التطبيق فالعيب في من يطبق لا في التعاليم نفسها.
ختاما اشكر سيريانيوز على النشر واعتذر من القراء الكرام على الإطالة وعلى وجود بعض الركاكة في المقال, فانا لست بكاتب وإنما شخص عادي أحب أن يوصل فكرة لا أكثر,تحياتي للجميع وبانتظار تعليقاتكم.