إن لفصل الشتاء طقوس وسمات , لعل أجملها انه لا يجعلك تفكر كثيرا ماذا ستفعل هذا المساء ,حيث أن الإجابة الأكثر احتمالا هي أن تجلس في البيت وتذهب إلى خيار مشاهدة ما تبثه المحطات الفضائية من برامج ومسلسلات ,
ومهما كنت من محبي البرامج الحوارية أو ما يسمى (التوك شو) أو البرامج العلمية أو الوثائقية إلا أن إعلانا ما لمسلسل أو تمهيد ربما تكون قد سمعته من أصدقاء أو قرأت عنه مقالا قد يختزل ذلك عملا كاملا ويدفعك إما لمتابعته في عرضه للمرة الثانية أو تجاهله تماما .
والحقيقة أن مسلسل تخت شرقي وصل إلى مسامعي من الأشخاص الذي أعمل معهم , حيث اتفق الجميع على جرأة هذا المسلسل وارتفاع سقف الحرية اللفظية ( الكلامية ) من خلال استخدام مفردات يستخدمها الشارع السوري أو بعضه إلا أننا لم نتعود سماعها ومشاهدتها تلفزيونيا ومن خلال مسلسل رمضاني يومي .
وبالفعل بدأت أترقب أن يعرض هذا المسلسل في وقت مناسب للمشاهدة , حتى جاء موعد العرض الثاني للعمل على شاشة الدنيا , وفي توقيت السهرة حيث تجتمع أفراد أسرتي كبيرا وصغيرا .
وبالفعل كان ما يقدم في هذا المسلسل غير مألوف بالنسبة للمشاهد السوري , واني وإن كنت لا أريد أن أبخس الناس المشتغلين حقهم وجهدهم الواضح في تقديم ما هو مختلف إلا أن هناك بعض الملاحظات الحيوية التي لا بد من الوقوف عندها , والتي اعتقد أن الكاتبة يم مشهدي هي من يتحمل مسؤوليتها بالكامل .
حيث أرادت الكاتبة أن تقول كل ما تعرفه عن الحياة , بل كل ما سمعته وقرأته دفعة واحدة وفي عمل واحد تظن أن هذا استعراض عضلات في فهم البيئة السورية , متناسية أن لكل عمل درامي طاقة في تحمل المواضيع التي يجب أن يطرحها , حتى تأخذ الأحداث حقها وتحظى الشخصيات بالوقت الكافي للبناء الدرامي .
في الحقيقة إن الأمثلة كثيرة على حالة عدم الإدراك في النص والذي أوقع المخرجة رشا شربتجي أيضا في دوامة واضحة , حيث لم تستطع آن تمسك بالأحداث الكثيرة في المسلسل , حيث كانت في كل مرة تعود إلى شخصية يعرب ليقدم نصيحة مباشرة للمشاهدة , كما أرادت أن تقدمه الكاتبة على أنه النموذج للشاب السوري الذي يشرب الخمر ويلهو ويسخر ممن حوله ومن مجتمعه ويتهرب من خدمة العلم , ثم تأتي الحكمة المفقودة من فمه هو , باعتباره أكثر شخص يفهم الحياة ويفهم ما يجري .
أما بالنسبة للمواضيع التي خصصت الكاتبة لها مشهد واحد دون حتى أن نفهم ما هي الغاية في أن تطرح هكذا بسطحية دون تعمق أو تحليل .
فأنا لا أدعو إلى تجاهل تلك القضايا بل منحها الوقت , بل الكثير من الوقت دراميا , لأن الأمانة في الدراما أن تطرح المواضيع بأمانة لا أن تقتص ما تشاء من أفكار وتنبذ ما تشاء , وأقدم للقارئ العزيز بعضا من هذه الأفكار كما وردت في المسلسل , على لسان بعض الشخصيات :
- (الأم تخاطب ابنتها ) ثلاث أرباع الفتيات يتحجبن في مجتمعنا من اجل العريس .
- ( البنت تخاطب والدتها ) لو كنت أعيش خارج سوريا كنت ذهبت إلى بنك النطاف وأنجبت ولدا .
- ( غريتا تخاطب صاحبها) تريد أن تنام معي ونحن في رمضان بس بعد الإفطار, لأن ذلك حلال هاهاها ....
- (فتاة تخاطب صديقتها) أنها تتحدث مع شاب على الانترنت وهو لا يصوم وهو من السويداء.
- الأب يلوم ابنه على المال الحرام و هو يعمل في ملهى ليلي وراء راقصة من الدرجة العاشرة .
وغير ذلك من توافه الأحداث التي لا أمانع في طرحها جميعها , بل وأكثر من ذلك كله ولكن بطريقة تفي الموضوع حقه وتمنح الشخصيات حيزا للتعبير وطرح الفكرة والإحاطة بها من مختلف الجوانب .
واسأل هنا الكاتبة أين الجرأة في استعراض أطياف المجتمع السوري بهذه الطريقة التي جاءت على لسان أشخاص لا يعبرون إلا عن أنفسهم , فإذا وجدت عائلة لا ترغب بتزويج ابنتها من شاب فلسطيني , فإنه يوجد عائلات سورية بالآلاف صاهرت وناسبت عائلات فلسطينية ,فهل من المنطق أن تكرس هكذا صورة عن نظرة السوريين لهم وسورية كانت على الدوام تؤاخي بين العرب وتنادي بالعروبة.
إن كل ما أرادت الكاتبة قوله , يعرفه المواطن السوري ولا يجهد بعقله ليفهمه , بل ويعرف أكثر من ذلك .
جميعنا يتحدث النكات والطرائف مع أصدقائه و زملائه , حيث لكل مقام مقال , حيث لا يمكن لي أن أتحدث بنكتة جنسية أمام أمي أو ابنتي , ولكن ممكن أن أتحدث بها ببساطة مع صديق مقرب أو حتى زميل . أما أن نقحمها و نقدمها في مسلسلاتنا التي نشاهدها في بيوتنا مع أبناءنا وأخواتنا ونصنع كما صنع اللبنانيون في برنامج (لول) البرنامج الذي رفع سقف الإباحية اللفظية في الإعلام العربي لمجرد إشاعة الإباحية لا أكثر.
هل أرادت الكاتبة يم مشهدي أن يحسب لها هذا الانفلات اللفظي وهذه الإباحية في الدراما السورية , إن يكن كذلك فمبروك لها ذلك الشرف العظيم , مع التنويه إلى أن حتى الأفلام الأميركية والغربية الموجه للأسرة والعائلة تكاد تخلو من الإسفاف اللفظي حتى وان كان موجود في المجتمع إلا أنه لا يجب أن يكرس على أنه كل المجتمع.
و إذا كان المشتغلون في الدراما يبرؤون الدراما من إيجاد الحلول , ويكتفون بطرح المشكلة , فهم على الأقل يجب عليهم أن يطرحوا أفكارهم باعتدال و وعي وأمانة ويعطوها حقها في الطرح , وإلا فإن البرامج الاجتماعية التي تجود بها الفضائيات العربية والتي نفتقدها في إعلامنا المحلي يمكن أن تكون أكثر إمتاعا وفائدة من هذا الهرج المكلف وقتا وجهدا .
وأخيرا آه وألف آه من الشتاء والنساء , الشتاء الذي يجبرنا على البقاء في بيوتنا , والنساء اللواتي يخترن لنا ما نشاهد من مسلسلات ردا على ما نختار من أخبار وبرامج حوارية وثقافية وغير ذلك .