لقد حل محله!
هكذا ببساطة.. دخل حياتي و احتل وقتي كله و لم يترك له سوى بضع سويعات في الأسبوع أمضيها برفقته متنقلة بين أكثر من مئة قناة فضائيه بحسب مزاج من يحمل جهاز التحكم..
هذا هو حال التلفزيون منذ أن دخل الكومبيوتر و الإنترنت عالمي حيث بت أحصل على كل الأخبار و المعلومات التي أريدها و حتى التسلية بكبسة زر في حين باتت زياراتي لصديقي القديم (خارج فترة السباق الدرامي الرمضاني الذي أتابعه من باب الإطمئنان على حال درامانا السورية) قليلة و قصيرة للغاية و في أغلبها بمحض الصدفة حيث قلما أمسك جهاز التحكم بنفسي لأتابع برنامجاً أو مسلسلاً ما.
و بالرغم من أن التلفزيون بكبلاته و أزراره و شاشاته على أنواعها لم يعد يعني لي الكثير إلا أنني قررت أن أقول كلمتيّ حق حتى و لو تم قطع الإرسال عن بيتي!!
الكلمة الأولى:
المكان: القناة الأرضية (التلفزيون العربي السوري)
الزمان: ليلة رأس السنة
الحدث: حفل فني ساهر بمناسبة ليلة رأس السنة
الوضع: مزري.. مأساوي.. مخجل.. بصراحة يصعب وصفه بكلمة واحدة لذا سأسترسل و أمركم لله!
ففي حين زاغت عيوني أثناء التنقل بين القنوات اللبنانية على اختلافها و تنوعها بسبب غنى السهرات التي قدمتها و الحرفية العالية التي تم تقديم هذه الحفلات من خلالها إذ يكفي أن هذه السهرات قد أدت واجبها بجذب المشاهدين و تقديم الترفيه الذي يبحث عنه الراغب بمتابعة هذا النوع من البرامج الترفيهيه، طبعاً بغض النظر عن رأي الشخصي ببعض البرامج التي قد تجاوزت باعتقادي بعض الخطوط الحمراء بعرضها لنكات و كلمات لا يجوز أن تطرح على شاشات التلفزة و لكن و مع هذا لا أستطيع أن أنكر أنها قد استقطبت الكثير من المشاهدين .
هذا عدا عن أنها كانت تظهر بشكل لائق من حيث الديكور، الإضاءة، الصوت و حتى تفاعل الجمهور على عكس تلفزيوننا المحلي تماماً! إذ أنه و بعد زوغان العيون كدت أصاب بنوبة قلبية ما أن قررت والدتي تفقد وضع التلفزيون المحلي كي تعرف (شو في ما في) لنكتشف بأن الـ(ولا شي) أفضل بكثير من (هالشي) و لنحمد الله على نعمة البث الفضائي ألف مرة و ألف كرة..
حيث أنه بالطبع و كما هي العادة فقد قرر معدو البرامج المخضرمين لدينا أنه لا يوجد في التلفزيون مقدمين و مقدمات على مستوى الحدث لتقديم السهرة فجاؤوا بنجوم الدراما السورية لتقديمها و نحن لن نتوقف كثيراً عند هذه النقطة لأنه و في الكثير من القنوات الفضائية العربية و العالمية يتم الاستعانة بنجم أو نجمة من ذوي الشعبية و الحضور الجميل لتقديم برامج أو سهرات و ذلك بسبب محبة الجمهور لهم الأمر الذي سيزيد من نسبة المشاهدين المتابعين للبرنامج المعروض و لكن الفرق أنه و في كافة دول العالم يتم اخضاع النجم أو النجمة لفترة تدريبية في مجال التقديم إذ أن تقديم هذا النوع من البرامج يتطلب مهارة و دراية فيما بتعلق بالتصرف أمام الكاميرا، قيادة الحوار مع الضيوف، التفاعل مع الجمهور إن وجد و ارتجال الأسئلة و الطرائف و غيرها من الأمور التي كانت غائبة في تلك السهرة حيث ظهر مقدمي البرنامج (و أنا لا ألومهما) في حالة ارتباك و تأتأة و فأفأة و توهان عن الكاميرا التي ينبغي أن ينظروا إليها فبدا للجمهور بأنهما لا يعرفان إطلاقاً ما يقومان به أو حتى ما يدور حولهما..
من جهة ثانية يبدو بأن هناك من أعطى فكرة غاية في الذكاء تقتضي القيام بعمليات نقل حي و مباشر لأجواء الفرح من المحافظات السورية و هي ليست بفكرة سيئة بالمطلق لو أنها طُبخت و حُضرت بشكل صحيح و على نار هادئة لا أُلقيت نيئة في وجه الجمهور الذي أُصيب بعسر هضم مزمن بعد تلقيها..
و كي يعرف بعض من نسي عنوان التلفزيون المحلي ما حدث سأختصر الموضوع بأن هذا النقل الحي لم يتعدى مستواه وقوف مذيعة في ساحة جورج خوري بدمشق محاطة ببعض (البابانويلات أو السانتاكلوزات) يقفزون و ينقزون حولها على قرع طبول فرقة أبو شادي بين الأيادي للمناسبات في حين يحاول بعض المارة التلويح للكاميرا بطريقة هستيرية و كأنهم يرون كاميرا لأول مرة في حياتهم
في حين كانت المذيعة تصرخ من بين الضجيج محاولة الترحيب بالجمهور و الرد على أسئلة المقدم الموجود في الاستديو و لكن دون جدوى و لا تندهي ما في حدا و السبب أننا لا نحن كجمهور سمعنا ما تقول و لا المقدم سمع ما تقول و لا هي سمعت ما يقوله المقدم فبدا الوضع بأكمله و كأننا في بيت الطرشان و ما حدا لحدا يا حبيبي و كل الفضل في هذا للعاملين على الهندسة الصوتية في تلك الليلة المريعة أدامهم الله ذخراً للمشاهدين..
أما عن النقل المباشر من المحافظات الأخرى فلم يسعفني الحظ إلا بمتابعة بضع لقطات على الهواء مباشرة من محافظة طرطوس حيث تجري وقائع حفل انتخاب ملكة جمال عشتار (خصصت له كلمتي الثانية بأكملها) الذي لم يكن حظه أوفر من حظ مذيعتنا في ساحة جورج خوري لتذهب جائزة أسوء هندسة صوتية في العالم لعام 2010 للقائمين على هذه السهرة الله لا يعطيهم...... إلا العافية.
إذن مقدمين مرتبكين، استديو من زمن الديناصورات، هندسة صوتية مقرفة، مغني يقولون بأنه مطرب شعبي ظل طوال السهرة يبتكر النكات و الطرائف فقط كي يضرب كفه بكف الممثلة الجالسة بالقرب منه و التي كانت علامات عدم الراحة بادية على وجهها، حوار طرشان مع بقية المحافظات، أسئلة مكررة نمطية و مملة و معايدات من نمط (كل عام و أنتم بألف ألف خير) –ليش ما يقولوا مليون و يريحونا ما عم افهم- شبه هيصة باردة حد التجمد مع دقات الساعة التي أعلنت انتصاف الليل و دخول العام الجديد (مع الاحترام الشديد للسيدة فيروز التي أعشقها و صوتها الملائكي)، أفكار مرتجلة و مدحوشة دحش ضمن السهرة من باب (المخرج عايز كدة و قرايب المعد عايز كدة و فلان الفلاني عايز كده) أما الجمهور فإلى جهنم و بئس المصير و إن لم يعجبه الوضع فليشتر (دِشاً) أو ليصمت..
الكلمة الثانية:
المكان: القناة الفضائية السورية
الزمان: اليوم 4 كانون الثاني 2011..
الحدث: حفل انتخاب ملكة جمال عشتار (إعادة الحفل المقام في ليلة رأس السنة)
الوضع: سيء جداً .. مشرشح.. تعيس... و الله هاد التاني ما عم ينوصف معي بكلمة!!!
فبالرغم من موقفي الخاص من مسابقات ملكات الجمال و التي أعتبرها تسيء للمرأة و أنوثتها و تعرضها كمجرد سلعة إلا أنني لا أستطيع أن لا أعترف بأن ما يقدم أثناء حفل انتخاب ملكة جمال لبنان (من استعراضات و لوحات فنية مبهرة يتكامل فيها المسرح مع الديكور الجميل المتقن و الإضاءة الجذابة الملعوبة بمهارة و الرقصات و الوصلات الفنية المختارة بعناية مكملة بإطلالة ملكية لمن من المفترض أن إحداهن ستتوج ملكة جمال لبنان، الهدايا التي ستحصل عليها الملكة المرتقبة، مقدمة الحفل التي يتم اختيارها جميلة و لبقة لتكون على مستوى الحدث إضافة للجمهور الحاضر لهذه الحفلات بشياكته و أناقته و المكون من نخبة من النجوم و الشخصيات المعروفة و المحبوبة و الذي يجعلك و دون أن تشعر تنجذب للمتابعة من البداية إلى النهاية) ناجح، جماهيري، متقن و احترافي و على مستوى عالمي..
أما في حال عشتارنا يا حسرة فتجد نفسك تسأل ألف سؤال:
لماذا في ليلة رأس السنة؟
قلة ليالي يعني؟؟
ألم يفكر القائمون على الحفل العظيم بأنه كان بإمكانهم استغلال هذه المناسبة إعلامياً و تسويقياً بشكل أكبر لو لم تتم سلوقتها لتعرض في ليلة كهذه؟؟
ثم من هي مقدمة الحفل؟
أو بالأصح أين هي؟
إذ أننا سمعنا صوتها طوال الحفل إلا أنها لم تظهر على الشاشة سوى لبضع دقائق اختفت من بعدها؟؟
لماذا حين سحبت إحدى المتسابقات المغلف الذي يحوي السؤال الذي سيتم توجيهه لها من قبل لجنة التحكيم ارتبكت كلاً من المتسابقة و المذيعة و عجزتا عن قراءة اسم السيدة التي يفترض أنه قد سبق تقديمها على أنها من لجنة التحكيم و التي قامت بتذكير المذيعة باسمها بنفسها؟
لماذا تم اختيار هذا المكان الضيق الذي تم حشر منصة الـ Cat Walk فيه حشراً و دُحشت فيه طاولات الحضور دحشاً؟
لماذا لا يقام حفل كهذا على منصة مهيئة لهذا الغرض؟
لماذا لم يتم منع اصطحاب الأطفال الذين لم يكتفوا بحضور الحفل بل قرروا القفز على المنصة أيضاً؟
لماذا لم يتم تهيئة فريق التصوير للعمل في هذا المكان و تخصيص مساحة كافية لهم ليتمكنوا في نهاية الأمر من نقل الصورة للمشاهد الذي بالكاد استطاع رؤية المرشحات؟
لماذا في كل مرة تذكر مقدمة الحفل اسم احدى المتسابقات يقوم المصور بتوجيه الكاميرا نحو المتسابقة الخطأ؟
ترى هل كان من الصعب ترتيب وقفة المتسابقات و تعريف المصورين بأسمائهن لتلافي هذه الاخطاء؟
و لماذا يصر المصورون على التركيز على تصوير مكان الحفل و كأنه قصر يلدز أو على الجمهور في حين أن المتسابقات اللاتي من المفترض بأنهن محور الاهتمام واقفات على المنصة دون أن تعيرهم الكاميرا أي اهتمام؟
لماذا و في ظل وجود آلاف مصففي الشعر و خبراء المكياج و مصممي الأزياء المحترفين في سوريا و الذين كان باستطاعتهم إظهار المتسابقات بطلة تتناسب و حفل انتخاب ملكة جمال تم الاستعانة بمن جعل الفتيات متل بنات الشدة (ورق اللعب و ليس الشدة أخت السكون) أو كما لو أن كل واحدة منهن طفلة أمضت وقتاً معقولاً و هي تلعب بخزانة والدتها؟
لماذا لم يتم تدريب المتسابقات على طريقة المشي و الوقوف و الحديث أمام الجمهور فكن مرتبكات إحداهن تمسح أنفها و أخرى تتحدث مع الجمهور خلفها و ثالثة تصحح ثوبها الذي يكاد يسقط عنها و رابعة و خامسة و و و؟
لماذا ظهر الجمهور الحاضر للحفل في حالة فوضى و كأن الجميع في حالة سكر جماعي مقزز؟؟
و لماذا بعد أن تم تتويج الملكة صدحت أغنية Happy New Year لفريق الـAbba و التي لا تتناسب على الإطلاق مع هذه اللحظة مما يؤكد من جديد أن اختيار هذه الليلة بالذات لهذه المناسبة كان خطئاً فادحاً.
كيف صادف (سبحان الله) أن كافة المتسابقات ما بين 175 سم و 176 سم و الوزن 57 كغ و الخصر 38 و الأعمار دون 20 سنة مع أن أي مشاهد مهما كان غبي و بالرغم من رداءة التصوير يستطيع أن يلاحظ الفروقات الشاسعة بين المتسابقات من حيث الطول و الوزن و حتى العمر إذ أن بعضهن مترهلات بشكل لا يدع مجالاً للشك بأنهن فوق 30 سنة هذا عدا عن أنه و بمجرد وقوف ملكة جمال لبنان ناتالي نصر الله على المنصة بجانب المتسابقات لتقوم بتتويج الملكة بداً واضحاً تماماً بأن متسابقاتنا لم يتجاوزن الـ 168 سم من حيث الطول...
طبعاً لن أعلق كثيراً على إجابات المتسابقات بما أن الحال من بعضه و الوضع هو ذاته في كافة مسابقات الجمال التي تثبت يوماً بعد يوم للأسف المقولة الشهيرة "كوني جميلة و اصمتي" مع أن الأسئلة كانت مطروقة و مكرورة و لو أن المتسابقات ألقين نظرة على (أسئلة الدورات) من الحفلات السابقة لحصلن على السؤال و الإجابة معاً إلا أن ما أغاظني و أوصل ضغط دمي للألف هو أنه و حين طرح أحد أعضاء لجنه التحكيم سؤالاً واحدا لكافة المتسابقات عن المهنة التي اختارتها أو ستختارها كل منهن و تعتقد بأن جمالها سيخدم هذه المهنة أتت الإجابات على النحو التالي:
1- أنا بحب الفن كتير.. أكيد المجال الفني
و كأن نجاح المطرب بجمال شكله لا صوته و عبقرية الممثل بطول قامته لا بأداءه إلا إذا كانت تتحدث عن فن آخر أو فن الهشك بشك و الله أعلم.
2- جرّاحة تجميل لحتى أعطي كل حدا الجمال يلي بدو ياه.
و كأنها ستحمل مبضع الجراح بين شفتيها أو رمشيها أو ربما سيكون كافياً أن يرى المريض جمالها فيصبح بأحلى طلة و أبهى صورة دون أي مهارة أخرى..
3- العلاقات العامة الـPR
إن كان مفهوم العلاقات العامة يعتمد على الجمال كما يظن البعض فعندها تتحول العلاقات العامة لأمر مختلف تماماً.
4- بحب أرسم بسمة على وجه الأطفال خصوصاً أطفال غزة و العراق و ان شاء الله اقدر ارسم البسمة على وجه الأطفال.
و بماذا سيساعد الجمال أطفال غزة و العراق؟
أسيعيد لهم من قتل من أهاليهم؟
أسيبني لهم البيوت؟
أسيعيد لهم مدارسهم و كتبهم و ملاعبهم التي حرموا منها؟
أم أن أطفال غزة و العراق باتوا ديباجة و اسطوانة مخرومة لكل من يريد أن يشحد على معاناتهم ليُظهر انسانيته؟
و في حال تركنا أطفال غزة و العراق فكيف يمكن للجمال أن يرسم بسمة على وجه طفل لديه معاناة ما؟؟ برفرفة الرمشين؟؟
للأسف لم تفكر أياً من المتسابقات و لو للحظة بأن الجمال لا يعتبر مؤهلاً لأي مهنة و لا يمكن أن يخدمها و بأن استخدامه لخدمة مهنة ما يجعله رخيصاً و بالتالي فاختيار المهنة لا يجب أن يكون مبنياً على الشكل الخارجي الذي لا يجوز أن يكون حتى مجرد عامل مساعد بل على المهارات و المؤهلات العلمية و الخبرات العملية.
ببساطة الحفل كان كارثي على كافة الصعد و للأسف فقد تم عرضه على شاشة القناة الفضائية السورية لتكون (الفضيحة بجلاجل) و لنثبت و للمرة المليون بعد المليار فشلنا بتنظيم هذا النوع من الحفلات و السهرات بالرغم من قيام لجنة ملكة جمال لبنان بالإشراف على الحفل و ذلك بسبب عدم تواجد المسرح الملائم، نقص التمويل المناسب، فقر بالرعاية الكافية من الجهات المعلنة، و انعدام التسويق الصحيح للحدث و استغلاله بشكل صحيح لجعله حدثاً فنياً و إعلامياً ينتظره المشاهد..
أخيراً أتمنى من كل قلبي أن يصل رجائي للمعنيين و القائمين على برامج التلفزيون العربي السوري بأن يعترفوا بفشلهم في مجال صناعة برامج الترفيه و المسابقات و الحفلات الفنية و البرامج الحوارية المباشرة و بأننا في سورية حققنا نجاحاً في الدراما فقط و ذلك لأننا نملك مقوماتها أما هذه البرامج فلنتركها لأهلها و لنتوقف عن عرضها على شاشتنا الفضائية على الأقل لأنه إن كان لابد من الاستمرار بالتجريب على أمل تحقيق النجاح يوماً ما فلنكتفي بالتجريب على مواطنينا فقط من مبدأ عدم نشر غسينا المكيلح على الملأ و للننتظر أن نتعلم من غيرنا لا نستنسخهم فقط و بشكل فاشل يخجل منه الفشل إذ أن المثل يقول: يا افتحه و افتخر يا اطبقه و انستر.. فخلوا الطابق مستور كرمااااااال الله.
* تنويه من ادارة المساهمات : سقط سهواً الجزء الاخير من المساهمة وتم تدارك الخطأ ونشر المساهمة كاملة..مع الاعتذار