news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
محمية طبيعية بين عسال الورد وبعلبك... بقلم : د. حسن خلوف موسكو

تبقى الطبيعة أرضا وهواء وسماء وماء هي الحضن الذي يحتوي الإنسان ، يصونه ويقدم له مجال الحياة وسرها ووعائها ، فيها يعيش وينظر ويسمع ويأكل ويشرب ويتنفس! ومقابل هذا كله ماذا يقدم هذا الإنسان لهذه الطبيعة الجميلة والمعطاءة الكريمة والتي بفضلها يعيش ويستمر وجوده لآلاف السنين !


لا بد من أن يعرف الإنسان واجبه تجاه أرضه ، وطنه، بيئته من حيث الحفاظ عليها وصيانتها لتبقى تحتضنه سليما معافا ، بنظافتها وحمايتها من تخريب أو عبث البعض منا،  والذين قد يكون منهم الجاهل والأحمق والجشع  والمجرم ! فمن يرتكب ذنبا بحق الطبيعة وهي أمّنا جميعا !  هو يرتكب بذلك جريمة بحق كل من يعيش على هذه الأرض ويشارك بالإستفادة من احتضانها له ولكل أبناء الوطن هواء وماء وطعاما وملجأ وطبيعة خلابة.

لعل أكثر أبناء الوطن لا يعرفون ما يحتويه هذا الوطن من طبيعة خلابة وجبال شاهقة   رائعة الشموخ   وشماءة القمم !

 لقد أتيح لي منذ نعومة أظفاري أن أرى ما لم يراه الكثيرون من الناس وأن أحس بما قد لا يحس به الآخرون عندما يروا ،  شعورا وفهما لما يرى الإنسان وإحساسا وتعمقا وتلذذا لا بل وغرقا في بحر ما يرى! لقد أتيح لي بحكم طبيعتي الفضولية المغامرة،  والجرأة في اقتحام الأهوال وأنا طفل صغير  ولو تحت جنح الظلام  أن أدخل أحضان الطبيعة واتحدث معها وأسمع ما تقول وهي صامتة عجماء.

 لقد كنت أشعر ومنذ طفولتي بثقة بالنفس لا تضاهى وبأنني جزء من الطبيعة علي أن أفهمها وأكون جزءا منها أمتزج بها وأستمتع بجمالها  وأحافظ عليها وكأنها كلها بحجمها الهائل  قطة صغيرة في يدي أرعاها وأنظفها وأحميها.

لقد حصل وأن رأيت نفسي وأنا طفل صغير في العاشرة من عمري أجري وراء كلب لمجرد اللعب بينما لم أكن أدري أن ذلك الكلب كان في حقيقته ذئبا مفترسا وقد فر ذلك الذئب أمامي لا لشيء إلا لأنني ركضت باتجاهه وقد رأيته في أحد الوديان السحيقة بين صخور هائلة متراكمة شاهقة  كأنما بملامحها تـَخرج  من أعماق سحيقة لتاريخ جيولوجي مثير للذهول،  فر أمامي فقط لأنني هجمت عليه ولاحقته إلى أن انتبه لي أحد أقاربي عندما نظر فجأة  ليرى ماذا أفعل! وقد اعتراه الخوف والدهشة لما رآني أجري وراء الذئب  وصاح مذعورا  إنه الذئب! وجرى  خلفي ليكون إلى جانبي وقد أحسست عندها بالخوف يملأ عروقي !

إن بيت القصيد هنا هو الطبيعة التي عشقتها وهي وديان عميقة وجبال وعرة جدا تربض على صدورها صخور هائلة وأشْـيرة ُُ ُ  تمتزج بأشجار اللزاب الهائلة ذات الجذوع الضخمة والجذور الملتفة المفتولة وكأنها أصابع النسور وقد أدخلت مخالبها في جسد الصخور العارية المتوحشة ! إن مجرد النظر إلى تلك الطبيعة تجعل الإنسان يُحسُ نفسه بما لا يخطر ببال !

 في قلب طبيعة وحشية متراكمة عظيمة المظهر مرعبة الشكل كأنها الكبرياء والعظمة ! إنها هي التي تنظر في عينيك ولست أنت الذي ينظر فيها !  إنها تشبه أنياب ضبع غاضب وعظيم ! إنها متوحشة متكبرة متمردة وشاهقة الأنف معتدة الهيبة  وكل شيء في حضرتها كأنه لا شيء في فم ضبع قد كشر عن أنيابه! إنها السحر إنها الجمال البكر ، إنها صورة خلابة بجمال يثير الرعب والمهابة والخوف والإحترام ! إنها تتكلم وهي صامتة كالموت وعابسة كيوم القيامة إنه الطبيعة  إنها كما يسمونها جرود عسال الورد الممتدة من بداية التعرجات الجبلية هناك وحتى مشارف مدينة بعلبك ومن حدود جبال بلودان وحتى مناطق المحاذية لنبع الهرمل من جهة الشرق ، إنها المنطقة الوسطى من جبال لبنان الشرقية.

إنني ومن خلال هذا النص والمقالة أدعو وبقوة إلى حماية هذه البيئة الطبيعية الغناء البريئة والنظيفة والبكر الساحرة ! لقد بدأتْ  أيد العبث تحاول الإقتراب من محياها ومن سحر لزابها وأناقة صخورها وأشيرتها العظيمة والبعيدة عن الرؤى،  إلى أن بدأت أيدي المجرمين تقترب منها وتجس النبض،  تتحسس مداخلها  ! هل يمكن البدء بالتخريب فيها ؟!

إنها صيحة الإستغاثة لتصل إلى من يلبي نداءها لتتخذ الإجراآت الصارمة ، الجازمة الرادعة القاسية في وجه العابثين والحمقى والمخربين أعداء الطبيعة بقصد أو بدونه ، والصيادون البهم والذين والله إن ذئبا بريئا أنفع للناس وللطبيعة وللحياة أكثر من أكثرهم!

 لقد تابعوا عبثهم دون رقيب إلى أن وصلوا لدرجة لم يبقوا في هذه الطبيعة من حيواناتها وطيورها شيئأ.   إن علينا أن نرفع صوتنا جميعا بوجه العابثين من أعداء الطبيعة والبلد،  المنحرفون الجهلة لإيقافهم وقد يكون الوقت قد أصبح متأخرا ! ولطيور الحجل الجميلة قصة مبكية بائسة حقا والتي  أصبح من واجبنا أن نضعها في الكتاب الاحمر أي على حافة الإنقراض إن لم تنقرض بعد وغيرها من الطيور وحتى الحيوانات المفترسة تقريبا انقرضت  ويا للهول !     إنها كارثة طبيعية حقيقية أصيبت بها  أو تكاد هذه المنطقة الخارقة بجمالها!

 وماذا أقول أكثر ؟ لقد قام أحد السفهاء  بتسميم شات ماتت في وسط تلك الجبال وفي اليوم التالي عثر على عشرات الضباع والذئاب والثعالب وغيرها من الحيوانات البرية أمثال إبن آوى وغيره ميتة  هذا يعني أنه لم يبقى حتى للوحوش ما تأكله وهي جزء من الطبيعة ومن توازنها ومن ما خلقه الله ليعيش ويأكل  فأتت هذه العشرات من الوحوش على وليمة سممها غادر مجرم.

إنني أدعو الجهات الرسمية والوزارات المختصة إلى الإسراع بجعل المنطقة محمية طبيعية مراقبة ومحروسة للأسباب التالية: إن حرم مياه عين الفيجة تقع بها .

إن بها عدد من الطرق البرية إلى لبنان وقد تتحول إلى طرق رئيسية للسيارات وهو خطر محتمل .

أن بعض الناس يهاجمون الأشجار النادرة جدا ! وهي أشجار اللزاب الجميلة التي تشبه القصص الخرافية   والتي يصل عمر الشجرة فيها إلى عدة آلاف من السنين وربما لا تنبت في أي منطقة أخرى في العالم  والتي يقومون بقطعها حية،  كحطب أو لإطعام قطعان الماعز التي تربى في إحدى القرى المعروفة.

لقد انقرضت أنواع كثيرة جدا من نباتات  هذه المنطقة بسبب الرعي الجائر وغير المنظم لقطعان الأغنام فيها. تأتي الأغنام في الوقت الذي لم تتكون بعد بذور النباتات وأزهارها فترعاها قبل أن تتكون البذور،  ولا تبقي بذارا وهنا لا تنبت من جديد. حتى أن المراعي قد بدأت تختفي

 يا مجلس الشعب   و يا وزارة الزراعة    ويا وزارة البيئة   ويا وزارة الري   ويا محافظة ريف دمشق    ويا  رؤساء البلديات البدائيين ومعدومي الوعي والثقافة   ويا نقابة الفلاحين الدراويش!    أما وزارة السياحة فلنتركها بحالها إلى حين!

لقد قام أحد المسؤوليين الجمركيين  المعروف في المنطقة والذي انتهى إلى الطرد والسجن بسبب فساده ولا أسف عليه ، بإرسال جرافة ضخمة بحجة منع التهريب فقامت بالعبث بالطبيعة البكر بل بتخريب الطبيعة وتدميرها بشكل مريع ومذهل ، عن طريق جرف صخور وهدم أخرى وسد الوديان بأكوام منها،  وبالخنادق الضخمة والتي بمجملها لم توقف مهربا واحدا بل كانت تثير هزء وسخرية المهربين والذين كانوا يتجاوزونها بكل سهولة ويسر.

 بعض الناس من أصحاب الجشع والتهور بدؤوا يحاولون البناء وسط تلك الجبال  وهنا ستكون النهاية الكارثية إن سمح بها أو إن غفلت الجهات المختصة عنها.

إن قيام محمية طبيعية يعني:: حب للوطن وللأرض وللإنسان،  وصون لبيئتنا بيتنا ومائنا وجمال ما بقي جميلا    والحفاظ على الطير والحيوان والنبات وشجر اللزاب  النادر والذي يعتبر من عجائب ما ابتدعته الطبيعة وخلقه الله. فلنقيّـمه ونحافظ عليه للأجيال،  ولنكن على درجة رقي وحضارة تجعلنا نحمي آخر ما بقي في بيئتنا  لم نخربه بعد.  

2011-01-25
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد