حياتنا ساحة معارك لا تنتهي ولا تهدأ , رغم تغير المفهوم النسبي لهذه المعارك و تغير طبيعتها , فما أن ننتهي من أحد الحروب حتى نبدأ بأخرى ,
فمن حرب الرغيف مع ما بقي معنا من نقود , وصولاً لحرب أحلامنا مع الواقع القاسي .
و في كثير من الأحيان, نخوض أكثر من معركة في ذات التوقيت و المكان
حكايتي اليوم تأتي رصداً لأحداث طبيعية , أنثوية , لكن من وجهة نظر ذكورية واقعية , لا تعرف تحريف الحقائق .
تتكرر أحداث الرواية و خطوات هذه الحرب كل يوم, و في كل بيت تربعت فيه مليكة جمال تنتظر فارس الأحلام ليخطفها من جحيم العزوبية إلى جنة الزوجية .
فعروسنا الجميلة, تبدأ معركتها الأزلية مع الأسطورة القديمة ( الحماية ) أو أم العريس المبجل صاحب الفرس الأبيض اعتباراً من اليوم الأول الذي تزورهم فيه .
فلا تلبث أن تخلق عيوباً لتستخدمها أسلحة في حربها ضد تلك الفتاة المسكينة , التي رغم تضحيتها الكبيرة بقبولها لطفل أمه المدلل صاحب الوزن الزائد - ذاك الصديق الذي يصطحبه معه تحت ملابسه أينما ذهب - ناهيك عن ذكر وارداته المالية التي لا يعلم الله متى تأتي و متى تذهب . وإذا أردت التكلم عن جاذبية ذاك العريس فصدقني أنه سيخسر كل ما حوله نور و جاذبية عند خلعه لأول فردة حذاء على باب بيته.
حيث تنبعث تلك الرائحة العجيبة !!! الكفيلة بقتل كافة أنواع الحشرات و الحيوانات الأليفة في المنطقة المحيطة , أو ربما يتطور أمر تلك الروائح ليسبب هبوطاً نفسياً عند جارتهم العجوز , تلك التي بدأت تعتقد أن هناك جثة لامرأة ميتة في عليتها هي التي تسبب في تلك الروائح التي لا تزول ليل نهار .
عذراً على الشرود أو المبالغة ..
نعود لحرب الحموات ...
تبدأ الأسلحة و الهجمات بالظهور منذ الساعات الأولى لرؤية العروس , حيث تبدأ أم عنترة باستعراض العضلات التي لا تملكها أساسا , أو تلك التي امتلكها ابنها بالصدفة أو بلقاء القدر , فتمدح و تمدح , حتى تجعلك تحس بأن العريس هو نبي في زمن لا نبوة فيه , أو أنك حين تراه أول مرة , ستلاحظ بالتأكيد ذاك النور الساطع المنبثق من بين يديه , و ستحس بتلك الأوبرا التي ترنم ورائه ألحاناً دافئة تشعرك بأن الملائكة ظهرت أخيراً أمام أعين البشر .
هنا ...
و هنا فقط ...
تكون الفطنة مطلوبة , فالعروس هنا بعد أن شاهدت ذاك الاستعراض العسكري بحشده و قواته , تبدأ بالتفكير
فتخلق الخطط المضادة في لحظات , و تستنبط حكمة العلماء في لحظات , و يحق قوله سبحانه و تعالى ( إن كيدهن عظيم )
و تبدأ الموازين بالعمل , و الدراسة و التحاليل , تقرير المصير , المكاسب و الخسائر , و على أساسها يقرر دخول المعركة أو الانسحاب , أي قبول العريس أو رفضه
و إذا افترضنا كما في القصص الخيالية أن العريس خال من العيوب كما تبدو كل قطع الأثاث الصينية المصدر , تبدأ المعركة الحقيقية , بين العروس و أم العريس , أو بين المربية القديمة و المرية الجديدة , و إذا أردنا استخدام مصطلحا تهن : فبين الحنونة و السارقة من وجهة نظر الأم . أو بين البريئة المظلومة و الظالمة الغير متفهمة .
تبدأ الغارات من اختيار خاتم الخطوبة , فهذا يناسب أو لا يناسب , و إن كان الخاتم مكلفاً فالعروس حكماً طامعة بما جمعته أم العريس من ثروات – طبعاً هي لم تجمع شيئاً و لكن على اعتبار أنها كانت بحسب رأيها و ظنها تدير دفة مركب النجاة الذي كان سيغرق لولا حكمتها في بيت زوجها وما كانت لتجمع تلك الأموال التي يملكونها اليوم – أم اذا أحبت العروس أن تختار خاتماً طبيعياً غير مكلف تقديراً منها لظروف زوجها , أو حباً في توفير أمواله التي هي أموالها عن ما قريب , فيكون الرد الطبيعي عند الحماية ( ذوقها رخيص و شعبي )
إن كنت تقرأني و أنت رجل فابتسم , لأننا لا نملك تلك القيود و العقد
و إن كنت تقرأينني يا سيدتي فاعلمي أني اخاف ردكِ القاسي , فتقبيليني بأبتسامة إن لم يعجبك سياق الحديث و حاولي الاستمرار في القراءة .
و نعود ...
تتشعب المعارك في الزواج , و تتوسع سلطات الأم في زواج ابنها تحت شعار – أريد الأفضل لابني - أو أحيانا كشعار – الكبار يعلمون ما لا تعلمون –
تنهال النصائح و الدسائس كسيل مطر منصب بغدر من أعلا جبل في بلادنا الخضراء و ليسقط في قلب ابنها و يثور ناراً في وجه تلك المظلومة التي تنتظر أن تجد سعادتها بين أحضانه .
لحظة ... هل قلت مظلومة ؟
نعم .... لربما كانت مظلومة إلى هذا السطر من الفصل , حيث أننا لم نبدأ بعد بأسلحتها و معاركها , معارك الجيل الجديد ... ( دائماً فيها الحداثة و النشاط )
نعود بالشريط إلى البداية ...
إلى الزيارة الأولى :
رغم ما تتقن فعله تلك الأم من مدح لذاتها و لذويها و أبنائها و أحفادها الذين ربما تتطلع لرؤيتهم قبل مماتها , تبقى تلك العروس صامتة بغرابة , رغم أنها لم تعتد الصمت إلا في ساعات قليلة أثناء نومها , و رغم أنها سببت لأختها الصغيرة ثقباً في الإذن الوسطى حين كانت تصرخ طالبة منها أن تنسط لقصة ذاك الذي لحقها من المدرسة إلى المنزل حين كانوا صغاراً .
رغم أنها كانت مليئة بالحيوية و الغرور , حاولت جاهدة بعد أن تابعت بعض مسلسلات القرون الوسطى أن تتصنع بعض الهدوء و الرصانة . طبعاً ناهيك عن تلك الابتسامة التي بقيت ساعات أما مرآتها تحاول إتقان تصنعها في أي وقت و تحت أي ظرف .
صدقاً ... تلك الجبهتان لا يستهان بهما
انتقالاً لخاتم الخطوبة :
حاولت العروس الحصول على خاتمها الذي رمت عينها عليه لحظة دخولهم محل المجوهرات , لكن لعلمها بأنها لن تحظى به اذا طلبته على الفور , و لأنها تعلم جيداً ذاك السلاح الذي سيستخدم ضدها من أمه العزيزة , تلجأ أولاً لتجربته في اصبعها ببراءة , و تصطنع فرحة به و بحبه أكثر مما يتطلبه خاتم السلطان سليمان بآلاف المرات , فتحس للحظة أنها ستعزف عن زوجها في سبيل الارتباط بذاك الخاتم , و تنجب منه خواتم تربيهم ليحملوا اسمه .
بعد ذلك , و في خضم الفرحة , تبدأ سلاحها النووي – البراءة و المسؤولية – فتتوجه لصاحب المحل و تسأله : بكم هذا الخاتم يا عم ؟ فيجيب برقم غير متوقع , بل و أحيانا - إذا سمعه العريس -قد يكون جوابه سبباً قوياً في تأخر الحمل بعد الزواج .
هنا مجدداً تبدو شدة المعركة . و تشهر السيوف و يعلو صهيل الأحصنة , فتستدير إلى خطيبها المعتوه , المشدوه بجمالها اللا طبيعي , و بنظره مصطنعة بمنتهى الإتقان : حبيبي الخاتم كتير حلو بس غالي حرام ناخدو , خلينا ناخد واحد ارخص .
عذراً , و لكن يجب علينا كرجال أن نقف احتراماً لهذا الدهاء , الذي صدقاً رغم أنني ارويه لكم لكنني لا اعتقد أنني سأصمد أمامه .
حيث أنني في مثل هذه اللحظات : ستشتعل في قلبي مشاعر النخوة و الإنسانية , و سأحس بنفسي شريراً ذو قرنين و عصاً حمراء إن لم اشتر ما تريده شريكة عمري و حبيبتي و صاحبة كل الألقاب التي ملأ الشعراء رأسي بها قبل أن ألقاها
و اعتقاداً من الرجل بأنه لن يحرم تلك الشريكة ما تريده لأجل النقود , و اعتقاداً منه أيضاً أنه سيظهر على شكل هرقل روما أمام حماته و أختها , اللواتِ حكماً كانوا موجوداتٍِ في هذه اللحظات , يقول لها متجاهلاً رأي أمه : حبيبتي نقي الي بيعجبك ما يهمك شو ما كان حقو , و ما الي عجبك هو الي رح ناخدو و بس .
يستدير و السيمفونية الملكية تصاحبه في مخيلته , معتقداً بأنه حرر القدس برجولته فينادي على صاحب المحل : يا غلام .. أعطنا هذا الخاتم لأميرة الأميرات .
لحظة , لربما يقول : لو سمحت عطينا هالخاتم – و لكنه و صدقوني سيقولها كما سبق بينه و بين نفسه .
معارك ومعارك .
ذكرت تلك الأمثلة لأنوه لخطورة كلا الطرفين , في الحرب الجائرة الطاحنة بينهما , أضف على ما سبق ملاحظة صغيرة – تلك هي اصغر معركتين يمكن أن تدورا بين هذين الطرفين .
و تتجدد المعارك بطلوع شمس كل صباح و نستهل منها \" – دهان البيت , مفروشات البيت , بطاقات الدعوة لحفل الزفاف , شكل قالب الحلوى , شهر العسل , اسم المولود الأول , اسم المولود الثاني , و و و و و...... تستمر المعارك حتى انتقال احدهما من فوق التراب لتحته
رغم دهاء كلا الطرفين .. إلا أنهن ينسون في بعض الأحيان بعض قواعد الحرب الأساسية .
لا تستخف بعدوك أبداً
احد شروط الفوز , هي الرغبة به أكثر من العدو
تعبت من الكتابة ..
عذراً يا امي ويا زوجتي
رحمك الله يا جدي حين قلت : الحمد لله الذي خلقنا ذكوراً
تاريخ 24/1/2011