دور الأسرة في تربية الأبناء:
أولا:البيت السليم:
يبدأ الأساس من البيت السليم فعلاقة الوالدين الصحية والعلاقة التوافقية والانسجام الفكري يعمل على توفير مناخ سوي وملائم لبذر بذرة خيرة.. فالطفل ذلك الكائن الشفاف النقي، عقله صفحة بيضاء هو أكثر فهماً وذكاءً، ودقة في التقاط الحالة التفاعلية القائمة بين الزوجين فهو دقيق في نظرته المتفحصة إلى الجزيئات والاستغراق فيها، بينما الكبير ينظر إلى الأشياء نظرة شاملة وسريعة غير متأنية، ويمكننا تنمية هذا الكائن وتوسيع مداركه، وعقله، ومعلوماته في السنوات الخمس الأولى
فهو ((المستقبل)) لكل الإشارات داخل البيت سلباً أو إيجاباً ويبدأ يفقد هذا الخاصية بعد ست سنوات إذ تكون له قوة طاردة لهذه الإشارات الخارجية، لهذا علينا أن نغتنم المرحلة الأولى ((بدءاً من الولادة)) إلى خمس سنوات فهي مهمة لغرس وبناء وتلقين وتكوين شخصية تنمو معه حتى الكبر وكما يقال: ((تعليم الطفل منذ الصغر كالنقش على الحجر)).
كما أن هذا الدور الأسري لا يقع على عاتق جهة واحدة دون الأخرى ولا بد من تكامل دور الأب والأم وبقية أفراد الأسرة والعائلة وعدم الالقاء بالدور على الأم وحدها مع عظم دورها في تربية الأبناء.
ومن خلال تأملاتي لبعض خواطر القرآن الكريم في شأن المرأة كأمَّ نلاحظ وجود هدف إلهي عظيم ورسالة تربوية غائية تحدد هدف المرأة من الحمل والإنجاب وذلك من خلال طرح ثلاث شخصيات نسائية عالمية إنسانية الرؤيا هن العذراء ((مريم)) ((عليها السلام)) و((أم النبي موسى)) ((عليها السلام)) و((هاجر)) أمَّ إسماعيل، تلك السيدات الجليلات كن في حركة دائبة ومباركة برعاية إلهية إذ احتضنَّ النبوة بصبر ومكابدة، فلم يكن حملهن مدعاة للركون والراحة والاسترخاء إنما كان جهاد ومعاناة فقوله تعالى لمريم العذراء ((هزَّي إليكِ بجزع النخلة)) نشاط وجهد بدني ونفسي واجتهاد ذاتي واستعداد منذ مرحلة الحمل كما في الآية، إذ يُمكن لرب العالمين أن يسقط لمريم الرطب لتتغذى لكن هذا الكفاح والمعاناة كان الهدف حينما نذرت ما في بطنها لله..
وسيدتنا هاجر الجليلة أمَّ إسماعيل التي انقطعت عنها أسباب الحياة، وأمَّ موسى التي ألقت ابنها في اليم.. هناك أهداف إلهية تستحق من الأمهات الجهد والمشقة والعناء لأنهن يعلمن أن هذا الوليد هو النبي المنتظر في قومه... وينبغي أن نرى في بناتنا هدفاً في مسألة الحمل والإنجاب أن يكون مشروعاً مقدساً موجهاً في هدف ورسالة فللأسف نرى المفاهيم الهابطة التي نسمعها من بعض الأمهات الصغيرات أنها تتمنى أن تحمل لتثبت ذاتها ولإرضاء زوجها وبعضهن تتمنى أن تنجب فتاة لتحولها إلى دمية تلبسها الثياب والشرائط الملونة.
والأمهات اللاتي يحولنَّ فترة النفاس إلى دلع وراحة وشرب ونوم في حين يفترض أن يكون دوراً تعبدياً روحياً متفاعلاً مع وليدها منذ نعومة أظافره، يا حبذا لو علِمت الأم على الجوانب الروحية من دعاء وقراءة قرآن ومستحبات كأن تتوضأ وهي ترضع ابنها فإن هذا الإشعاع الروحاني يدخل إلى الطفل فتخلق حالة تفاعليه عميقة بينها وبين طفلها لها أثر كبير يمتد حتى السنوات المتقدمة من عمره.
أرى أن أساس التربية الناجحة يقوم على ستة أسس منها:
1- اختيار الزوجين والذي يفترض أن يتم على كفاءة وانسجام في الأهداف..
بعد ذلك تأتي مرحلة التطبيق لهذه الأهداف أو النظريات التي تم الاتفاق عليها في البداية، ولا يكون هناك تفاوت جوهري بين الأهداف والتطبيق وهكذا أُبرَّر وأستخف بالأسس التي وضعتها كهدف فأخلق ازدواجية للطفل.
3-عدم انشغال الوالدين عن الأبناء، بحيث لا ينسى الأب والأمَّ دورهما الأساسي في الحياة ورسالتهما الأهم تجاه أبنائهما ولا يؤدي انشغالهما في أعمال خارج البيت الى التهاون بحاجات الطفل النفسية والفكرية والصحية،بحيث يصبح فكر الأب بعيداً عن البيت كما أنه للأسف بعض الأمهات يقمن بدور مزدوج ويعزلن الآباء عن ممارسة دورهم الفاعل داخل البيت وهذا قطعاً يسبب تعثر في الأدوار وينعكس سلباً على الأبناء.
وهناك عدة توصيات للآباء أراها ضرورية وهامة منها:
· الاستعداد للإنجاب فكرياً ونفسياً وصحياً من قبل الزواج.
· ضبط سلوكنا بحيث يتماشى مع الأهداف التربوية بشكل متناغم حتى لا نقع في التناقض والازدواجية.
· متابعة تطورات الزمن كأن أكون منسجم مع أبنائي متفهم لميولهم، أشاركهم مثلاً في عوالمهم الخاصة.
· تخصيص وقت منظم للجلوس مع الأبناء ومراقبة أفكارهم وسلوكياتهم أولاً بأول حتى لا تتراكم السلبيات والمشاكل.
· الاعتدال في العطاء ((لا إفراط ولا تفريط)).
· تثقيف الأب و الأمَّ دينياً وصحياً.
· نفهَّم الطفل أن الدين ليس تخلف بل هو دين الحضارة وعرض نماذج وحكايات وقصص وشخصيات إسلامية ناجحة وتعتبر رمز القوة والعلم والبطولة.
4- التمييز بين الدلع المفرط وبين إشباعات الحاجات الأساسية إذ ينبغي عدم الإفراط في التدليل وأن يتعلم الطفل أن ليس كل ما يريده يحصل عليه.
وأعتقد أن هناك عوامل أساسية وضرورية لبناء شخصية سوية للطفل منها:
1- الثقة بالنفس وعدم تحقيره والاستهانة به ونزرع فيه العزَّة بذاته لينمو معتداً بشخصيته فبعض الأسر تحقر الطفل أمام الناس أو تستخف به وتنتقده بشكل جارح فتنموا في داخلة عقدة النقص التي إن كبرت دمرته، فالثقة والإطراء المناسب في المكان والموقف المناسب أمر بنَّاء وإيجابي.
2- المساواة بين الأبناء في المعاملة ومنحهم الحب والعطايا المادية بعدالة.
3- نُعلَّم الطفل بشكل ودي ومقنع كيف يتحمل المسؤولية منذ الصغر كأن يرتب فراشه عندما ينهض من النوم، يلملم ألعابه المبعثرة، يحمل أطباقه إلى المطبخ، يذاكر دروسه بنفسه.