عندما بدأنا نتعلم مبادئ الرياضيات في المدرسة كانوا دائماً يقولون لنا أن الرياضيات مادة علمية وليست خيالية وأن قوانين الرياضيات ثابتة ويجب أن يكون طرفا المعادلة متكافئان والخطان المتوازيان لا يلتقيا ..ومرت الأيام وبدأنا نلمس أن بعض القوانين الرياضية غير صحيحة وأن واحد زائد واحد قد لا يساوي اثنان ....
فكل شيء في زماننا معقول وكل مستحيل بات ممكنا...فقد تكون المعادلة صحيحة برغم أن طرفيها غير متكافئين والشخصان ( عفواً الخطان ) المستقيمان قد يلتقيا إذا اضطرا لسلوك طريق ...
ما دعاني للكتابة اليوم هو استغراب المذيع في إحدى الفضائيات عندما كان يحاور أحد اللاعبين عن راتبه فقال اللاعب أن راتبه خمسين ألف ليرة شهرياً فاستغرب المذيع من كبر حجم الرقم ، فقلت في نفسي لماذا يستغرب فبعض اللاعبين الأجانب يتقاضون رواتب أضعافاً مضاعفة ولكنني عذرت المذيع عندما تذكرت واقع الرواتب عندنا وكيف بات الموظف يأوي إلى بيته في بداية الشهر عندما يقبض راتبه ومن ثم يفر منه مع اقتراب منتصف الشهر هرباً من متطلبات الزوجة والأولاد .
لا أريد الخوض في قضية زيادة الرواتب ولكن ما أزعجني اليوم هو أنني حسدت هذا اللاعب وأمثاله على راتبه الذي يساوي خمسة أضعاف راتبي وأنا الطبيب والموظف من الفئة الأولى ...
نعم صدقوا أو لا تصدقوا فراتب لاعب واحد ( في بلدنا وليس عند غيرنا ) يساوي مجموع رواتب خمسة أطباء . ما حزَ في نفسي اليوم هو أنني بت أحسد اللاعب وغيره وأنا ( الطبيب ) المسؤول عن الحفاظ على حياة هذا اللاعب أو غيره من الناس إن أصابهم مكروه . أطالب بأن أكون نزيهاً وأن تكون مهنتي إنسانية وبنفس الوقت لا يتوفر لي من مقومات الإنسانية ما يجعلني أتعفف عن سلوك طرق ملتوية كي أجاري غيري .
إن قصرت في عملي أو أخطأت تقوم الدنيا ولا تقعد أما إن طالبت بحقي فأنا طماع ويقولون لي انظر إلى الرأسماليين أليس أغلبهم أطباء ؟..قد يكون هذا الكلام صحيحاً ولكنهم قليلون وقليلون جداً .فأنا أعرف الآلاف من الأطباء الذين يتمنون أن يعيشوا كما يعيش غيرهم ..
فهم أطباء ولا يستطيعون القيام بعمل إضافي غير عملهم حتى لا يصبحوا محط سخرية لغيرهم . مما اضطرهم للسفر إلى دول الخليج لتحسين ظروفهم والبحث عن حياة كريمة .
منذ أعوام تم تحسين رواتب القضاة بحجة أنهم مسؤولون عن تحقيق العدالة وكي لا تسول لهم نفوسهم إتباع مسالك غير شريفة والمتاجرة بحياة الناس .وهذا شيء جيد ولكن أليس الطبيب هو الآخر مسؤول عن حياة وسلامة الناس فلماذا لا يعاملون معاملة القضاة .
باسمي وباسم جميع الأطباء المتعاقدين مع المشافي والمراكز الصحية وغيرها من دوائر الدولة أطالب بزيادة رواتب الأطباء حتى لا يأتي يوم وتصبح المشافي خالية من الأطباء وعندها لا ينفع الندم .