لا أعتقد أن ما يجري في بعض الدول العربية ، هو مجرد تقليد أو رغبة في التغيير ، أو مطالبة برغيف خبز ، أو مجرد حركة عشوائية ...!
الذي يجري اليوم في شوارع بعض العواصم العربية ومدن الكثير منها ، له أسسه وجذوره ومسبباته الحقيقية
وفي الحقيقة ، فإن أي انسان ، يمكن أن يثور من أجل لقمة العيش أو تأمين أي من مفردات الحياة من اجل العيش الكريم ، لكن هذه الأسباب لن تكون سببا ً في احداث احتجاج عام ، ذلك أنها أمور يمكن أن تحل ببساطة ، وكل قيادة سياسية تستطيع ذلك لو أرادت ودون ان يصل الأمر الى المطالبة بذلك من خلال احتجاج عام ..! لكن المطلب الذي لا يمكن أن تسامح به الجماهير هو هدر الكرامة ، سواء الشخصية منها أو الوطنية وهما متلازمتان غالبا ً ..!
وما حدث في بعض هذه العواصم له علاقة وثيقة الصلة بذلك ، وسيطال عواصم أخرى أيضا ً لذات السبب ! وان المواطن العربي بشكل خاص ، عنده أفضل ألف مرة أن يموت في حرب ضروس بدافع وطني للحفاظ على كرامته وعزته الوطنية ، على أن يموت قهرا ً وذلا ً ، نتيجة فقدانه كرامته ..!
نقبل ألف مرة أن نعيش على كسرة خبز وقليل من الماء ، ورؤوسنا مرفوعة ، من أن نموت ونحن مسلوبوا الكرامة ..
نقبل ألف مرة أن نموت في مواطن العزة والفخار تحت راية قائد كبشار الأسد أو حسن نصر الله ، من أن نعيش في فندق ذي نجوم خمس ونحن أذلاء .. لذلك تجد الجماهير تنفجر تباعا ً تطالب بكرامتها التي أهدرها قادتها أمام عدو الأمة اسرائيل ومن يمشي في ركابها ، تحت ذريعة السلام !! وأي سلام يرتجى من اسرائيل التي جبلت على الغدر والعدوان وامتهان كرامات الأمم ؟
غريب أمر هؤلاء القادة ...
ألا يعلم هؤلاء ان اسرائيل كيان غير شرعي ، اقامته الدول العظمى كي تحقق اطماعها في هذه المنطقة العربية التي يسيل لها لعاب الامبريالية والرأسمالية العالمية ، كي تحقق من خلالها أطماعها السياسية والاقتصادية ، وحتى الدينية والعنصرية ؟
ألا تهتز مشاعر أولئك وترتعش أفئدتهم من هول ما يرونه من ممارسات اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني والعربي ، وأحيانا ً من أجل شيء لا قيمة له ؟
الم يتسلل الى خلد أولئك أن ثمة امة اسمها العرب ، لها تاريخها وموقعها على خارطة الحضارة الانسانية ، تعودت الا تفرط بكرامتها وعزتها التي حباها الله بها ؟
الم يتيقن أمثال أولئك من طبيعة احساس ومشاعر الانسان العربي الذي عاش حياته يأبى الضيم والمهانة ، وحتى لو حصل ما يسمى السلام مع اسرائيل فهل جانبها مؤتمن ؟
ما يمكن ان تعمل مليار دولار مساعدة امام مصالح شعب وكرامة امة ، وهل الكرامة تباع وتشرى بالدولار ؟
غريب ضحالة تفكير امثال اولئك ، وغريب تقديرهم للأمور حقـــا ً !!
دعونا نتفق على امر هام ، بأن نجيب على الأسئلة التالية ، ثم نقيم :
هل اسرائيل كيان غاصب ام لا ؟
هل اسرائيل قتلت وشردت واغتصبت وهجرت الفلسطينين اصحاب الأرض الشرعيين ، ام لا ؟
هل اسرائيل احتلت وما تزال الكثير من الأرض العربية بدافع من عدوانيتها المستمرة ، أم لا ؟
هل اسرائيل تشكل خطرا ً على وجود الفلسطينيين والعرب اجمعهم ام لا ؟
هل اسرائيل قاعدة للامبريالية والرأسمالية العالمية واليد الطويلة لتحقيق اهدافها في نهب ثروات بلادنا والقضاء على تطلعاتنا في ان نحقق وحدة امتنا التي ستحفظ كرامتنا وعزتنا ، ام لا ؟
هل اسرائيل وعبر هذا التاريخ الطويل هي سبب مصائبنا كالتشرذم والضعف والخنوع والتبعية أم لا ؟
هل اسرائيل هي الطامعة ابداً في المزيد من الأرض العربية كي تملكها لشعبها المشتت لتكمل وطنها المزعوم من الفرات الى النيل ام لا ؟
هل تظن ان كيانا ً كإسرائيل يمكن ان يعقد معه سلام حقيقي وأن نكون في امن من غدرها الذي جبلت به عبر الزمن ام لا ؟
فإذا كان الجواب لا من قبل بعض الحكام ، فإننا ننصح هؤلاء ان يجمعوا جلاجيقهم وينقلعوا من اماكنهم فإن الشعوب لن ترحمهم ، هذا اذا كانوا يريدون النجاة بأنفسهم ! أما اذا كان الجواب نعم ، فلا يخشوا على انفسهم ، وان وجود خلاف حول أمر ما لن يفسد للود قضية ، وكل شيء ما دون الكرامة له حل وهو ممكن طالما ان السياسة العامة لهذا الزعيم او ذاك ، حفظت كرامة الشعب والأمــة ، الوطنية والقومية ، بل وحتى الشخصيــة أيضـــا ً ..