أحيانا ً ، أتساءل – واعتقد أن كثيرا ُ من غيري يتساءلون _ وان اختلف الهم والاهتمام ، فأقول : هل يمكن للحكومة أن يعجزها شيء ؟ وكل من يطرح مثل هذا السؤال : يسمع الجواب من داخله أو ممن حوله : طبعا ً لا ، ان أرادت !!
وهنا أسأل : ألا تستطيع الحكومة ايجاد حل ناجع لأزمة السكن وارتفاع أسعار البيوت كي تكون متلائمة مع امكانات عامة الناس ؟.
وانني اقول وبكل ثقة : ان الحكومة تستطيع ايجاد الحل لو انها فكرت بجدية ونفذت !لكن الذي نراه ان الحكومة تحاول حل اي مشكلة على النفس الطويل ودون التسبب بإحراج لأحد قدر الامكان !! وهذا نظريا ً مقبول ، ولكن لا بد من تدخل عملي لبعض المشكلات العصية على الحل ، تلبي مصالح السواد الأعظم وبأيسر السبل وبأقلها ضررا ً .
أنا مثلا ً – وأعوذ بالله منها – عندما يقسو الغلاء على امكاناتي المادية ، اتحكم في شراء حاجياتي لما يناسب ما يستجد ، فعندما يصبح كيلو البندورة مثلا بخمسين ليرة ، فلا اشتري اكثر من كيلو غرام أو أقل أحيانا ً بينما عندما يكون السعر اقل بكثير فقد اشتري أكثر من ذلك ، وتسير الحياة ..
عندما اريد شراء الملابس لعائلتي واشعر انها فوق امكاناتي سعرا ، ألجأ الى الأرخص أو أصلح ما لدي حتى تتغير الحال .. المهم انني اتدبر أموري واحل مشكلتي ، ولكن كيف لي ان احلها حيال السكن وغلاء السكن غير المنطقي ؟ حتى السكن في مناطق المخالفات اصبح احيانا بعيد المنال ، فكيف في حي متوسط الحال ؟ وطبعا ً ، عندما يصل سعر البيت الذي يكلف بناؤه حوالي ثلاثة ملايين مثلا ً الى الخمسين مليونا ً ، فسيصبح المنزل المتواضع في المخالفات بما لا يقل عن المليون ، فكيف لي أن اتدبر نفسي كما فعلت في حال البندورة ؟
لماذا جنت اسعار المنازل الى هذه الدرجة ؟ قد نقنع ان الأزمة الاقتصادية العالمية أثرت وفي كل انحاء العالم ، لكننا بالغنا في مخاوفنا كثيرا ، وصار الأمر وكأنه انتهاز فرصة لا أكثر !! ربما ان ميل الغالبية للاستثمار في البناء بسبب ذلك أثر أيضا ً .ولكن ثمة مبدأ في التجارة يذكره التجار في مناظراتهم ولكنهم أبعد ما يكونون عن تطبيقه وهو : بع بسعر أقل تبع أكثر وتتحقق ذات المنفعة وتتيسر امور العباد ، ولكن هيهات ، فثمة من كان منزله بسعر حوالي المليونين قبل بضعة سنين ، ارتفع الى نحو اثني عشر مؤخرا ، ومع ان السوق جامد والبيع والشراء شبه معطل ، فلا يتنازل عن هذا الرقم الفلكي حتى لو كان مطلبه شبه مستحيل ، وبعيدا ً جدا ً عن الواقع هذه الأيام !!!
وبرأيي أن للحكومة امكانية لمداخلة مهمة في هذا المجال ، وليس القصد ان تجبر الناس على التنازل ولو قليلا ً، بل ثمة اجراءات قد تفيد . فمثلا ، أن تشترط الحكومة على كل طالب رخصة بناء ان ينجز بناءه خلال فترة ثلاث سنوات مثلا ً تحت طائلة الغاء الترخيص . ان تفرض الحكومة على كل من يملك اكثر من منزل ولا يبيعه خلال عام من انجازه او يحول عليه الحول ولا يبيعه او يؤجره ان تفرض علية رسوما ً تجعله يفكر بذلك جديا ً . انها بعض مقترحات من شأنها تشجيع حركة البيع والشراء ضمن اسعار معقولة ولا تؤذي اصحاب العقارات طالما انهم يحققون الربح من تعدد البيوع بدل البيع الواحد الباهظ الثمن ولكن لا يحدث الا كل فترة طويلة .
اننا اذا تجولنا في دمشق مثلا ، وخاصة في مناطق مشاريع السكن الجديدة ، فإنه يهولنا هذا العدد الهائل للشقق الفارغة او على الهيكل ! كما انني قرأت ذات يوم في صحيفة محلية من خلال تحقيق حول السكن والاسكان ، انه في بلدنا يزيد عدد الشقق الفارغة عن حاجة الناس لها بما لا يقل عن خمسة وعشرين بالمائة ، فلماذا ما تزال الأزمة قائمة ، والحل متيسر ؟!
وانني أتساءل ، اليس قاسيا ً الا يستطيع مهندس مثلي مثلا ً ، ان يقضي عمره في الوظيفة ولا يستطيع شراء منزل مساحته اكثر من خمسين مترا ً ، واذا كان الوضع كذلك لرجل صار ذات يوم مهندسا ، فكيف لمواطن يريد بناء حياته من جديد ، ولا يملك غير شهادته وحماسته لخدمة وطنه ، كما الجميع!!؟
واذا ما استحى بعض التجار على شيباتهم كما يقال ، وسامحوني لهذه الكلمة ، وتحركت الحكومة باتجاه تشجيع اولئك على التنازل قليلا ً، فإن حلاً ميسرا ً لهذه المشكلة العويصة لا بد ان يتبلور ، حل تتحقق فيه مصلحة الجميع ، وتنتفي فيه صفات الطمع والجشع ، بدل ان تحرق نيران هذه المشكلة احلام الشباب والراغبين في السترة ، والعيش الطبيعي ، في كنف هذا الوطن الغالي ، وفي هذا الزمن الغريب .