لم أستطع الأنتظار لأنتهي من فنجان القهوة الذي كنت احتسيه فقد كانت ابتسامتك تشدني للذهاب و الكلام معك فحزمت أمري و اقتربت من الطاولة
التي تجلسين عليها و قبل وصولي بخطوات رفعتي رأسك و نظرتي الي و ابتسمتي مما أعطاني راحة نفسية و شجاعة أكبر للحديث معك .
ألقيت عليكي التحية فلم تجيبي
أخبرتك بأنني اسف أذ كنت قد شغلتك عن كتابك الذي تقرأينه فنظرتي ألي و ابتسمتي ابتسامة غريبة و مددتي يدكي لكي أجلس بجانبك و بمجرد ان
جلست و نظرت أليكي كنتي قد أخرجتي من حقيبتك قلما و كتبتي على المنديل أنا اسفة لا استطيع الكلام كما أنني لا اسمع.
بصراحة شعرت بصدمة كبيرة لبرهة و من ثم استجمعت عقلي و قلت في نفسي بأن الصم و البكم لا يستطيعون الكتابة فلا حاجة لهم بها و شعرت أنك
تفتعلين أحد المقالب. أمسكت المنديل و كتبت عليه و كيف تستطيعين الكتابة ؟؟ نظرتي حولكي لا تعرفين أين تكتبين فالمنديل كان قد امتلئ .
نظرت الى النادل و طلبت منه ورقة و يبدو ان النادل قد راقت له الحكاية فأحضر لي بدل الورقة الواحدة عشرة أوراق و كنتي أنتي من بادر بالكتابة
فكتبتي :
انا لم أولد صماء و بكماء بل في عمر الخامسة عشرة أصبت بحمى قوية استدعت ذهابي للمشفى و لم أخرج منه الا و انا صماء و بكماء
حان دوري بالكتابة فكتبت:
ما اسمك ؟؟؟
تمارا و انت؟؟
اسمي عابد
و بدأنا بعدها بجولة تعارف طويلة لربما كانت الأمتع و الأغرب في حياتي و كنت كلما انتهي من الكتابة انظر الى عيونك فأراهما تشعان بالفرح و السرور
بهذا الصديق الجديد الذي يتكلم معك.
يوما ما كان لتمارا أحلام كثيرة فقدتها مع فقدان سمعها و نطقها و لكنها ظلت متمسكة بالأمل و تحاول العيش بأسلوب طبيعي تذهب في الصباح الباكر
للمشي و في فترة الظهيرة تأتي الى المقهى لتشرب القهوة و تقرأ أحد الكتب التي تبتاعها بشكل دوري و في المساء تجلس تحاول التركيز لعلها تستطيع سماع اي صوت او تستطيع النطق بأي حرف من جديد . . . في كل ليلة أعيش على نفس الأمل و عندما استيقظ صباحا اعرف بأنها كانت أوهام و أحلام
كتبتي هذه الجملة و اغرورقت عيناكي بالدموع نظرت اليكي و لم أدر ماذا أفعل و عندما تلاقت عيوني بعيونكي ابتسمتي مجددا و تناولتي منديلا و مسحتي دموعك الصامتة و اكملتي الكتابة.
استمر كلام الورق فيما بيننا و طال كثيرا حتى نفدت الأوراق العشرة و بدأنا بأوراق جديدة .
كنت يومها انظر الى وجهك الابيض و شعرك البني و عيونك العسلية بحسرة لا توازيها حسرة و كنت اقول في نفسي لربما غاب العدل عن هذه الدنيا ليحرم فتاة بجمال تمارا من السمع و النطق.
حان وقت الرحيل . . . . صدقني لقد امضيت معك أجمل ساعتين في حياتي كلها شكرا لك لا أدري ماذا اقول لك فأنت انسان رائع.
ابتسمت يومها و امسكت يدك و قبلتها و حاولت الكلام معك بلغة الاشارات لأقول لكي بأنك الرائعة و لست انا ثم عاودت و كتبت على الورقة أريد رقم هاتفك . . . .
و بمجرد ان قرأتي هذه الجملة غالبك الضحك الصامت و نظرتي الي و وضعت يديكي على أذنيكي و من ثم فمك و هنا غالبني انا ايضا الضحك فلا حاجة لتمارا بالهاتف ابدا .
في نهاية اللقاء أصرت تمارا على الاحتفاظ بالأوراق كذكرى و كان نصيبي من الاوراق ورقة واحدة ما زلت أحتفظ بها لهذا الوقت.
كان أخر ما كتبتيه:
( لقد كان وقتا رائعا و للأسف انت مسافر بعد غد و لكن انا دائما أأتي الى هذا المقهى فمتى عدت تعال الى هنا لربما نلتقي مجددا)
في أخر أجازة لي ذهبت الى هناك ثلاث مرات و جلست ما يقارب الساعتين و لم تأتي فقلت في نفسي لربما تحقق حلم تمارا و عاد اليها السمع و النطق فلم يعد لها حاجة بالقدوم الى المقهى و اعطتني هذه الفكرة شعورا بالسعادة فربما بعد هذا الانتظار الطويل الذي عشتيه طوال الليالي تحقق الامل و استيقظتي صباحا و عرفتي انها لم تكن أحلاما و أوهام.