news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
الإله...عبداً ...الجزء _1_... بقلم : راية الحمصي

"الإله..هو تلك  الأسطورة الحقيقية التي نعيش جميعنا تحت عرشها..تؤرق بعظمتها عقولنا المحدودة منذ بدء الخلق وحتى النهاية..نقتبس منها خيالنا و واقعنا ..


نحلم بكمالها ..وأمام عظمة هذا الحلم قد نتعثر ونخطئ فنعتقد مع كل مساحة غرور تسكننا..أن روحا من الله تسكن عبوديتنا ومن ثم تأخذنا روعة المشهد العبد ..يغدو سيداً للعبد الإله".

كانت تسير في مدينتها الخضراء وهي تجاهد للعبور بين دخان الزحام ..تحمل في عينيها صوراً للتشرد المستقر وبين يدي رأسها الصغير آلاف من الأفكار المتلاحقة .. ورغم الزحام إلا أنها كانت تظن أن شيئا ما - مهما يكن- ليس بقادر على أن يخرجها من عالمها العاجي ..!

 

ولكنها فجأة ..لمحته بعيني روحها  بشهوة الحنين إلى الماضي..أهو؟!! ماذا لرجل مثله أن يفعل هنا؟..تأملته بعمق ودهشة.. إنه هو..!بعينيه اللتين يسيل منهما البنفسج .. بشرته التي تحمل لون العناد..معطفه الأسود..لفحته الرمادية..حذاؤه الذي ما أفلحت أرض بعد بتغبيره.."أنه أنت يا رجُلي الذي ما أحببت غيره..هو أنت يا من أشتاق إليه بجنون مقتول..أي رجل هو أنت حتى تحفر في خنادق للحب لا تردم ؟!!"

وبقوة الجرح والحنين اللذين ينهشان صدرها أدارت وجهها بكبرياء عنه وإن هي ما استطاعت جر قدميها ...

هو كان يمشي ساخراً من الوجوه كلها يحمل بين كتفيه لا انتماء الترحال..هو الآخر كان واثقا أن لاشيء في هذه المدينة المكبلة يستحق انتباهه ..إلا أن وُشاحاً حريرياً بلون البنفسج استوقف قلبه وبدل قسوة عينيه شوقا وضياعا..أهي ؟!أيكون موطنها الذي اختارته هذا ؟!

 

تأملها بحب رجل عظيم ما أفلح الزمن أن ينسيه ذرةً منها.."كم تغيرت..!شعرها الذهبي المتمرد أصبح منساباً بهدوء..في عينيها المتشردين شبحٌ من الاستقرار..فستانها أصبح ليلكياً وبطول واحد..وشاحها البنفسجي ما تغير..آه منه كم لوعني..آه منك يا امرأةً ..تركت على جسدي أقراطها ..أحمر شفاهها..وخصلات من شعرها الذهبي حتى باتت جزءاً من تضاريسي".

وبقوة العناد والغرور اللذين أقنعاه أنه فوق الزمن وفوق المسافة انطلق إليها بثابته المجنون ..أمسك ذراعه وقال : - أهكذا علمك أهل موطنك أن تديري وجهك عن ضيوفك؟

     قالت: -موطني هذا الذي لا يعجبك لملم غربتي وأحسن ضيافتي فحولني من مشردةٍ ممزقة الروح معك إلى ابنة يهتم لأمرها..

 

قال:رغم أن مضمون كلامك قد تغير إلا أنك مازلت قوية..حادة..كما كنت سابقاً.

-       وماذا كنت تظنني مسخاً بلا ملامح..يطابق تماماً الأرض تحت قدميك ..

-       لم يكن راغبا سوى أن يحبها ..سوى أن يشحذ منها قوةً جديدةً على المضي فقال:-ألن تلفيني بحسن الضيافة ؟!

- صمتت..فأي دوامة تلك التي ستلقي بنفسها إليها إن هي ذهبت معه ..إعصارٌ هو سيعبر مدينتها في لحظات ثم يرحل لا مبالياً مخلِفاً وراءه دمار الحنين وركام الإحتراق..

أتستطيع وهي رضيعة الاستقرار أن تواجه عملاق الجنون ..ورغم كل مخاوفها أو ربما  بسببها وجدت نفسها تقول بتحدٍ اشتاقت إليه : -لكم يسعدني يا سيدي أن تسكن رصاصة قهوتنا الدافئة  جسد الغرور في روحك..

 

ابتسم ونظر في عينيها نظرة أشبعتها سقوطاً  في بئر الهوى..وأدركت عندها أن أجزاءً من الماضي لا يمكن لها أن تمحى..

-إلى أين ستمضين بي؟

قالت بحزمها الإنتحاري القديم:-إلى منزلي..!

-       ماذا عن أهل مدينتك ؟...ألا تخافين الرجم ؟؟!

-       ما بالك وبال أهل مدينتي ؟ ألا تفهم أن للحب والحرية والتسامح عندنا المساحة الأكبر؟!

 

                        ............................................

 

فتحت باب منزلها..وقبل أن يدخل غص بشمس الدفء التي تشع في الداخل فقال محاولاً تسخيف الغصة التي ملكت فؤاده :- أخيراً.. ها أنا أراكِ وقد أصبحت كأي أنثى  وحققت حلمك بأن يكون لك جدران تحميك !

-هذه الجدران ليست حلماً ..هي واقع يتأتى من لبناته خصوصية الحلم والإبداع ..هي حيز من المكان أبني بداخله مملكتي كما أحب ..ومن يملك غنى روحي أفلا يستحق أن يبني له مملكة  على الأرض؟

وضع يديه في جيبه ..وقف على أطراف أصابعه..وبأنفه المرفوع قال:

 

-ولأنني الأغنى فمملكتي تقبع في كل مكان

-أنت تعلم أن مملكتك في اللامكان ....أمازلت تحب قهوتك كما وهمك بكثير من السكر؟

-أحبها كما طاقتي ..بكثير من السكر.

-مملكتي تختال أمام ضيوفها سيدي فلك حرية التجوال.

دخل الغرفة وبحث عن الأريكة الأكبر فهو لا يحب أن يحده شيء ..لم يكن مهتماً بتأمل منزلها ولا أشيائها ..فبقدر ما يبخسها بقدر ما ترعبه ..أغمض عينيه عن أشيائها

فهو لا يهتم إلا بها ...بها ولا..شيء آخر.

 

في المطبخ ..القهوة تغلي شوقاً لمن يرتشفها ..وهي تغلي توتراً وقلقاً ..فرغم أن وجوده ذكرها بثقتها بقرارها..إلا كانت تعلم أن الإعصار لا يقاوم..سلاحها الوحيد أن تتركه  بين فكي الانتظار وحيداً ..فلا بد له أن يتأمل تفاصيل حياتها ..لابد أن يهتز أمامها فيضعف للحظة ٍعلى الأقل..لحظة ..لا تريد  غيرها..!

ومن بين ركام ضبابها جاء صوته :- أتعلمين أنك كلما ازددتِ غروراً كلما ازددتُ تولعاً فيك ..

أدارت وجهها إليه فوجدته عند الباب واقفاً..يتأملها  بحب عنيف (ما هو إلا حبٌ لذاته)  ومستعداً لأن يربح المعركة ...!

فكرت .."تذكري..غيّري مسار الإعصار ...غيّري..مسار الإعصار!"

 

-أراكَ ما استطعت الجلوس ..؟

-أراكِ ما استطعت المواجهة..؟

-ولمَ أهرب من شيءٍ لا يلاحقني؟

-لأنه إن لم يفعل ستفعلين..

-لا أريد أن أزداد غروراً..فتزداد حبّاً..ولكنه لاحقني كثيراً وما أفلح ولعلّه مازال حتى اليوم يلاحقني ..ولكنني ..لا أراه ..لا..أسمعه ..لا..أحسّه..فقد بنيت بيني وبينه حاجزاً من الحب والثقة..

 

مرةً أخرى وبقوة العناد والكبرياء اللذين أقنعاه أنه فوق الزمن وفوق المسافة..اقترب منها ..مسح على شعرها وهو يقول: -قولي ما شئت فلست أصدق حرفا واحداً مما تقولين.   

صبت القهوة وانسابت من بين ذراعيّ ضعفها إلى غرفة الجلوس وقالت: -ألم أقل لك أن قهوتَك كما وهمك بكثيرٍ من السكّر!

وكأنه لا يلاحقها ..مشى وراءها ببطئٍ سحريّ ..بعظمة ٍ مجنونة..

-       إذاً لابد أن قهوتك بلا سكر كطعم الملل ..

وضعت فنجانه -دون أن تسأله- أمام الأريكة الأكبر وقالت:

-       لابد أنك تقصد طعم العمق والنضج لاطعم الملل..

 

ثم جلست قبل أن يسقطها الحنين  إلى دوّامات جسده..أمّا هو فظلّ واقفاً بعظمة من يحمل في داخله خدشاً صغيراً أشعل حرائق الجنون في داخله ..

صراعٌ عنيفٌ هو بين الحب والكبرياء ..بين التشرّد والاستقرار.. بين الجنون والحنين ما حملته إلاّ ساحة الصمت الدقائقيّ الذي مرّ بينهما..

فكرت .."كلاّ.. لن يدمرني إعصارك ولن يعيدني جنوني إلى وهم التشرّد "

فكّر.."أحبكِ ..أحبك  ولا أحب استقرارك ..كلاّ أنا لا أحب استقرارك ..ولن يحملني تعب التشرّد إلى قيود الاستقرار".

خرج من ساحة الصمت :أنا لا أدري ما الذي أفعله في بيت امرأة خانتني يوماً ..لماذا أستجديها أساساً كأن شيئاً لم يكن؟!

-أنبرةٌ جديدةٌ هي؟

 

-هو صوت الضمير الذي تصمِّين آذانك عنه ..قولي يا من دخلت موطن الحساب والثواب أليس لخيانتك هذه عقاب؟؟!

ولأنها مازالت تحمل معها شيئاً من الغضب في حقائبها قالت ثائرة : أنا من خنتك أم أنك من دمّرتني بأوهامك .. أكلت عمري بعنادك .. ألست أنت من وعدتني وأخلف ..

ألست أنت من.......

2011-04-19
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد