لم تنسَ أقلام العلماء و المفكرين مداعبة كل واقع عاشه البشر في تاريخ وجودهم , فتلونت صفحاتهم مع تلون كل واقع عاشوه
ولكن واقعا ًمفاجئاً سبى سطور مفكرينا فجأة , و حيَّر كلماتهم , نعم , انه الواقع الذي جعل ملامسيه يغردون خارج السرب مهما حاولوا الإقتراب من تفاصيله العميقة , فهو واقع أكبر من كل المعاجم , على الرغم من انه ما زال في طفولته و صباه , إذ لم يتجاوز العاشرة من عمره و مع هذا أدهش عقول معاصريه , انه ما يسمى ( القرن الواحد و العشرين ) .
و موضوع البحث الآن يدور حول الفئة الأكثر تأثيراً في المجتمع الإنساني والأكثر تؤثرا في هذا الواقع الجديد , انهم الشباب فرسان الواقع و بناة المستقبل , انهم الكوثر الذي يسقي كل مجتمع ظمئ التمدن و التقدم بثقافتهم و وعيهم فهم ملح كل مجتمعٍ و حضارة ٍ, و بسواعدهم فقط يُوارى جثمان التخلف و الضياع
لقد حمل هذا القرن لشباب العالم ثورة تكنولوجية ضخمة , و غزى بشبكته الصغيرة التي باتت تسمى ب (الانترنيت) و التي جمعت العالم في بوتقة قرية صغيرة أفئدة َ الشبابِ و عقولهم نعم , و لم لا ؟ فأنت في القرن الواحد و العشرين !!
( في القرن الواحد و العشرين ) لا تستغرب إذا رأيت الجهاز الجوال ( الموبايل ) يعرف طريقه إلى أيدي معظم أفراد المجتمع بشكل مخيف و مفاجئ , ولكن الذي يدعو للدهشة أكثر هو أنه أصبح من غير المستغرب أن تصطدم يوميا بأحد المارة في الطريق كل قليل فأنت الآن أصبحت في القرن الذي انهوس فيه الفرد بكل بساطة و وهبَ عينيه لجهازه الجوال !!
(في القرن الواحد و العشرين) لا تتعجب إن وجدت آباء ً و كأنهم عاشوا في غرب العالم و ابنائهم في شرقه , حيث تعتبر الفجوة العمرية بين الطرفين شديدة الاثر بذلك , فقديما كان الفرق في العمر بين الأب وأبنائه يتراوح ما بين الخمس عشرة و العشرين عاما و لكنه أصبح الآن يتراوح ما بين الثلاثين و الخمس و ثلاثين عاما ! وهذا يرجع للظروف الإقتصادية والإجتماعية , و التي ينتج عنها تأخر سن الزواج . حيث يؤمن الأب احيانا بسطحية أفكار أبنائه و يقتنع الأبناء بعدم مقدرة آباءهم على فهم أفكارهم وطموحاتهم و توقفهم عن تقبل الرأي الأخر , و التعامل مع كل ما هو حديثٍ من تكنولوجيا متطورة تـُظهر المفارقات المستمرة بين الآباء والأبناء و تزيد الفجوة بين الطرفين , إذ أنها تظهر بكافة أشكالها الفكرية والثقافية و الإجتماعية ما يؤدي لاختلافٍ في العادة و المعتقد احيانا , فبين ابٍ غير قانع ٍ بأي تصرفٍ يبدر عن ابنه و رافضٍ للنقاش المتبادل , تجد جسورا ًمن اليأس والبغض رسمت مكانها راسخةً في صلب الحياة الإجتماعية لبعض شبابنا .
( في القرن الواحد و العشرين) لا تحزن ان رأيت بساطةً للهدف ! فقد زاد معدل البطالة في العالم كله , ما أدى بشكل طبيعي لارتفاع نسبة المحتاجين للعمل حيث أصبح هاجس ما بعد التخرج وحشا يطارد الطالب طوال سنوات دراسته الجامعية فاضمحل بذلك الهدف عند كثير من شبابنا , حتى أصبح لا يعدو كونه مجرد سيارة ! أو شقة ! أو غير ذلك من الأمور المادية و ضاعت بذلك الأهداف الكبرى , و انقلبت هذه الأهداف البسيطة من كونها وسائلاً لتحقيق أهدافٍ كبرى إلى كونها أهدافاً نهائية عند كثيرين . . و هذه كارثةٌ بحدّ ذاتها .
( في القرن الواحد و العشرين) قد لا تحتاج لقراءة كتب التاريخ و عبر السالفين !! فنحن كشباب جامعي كنا نسمع من اجدادنا كيف احتـُـلـَّت فلسطين و دُنِّست مقدساتها , و كيف رَسَمَت سياسة البطش و الجريمة لوحاتها في ارض القدس و غزة و رام الله و الجليل . . . أما الآن فلهذا القرن رأيُ آخر ! حيث لم نعد بحاجة لمن يقص علينا عبر الماضي و يروي لنا قصص التاريخ , فقد رأينا في هذه السنوات العشر ما هو اكبر و أصعب و اشد على النفس من كل ما قد قرأناه و سمعناه .. من خلال ويلات العراق و غزة و غيرهما .
و نهاية ً لا نستطيع ان نخفي مع كل ذلك ايجابيات هذا التطور الذي حمله لنا هذا القرن إذ أنه صنع ثورة تكنولوجية منقطعة النظير و رفع معدل الثقافة و الوعي بين فئاتٍ لم تكن الثقافة تعرف طريقها اليها ’ و لم يكن التطور هاجسا يوما عندها , و لكن مع كل ذلك يبقى لكل شيء ايجابياتٌ تحترم و تستحق ان تذكر و سلبياتٌ حاولت ان اعرِّج الى بعضها فهي تستحق منا الوقوف و التأمل و التجاوز , و هذا ما حاولت الوصول اليه .