يقوم مديرو أجهزة الإعلام الأميركية بطرح أفكار وتوجهات لا تتطابق مع الحقائق المحيطة بنا, وبذلك هم يتحولون إلى متلاعبين بالعقول عن عمد لإنتاج وعي زائف مضلل وبعيد عن الواقع ..
هذا ما بينه لنا هربرت أ. شيلر في كتابه ( The Mind Managers ) أي المتلاعبين بالعقول, فكيفيّة تسخير ومعالجة وتنقيح وتحويل الصور والمعلومات التي ترد إليهم لتتلاءم عند النشر مع أهداف الشبكة الإعلامية يمثل جوهرا واضحا في عملية التلاعب.
فتسهم هذه المعالجات في صياغة وتشكيل قيمنا ومعتقداتنا ومواقفنا من القضايا التي من حولنا والأدهى من ذلك أنها تحدد سلوكنا في النهاية.
ومن الطرائف الصحفية التي تثبت كذب وزيف الإعلام, ان صحفيا شابا أراد الحصول على مقابلة مع أديسون صاحب الألف اختراع, ولكن العالم الأخير رفض فما كان من الصحفي الاّ ان نشر في اليوم التالي حديثا مطولا مع أديسون تحت عنوان:
( أعظم مخترع في العالم ) فاتصل أديسون بالصحفي وقال له: ( بل أنت أعظم مخترع في العالم وليس أنا)..
مما لا شك فيه ان الاعلام بات آلة العصر الجهنميّة, ومازال التطور التكنولوجي في الاتصال والتصوير والإخراج يكتب فصولا جديدة عن كيفية تسخير هذه الآلة التي أبدع الخبراء في تشكيلاتها واستخداماتها..
واذا كان هذا حال الاعلام في اميركا فإن اعلامنا بات مع التطور التكنولوجي لا يختلف كثيرا عن الاعلام الاميركي في ادراكه لأهمية هذه الآلة الجهنمية والامكانيات الهائلة التي توفرها لخدمة أهدافها ومصالحها ولكن بسبب تجاذبات وسياسات الأنظمة العربية فإن قلة من الأنظمة العربية تحاول النأي عن تعميق الخلافات فيما بينها, فصياغة الأخبار والصور ولقطات الأفلام وانتقائها وتضخيم بعضها وحذف آخر ورغبة بعض الفضائيات في تحقيق السبق الإعلامي ساهم بشكل كبير في تعميق الخلافات العربية, وإيقاع المجتمعات العربية في مصائد توجهات هذه الفضائيات.., أحد مصادر هذه الخلافات ليس في نقل الأخبار والتقارير وإنما في الطريقة والأسلوب اللذين ينقلان الخبر...
فبعض هذه الفضائيات كانت وراء انعطافات إعلامية هامة لكن مع الممارسة العملية والظروف المحيطة أصبحت تقاريرها محملة بوجهة نطر محددة فسلبت الآخر وجهة نظره, ليتأثر رجل الشارع بمثل هذه الأخبار والتقارير بشكل يدفع القنوات الأخرى لفعل الشيء نفسه, وهذا ما يزيد حالة التوتر بين الفضائيات من جهة وبين الحكومات من جهة أخرى.
لقد أثار اهتمامي كتاب ( المتلاعبون بالعقول) اذ يظهر جليّا جهد الكاتب في معاينة الواقع عن كثب ليقدم تحليلا موضوعيا لواقع الاعلام الاميركي ودراسة تتبعية لآلية العمليات المتحكمة بوسائل الاعلام ودور الشركات العملاقة في قيادة تلك الوسائل والسيطرة عليها لخدمة أهدافها ومصالحها في داخل الولايات المتحدة الأميركية وخارجها لتحقيق الهيمنة على العالم.
فيخرج الكاتب باستنتاج هام: هو ان استطلاعات الرأي لم تقصر في خدمة أهداف الديمقراطية بل خدمتها بطريقة تؤدي الى كارثة فقد كرّست مظهرا خادعا من روح الحياد والموضوعية كما عززت وهم المشاركة الشعبية وحرية الاختيار من أجل التغطية على جهاز توجيه الوعي, والسيطرة على العقول يتزايد بتزايد توسعه وتطوره يوما بعد يوم ص160.
اذ يقوم الاعلام الاميركي على التضليل الإعلامي والوعي المعلّب, وهما بدورهما يقومان على عدة أساطير منها اسطورة الحياد: فيضلل الشعب بحيادية مؤسساته ولكنه في الحقيقة ليس حياديا هو يلبي مصالحه وطموحاته, وكذلك أسطورة التعددية الإعلامية على أساس هناك تعدد هائل في وسائل الاعلام ولكن هذا من حيث المظهر فقط فالواقع مختلف, فعلى الرغم من تنوع وسائل الاعلام يظل المضمون واحد والفرق يتمثل في وهم حريّة الاختيار.
ومما لا شكل فيه أن الفضائيات العربية باتت جزءاً لا يتجزأ من عملية التلاعب بعقول الجماهير على الرغم من ان هرم الاعلام بات مقلوباً فلم يعد من القمة الى القاعدة بل بات من القاعدة الى الهرم... فتنبهت الفضائيات الى المدونين والفيديوهات على الفيس بوك وكافة شبكات التواصل الاجتماعي الى درجة اصبحت تستقي معلوماتها منها لتتناسب بما يخدم المصالح الشخصية لتلك المؤسسات الإعلامية.