العنوان: سنوات الكلاب
الكاتب: غونتر غراس
نبذة عن الكاتب: حائز على جائزة نوبل في الآداب، وله احد أروع الروايات في الأدب الألماني على الإطلاق (الطبل الصفيح) وهو جزء من الثلاثية المشهورة (ثلاثية دانتزغ) التي تضم إلى جانب هذه الرواية روايتي (القط والفأر) و(سنوات الكلاب)
المترجم: أحمد فاروق
نبذة عن المترجم: يدرس في جامعة ألمانية ويفهم بالألماني جيداً إلى درجة أنه يتحدثها مع كل أصحابه في ألمانيا، تخيل!!
شيلونا من الحكي الفاضي، ولنتكلم بجدية الآن.
اشتريت، وأنا الذي نادراً ما أشتري شيئاً أياً كان، كتاباً من دار الحكمة في دبي لكاتب طالما أحببت القراءة له حتى أنني عندما لم أجد كتبه قرأته بالانكليزية. هذا الكاتب هو غونتر غراس كما أصبحتم تعرفون، وكما عرفتم أيضاً أنه كاتب إحدى أحب الروايات إلى قلبي وهي الطبل الصفيح والتي أتوق إلى قراءتها دوماً وربما أبداً. ولذلك، منذ أن لمحت عيناي اسمه فوق أحد رفوف المكتبة – التي كنت أزورها بعنوان "البحث عن فاوست" – حتى استفزتني مليون ألف كلمة، ومليون ألف صورة، وحوالي مليون ألف ذكرى عن هذا الاسم وما خزنته له من إعجاب. ممممم، ربما سأقول له نفس الشيء عندما ألتقيه، إن استطاع وانتظرني إلى ذلك الحين، ولم يمت، مثل غيره.
المهم، يا طويلي العمر، مددت يدي وإذ بي أمسك بسنوات الكلاب كلها، منتشرة على زهاء 600 صفحة من القطع المتوسط...... وقلنا كما قال العرب: هنا طاب الموت. واستللت سيفي من غمده، عفواً نقودي من جيبي، وإذ بي أدفع خمسون لا بل خمسين درهماً شقفة واحدة، أقصد دفعة واحدة، ودفعت أيضاً ثمن كتابين "تعلم البلغارية" وله قصة أخرى نحكيها فيما بعد، وكتاب أحمد بدوي ذلك الفنان الرائع الذي سنحكي عنه ربما فيما بعد عندما أحصل على بقية الأجزاء لمترجمته "فاوست"، ههه نعم هذا هو الكتاب الثالث، الجزء الثالث من "فاوست".
لا أريد إطالة الحديث، يا طويلي العمر، أصبحتم تعرفون مدى معزة الرجل لدي، وفوقها أقول أنه منحني أجمل لحظات في أيام شتائية باردة ورائعة، وهكذا جلست البارحة والشوق يغمرني، كلي أشواق، وتلهف. وبدأت الحكاية في قراءة الرواية.
تقول الرواية: أنت ابدأ، لا أنت ابدأ، كلبك أنت لا كلبي أنا، فايكسل أتى فايكسل خرج، فايكسل يرسم بالسجائر، وبأعواد الثقاب، إنه فايكسل البطل، لا أنه فايكسل ولكن بالإكس وليس بالكاف والسين، انه على وزن ومدينة فايكسل – مرة اخرى. أحس بأني في مسلسل كرتوني شيق من رتبة طمطم أتى حيوا الفتى. أعيد قراءة الصفحة من جديد، ومن جديد أجد نفسي في دوامة من نوع "تعا ولا تجي". أقول في نفسي، أنا أمام اكتشاف عظيم، فهذا أسلوب محدث في الأدب، يقوم على أساس "الحقني إذا كنت رجلاً" وفيه من التحدي ما يجعلني أقاوم. فقاومت.
جاء أزمل، جاء ذو التسع سنوات فلاديمير أفلادن – اعذروني فكل الاسماء الواردة هنا هي من افتعال ذاكرتي السيئة ولكن كلها ذات مصدر حقيقي- نتابع: لديه زلاكن، يقولون عنها زلاك، لا ليس لديه زلاكو، لديه مطوة، الريح باردة، الجنود أقوياء، إنها كلبة، لا إنه ولد، أنها سيزا، تجري والقبعة على مؤخرتها، أعتقد أن القبعة على مؤخرة زومل، عفواً أزمل. هنا أعدل جلستي لأفهم إن كان أزمل كلب، أم ولد مثل فلاديمير، أو أياً كان اسمه. تختلط علي الكلمات. فأعيد القراءة من جديد.
وبعد قراءة متأنية تتضح أمامي الصورة شيئاً فشيئاً. هناك بعض الكلمات التي لم تترجم أصلاً ولكن من سياق الكلمات المئة التي قبلها والمئة التي بعدها، تكتشف أن هذه الكلمة تعني على سبيل المثال "مدينة" أو "محطة". وهناك أمثلة كمدينة "ثقب الفتاة" التي ربما كان أفضل أن تكتب "بخش الفتاة". وأواصل القراءة بكل ما أوتيت من جدية. أصل إلى "المعدية جاءت" ويستهلك مخي طاقة بحجم سيجارتين حتى تتكشف لي ما هي المعدية (لن أقولها لكم لتبقى حسرة في قلوبكم") وأتابع لأصل إلى "كان هناك كوبري"، وبعد قليل تقول أحدى الشخصيات شيئاً على وزن "هاوريك يا اسطى". وهنا كانت الضربة القاضية.
لحظات صمت مفتعل.
ولماذا الصمت، أريد أن أصرخ. أريد أن أصيح أعلى صوتي. من هذا الطالب المغمور الذي ترجم لي هذا الكتاب العظيم. ولم يعد الكتاب الذي أمسكه بيدي عظيماً على الإطلاق. من هي الدار التي قبلت بنشر هكذا ترجمة. أقلب إلى الغلاف الداخلي وأجد عنوان بريدهم الالكتروني، يفتخرون كثيراً بهذا الكتاب. لحظة، ماذا هناك أيضاً؟ "ساهمت مؤسسة غوتة بتمويل بعض من تكاليف ترجمة هذا الكتاب". يا للخجالة.
لو أريد ان أعد تقريراً بالأخطاء الترجمية التي وجدتها في الكتاب، لما أسعفتني مثل هذه العجالة، كما يقولون في برامج المقابلات التلفزيونية. وعلى الرغم من أني لا أفقه في الألمانية سطراً واحداً، إلا أني اكتشفت براهين على التقصير عن البحث والتمحيص في معاني الكلمات، وهناك كلمات أخرى وضعت كما كتبت في النص الأصلي تماماً ولكن بأحرف عربية. هذا، ولا زلت لم أقرأ سوى الصفحات العشرين الأوائل ربما.
والآن، دعونا من الأخطاء الترجمية، ما أجده هنا قاتلاً بكل صدق، هو استعمال المفردات العامة المصرية بدلاً من الفصحى. متى كان الشيء الذي يصل بين ضفتي النهر يدعى "كوبري"، وإن كان كذلك أليس الأجدر بعبد الرحمن منيف أن يغير عنوان روايته ويدعوها "حين عبرنا الكوبري" أو ربما في نسخة أكثر إبداعاً: "حين عدينا الكوبري". ولكن هنا كلمة عدينا قد تفيد استعمال المعدية – أصبحتم تعرفونها الآن. هل يعقل أن يكون المترجم لا يعرف كيف يكتب بلغته الأم، أم هل كانت لغته الأم هي الألمانية والعربية هي لغة الترجمة واللهو وكسب الرزق فقط؟ ولكن اسمه أحمد فاروق، عربي ابن عربي. هل لديكم كلام آخر؟
استشيطيت (استشطت بالعامية) غضباً، وقحصت إلى فراشي أجرر أثواب الذل والهزيمة إلى النوم.
حاولت قبل قليل أن أبحث عنه في "الغوغل" – أو على رأي قاموس الانجليزية الحديثة: أن "أغوغله". فوجدته أولاً ضمن قائمة دار الجمل التي تفتخر بها، وثانيا مقال صحفي حول "العلمانية والحرية"، وثالثاً في تقرير أمني عن الإرهاب. المقال جيدين ولكن عربية الثاني أقوى وأوضح وأفصح من الأول بدرجات عديدة. اكتشفت أن هذا الرجل يعمل ربما مراسلاً لشبكة الدويتشه فيلا. والله أعلم، على رأي الأكثرية.
وعلى كل الأحوال، بقيت سنوات الكلاب بالنسبة لي بعيدة كما كانت من قبل، ولكني حزنت على دراهمي الخمسين التي لو كنت استثمرتها في أحد منشورات مؤسسة الوحدة العربية الصعبة – بالنسبة لي- لكنت جنيت ثمارها. ولكن، سنوات الكلاب أتت عليها، وعلى ما بقي فيّ من إيمان بالكتب العربية المترجمة ودور النشر الترجمية التي تأخذ من البلاد الغربية الجميلة ستارة خضراء كبيرة لتبيعنا من ورائها عناوين كبيرة وملغومة. سنوات الكلاب، مثلاً.
ودمتم.
ضياء