وبعد خمسة عشر عاماً يعود أحمد عبد الحق، وبعد خمسة عشر عاما يعود المدير العام ليؤكد أنه في مؤسساتنا لم يتغير شيء منذ العرض الأول للمسلسل.،يعود وسوريا تمر بهذه الأزمة الصعبة.
الدراما جزء من الحركة السياسية في البلاد وهذا ليس مرتبطاً بالمرحلة الحالية بل هو في صلب العمل الوطني، فالذين نادوا بموقف للفنانين ربما لم يستوعبوا هذه النقطة المهمة وهي أن كل الأعمال التلفزيونية والمسرحية والسينمائية هي ضمن التعددية السياسة التي نطالب بها، وكل الأفكار التي تم طرحها في هذه الأعمال هي لتوعية الشعب بالواقع الذي يعيشه ولكن للأسف الأعمال التلفزيونية هي بالنسبة لكثيرين للتسلية ولا نأخذ منها تلك الأعمال التي تعبر عن الواقع والطموح السوري.
يوميات مدير عام هي جزء من هذه الحركة وهذا المسلسل يطرح أفكار ضمن قالب الكوميديا، وهنا لست بالناقد فني أو الدرامي فأنا أنظر إلى هذا العمل كمواطن سوري يتابع العمل من وجهة نظر تحليل سياسي.
العمل يتناول ثلاث نقاط مهمة : المدير ( المسؤول ) – الموظف ( المواطن ) – المجتمع ( الثقافة الاجتماعية ).
1- المدير ( المسؤول ): القيادة ليست منصب بل هي عملية تأثير على المجموعة التي يعمل معها وهذا التأثير يكون بحسب سلوك وطريقة تعامل المدير ( المسؤول )، فأيمن عبد الحق والوزير الذي اختاره يمثلان وجه المسؤولية الذي يجب أن يمثله كل شخص في موقع متقدم من المجتمع بما يملكه من تأثير فالأنظار هي دائما موجهة نحوه فالملاحظ من استخدام التعابير الدائمة أن المدير يقوم بهذا العمل لماذا نحن لا نقوم به؟ وهنا يطرح المشكلة أمام المسؤولين في كونهم ( قدوة ) أمام موظفيهم وأن المحاسبة يجب أن تشمل جميع العاملين في التسلسل الهرمي ضمن أي مؤسسة حكومية وخاصة.
2- الموظف ( المواطن ): المواطن يقوم بعملية الفساد والرشوة كونه ردة فعل على الواقع المعيشي ونتيجة السلوك الذي يقوم به المسؤول ضمن مديريته ولكن الرشوة لا تبرر الخطأ، فهنا في حالتنا هذه المدير (أحمد عبد الحق ) يحاول أن يقوم بإصلاح هذه المؤسسة ولكن هناك رفض من الموظفين وهذا ما يطرح أمامنا مسؤولية الجميع من الرأس حتى قاعدة الهرم في عملية التغيير ضمن المؤسسة وهذه العملية التي تحتاج في المرحلة الاولى إلى ضمير قبل القوانين، وهذا ما يمثله ( أبو شريف ) من مواطن يعيش ضمن مجتمع فاسد هو المديرية ومع ذلك هناك ضمير مازال يعمل بقوة في حياته وهذا ما يعرض كل مواطن إلى الاستهزاء، فالشخص الشريف هو غريب عن الواقع والفاسد هو أمر طبيعي ومنطقي.
3- المجتمع ( الثقافة الاجتماعية ): تطرح هذه اليوميات الثقافة التي يعيشها مجتمعنا ضمن عائلات المسؤولين تطرح موضوع الفساد والرشوة وكيفية حله والتأثيرات السلبية، تطرح هذه اليوميات ثقافة مجتمع لا بد من تغييرها وهذا التغيير يشمل جميع الأطراف من الموظف ( المواطن ) والمدير ( المسؤول )، يبدأ من التربية العائلية والمدرسية. ثقافة الإصلاح الذي يشمل كفتي الميزان كفة القوانين التي تقف لمصلحة المجتمع والكفة الثانية هي ضمير كل مواطن، فلو كنا نملك أفضل قوانين في العالم ولم يكن لدينا ضمير يعمل بها فعبثاً يتعب البناؤون.
يوميات مدير عام يطرح مشكلة تعد من أهم الامراض التي يعاني منها مجتمعنا، والمسلسل يعود ليدق ناقوس الخطر من جديد كون ثقافة ( العوجة ) التي لن يستقيم بها مجتمعنا سوف تؤدي بنا إلى تحويل مؤسساتنا إلى مزارع. لو تم حل جزء من المشاكل التي طرحها قبل خمسة عشر عاما كنا استطعنا تحقيق خطوات مهمة جدا، بالتأكيد لا أستطيع الجزم أننا لن نكون في هذه المرحلة الصعبة ولكن ربما كنا استطعنا الابتعاد عنها، والان يطرح هذا المسلسل وغيره من الاعمال السورية المسؤولية امام الجميع في الخروج من تعصبنا ورشوتنا وفسادنا، تطرح علينا ثقافة تتناسب مع الغد الذي نعمل من أجله ونحلم به.