إني أهدي هذا العمل :
إلى رسولي اليتيم –محمد صلّى الله عليه وسلم- الذي أتشرّف باتباعه.
يَنبِض القلبُ في أنين, تضيع العبارات, وتتشَتَّتْ الكلمات, فلا القلم يستطيع أن يسطّر, ولا الأوراق تستطيع أن تتحمّل أنين القلم عليها
أبتي...
اذكركَ في كل مكان , في كل زمان , في كل الثواني,
و مع كل خاطرة.
ذكرتكَ في سنيِّ عمري كلها
لم أُعلَّم كلمة بابا إلى أن قرأتها في المدرسة
وأنا في السادسة
مرسوم قربها صورة بابا يجلب الحليب
سمعتُ صوتكَ لمراتٍ قليلة
إحداها كانت
عندما كبَّرتَ في أذنيَّ الصّغيرتين
حين كان عمري ساعة
ولو كنتَ تعلم أنكَ ستغيب عني
بعد أربعين يوماً من عمري
لقلتَ أيضاً
صغيرتي
لن يطول الغياب
فإن موعدنا الجنة
إن صبرتِ و احتَسَبْتِ
عرفتكَ و بكيتكَ
عندما نظرتَ إلى من صوركَ القليلة
فأنا أعرفكَ من الصور
-صوركَ لا تفارق محفظتي-
إحداها وأنت في صف التاسع...
والثانية وأنتَ في الثانوية ...
والأخرى و أنتَ في الصيدلية....
كنتَ على باب العمل
يتلألأ على جبينكَ قطراتٍ أطهر من الندى
شامخاً كشموخ الصقور
نعم كنتَ تغطي الشمس بفيء جبينك
(في الجنة لن أدعكَ تتركني)
أتَعلَم أبي قد رأيتكَ ثانيةً في غير الصور .....
رأيتكَ في المنام تضمّني
قلتُ بابا ...قلتَ ابنتي
لا تخافي
قلتُ أفتقدكَ, و وقفتك معي في مواقف الحياة المتلونة ...المختلفة...
قلتَ لكِ الله القوي الجبار خالق الأكوان و الطيور و الجبال
لا تتركي اللجوء إليه في لحظات الخوف والاضطراب
أبداً لوذي به......
قلت حبيبي
قلتَ صغيرتي
قلتُ أرجوكَ لا تذهب طمئنِّي عنكَ أكثر كيف حالكَ ؟
قلتَ أنا مع الصالحين و الأبرار
في حياةٍ سالمة, هانئة, مطمئنة, ليست كحياة الدنيا يا صغيرتي
قد وصلني بالأمس جدكِ لأمكِ الذي ربَّاكِ بعد رحيلي عنكِ
فأحسن تربيتكِ وتهذيبكِ يا له من إنسانٍ صالحٍ يا حلوتي
واصلي استغفاركِ له كما تستغفرين لي
و رأيتُ في عينيكَ المدورتين بحراً عميقاً من الحنان
ومسَحَتْ يداي الصغيرتان
دموعاَ من عينيَّ و عينيكَ
انهالت على وجنتيك
قلتُ خائفةُ أنا... قلتَ أنتِ مازلتِ معي بين يدي
و ضمَمْتَني أُخرى وربَّتَّ على كتفي
لتقوِّيني
(في الجنة لن أدعكَ تتركني)
كتبكَ الكثيرة القيّمة التي تركتَها
أنا في كل مساء أضمُّ بعضها أشم رائحتها وتضمني
و بعدها
ومن الدنيا وبكل ألوانها وبكل ما حوت من ناسٍ وكائنات و صور
آخذ فقط صورتك أنتَ و حدك
آخذها
أغفو عليها و تنهال دموعي على وجنتيك
(في الجنة لن أدعكَ تتركني)
أهذي بكَ .....
أراكَ في البحر
أراكَ في عبير العطر الذي اِشتريتَه أنتَ من القاهرة
أراكَ في الغفو
في الصحو عند تنفس الفجر
عندما انظر إلى القمر أذكر وجهكَ المدور
وتشتاق الصحراء للمطر اشتياقي لكَ
(في الجنة لن أدعكَ تيتبع....تركني)