لا شك أن الأحداث التي تمر بها سورية ، بلدنا الغالي على قلوبنا جميعا ً ، مؤسفة ومؤلمة في آن معــا ً ! ولا شك أن المواقف العربية خاصة مما يحصل والتي اختارت ومنذ فترة طويلة مجاملة القوى الغاشمة لسبب أو لآخر ، أمر يثير الاستغراب أكثر وأكثر أيضـا ً !! وان ما يسمى بالربيع العربي ، انما هو مجرد لعبة كبرى ، استطاعت من خلالها أمريكا وإسرائيل ومن يدور في فلكهما تحقيق ما لم تستطع تحقيقه بوسائل أخرى ! .
وما من شك في ان ما أسفر عنه حراك الجماهير في مصر ، وخاصة التخلص من مبارك وعهده الميمون ، يعتبر بحد ذاته انجازا ً ، ولكن ، ماذا عن القادم من الأيام ؟ هل باستطاعة مصر أن تعود الى مكانها الطبيعي بين شقيقاتها العربيات بالسرعة المرجوة ؟ هل بإمكانها ان تتحول إلى بلد ديموقراطي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى ؟ أننا نشك في إمكانية تحقيق ذلك حقــــا ً، ولكن وبدون يأس ، فكل احتمال وارد ، إنما ليس على المدى المنظور حتمــــا ً !!
لكن ، هل هذا الحراك الذي اجتاح عدة دول عربية وما يزال ، لم يكن المقصود منه أساساً ً أن تعصف رياحه الهوجاء بقوى المقاومة العربية ، ونعني بها الدول والمنظمات والأحزاب المقاومة كحماس وحزب الله ، وعلى رأس ذلك سورية قلعة الصمود العربي وعقدة اسرائيل وأمريكا والغرب الأبدية ؟!
ومن سيكون أسعد من اسرائيل على وجه الأرض ، اذا أتت المؤامرة أكلها لا سمح الله وادخلت سورية في سرداب الضياع والتشرذم والحرب الداخلية المدمرة ، وهذا لن يحدث بإذن الله ، لأن الشام وسورية ، تعهدها الله بحمايته ، فلا غالب فيها الا الحق ، والى يوم القيامــــة .
ولكن ، لماذا انزلق العرب والإسلام الى هذا المنحنى وهذه الدرجة من اليأس والسلبية في التعامل مع قضاياهم المصيرية؟! أليست إسرائيل هي من احتل فلسطين وأراض عربية أخرى ؟ هل يرى بعض العرب اليوم في فلسطين رواية زائفة ، وإسرائيل حقيقة ؟ هل المسجد الأقصى عربي اسلامي ام يهودي صهيوني ؟ الم تدنسه اسرائيل غير مرة ، بل وبشكل دائم ؟ اليس هو كما أخبرنا ديننا الحنيف : اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ؟ألم تقم اسرائيل عبر عقود عدة بانتهاك الحرمات والتدمير والقتل والاغتصاب والنهب ؟ أليس هذا ما حصل فعلا ً ، أم ان كل ذلك كان مجرد وهم ، واسرائيل ليست سوى دولة صديقة وبريئة ؟؟
وإذا ما قالت سورية أو أية جهة كانت : لا لإسرائيل ، فهل أصبح هذا حرام ، والحلال ان اسرائيل مجرد بلد شقيق او صديق ؟! واذا كانت حجة العرب ان سورية وقوى المقاومة لم تستطع النصر على اسرائيل وتحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة حتى اليوم ، فهل معنى ذلك أن نستسلم ؟ وهل نحكم عليها بالادعاء والكذب والمتاجرة بالقضايا القومية، بالرغم من كل ما قدمته من تضحيات وعانته من شظف عيش؟ ألا يعرف العقلاء من العرب مدى قوة اسرائيل ومن يدعم اسرائيل ؟
ولكن وبالرغم من كل ذلك ،هل فكر العرب ذات يوم ان يتوحدوا ويهجموا على اسرائيل هجمة رجل واحد ، فهل كانت ستصمد ، وهل سينفعها الدعم الامريكي عندئذ ؟ ألا يذكر العرب يوم صرح الملك فيصل- رحمه الله – انه سيصلي في القدس ، فحسبت اسرائيل انها دعوة الى تحريرها ، فأرسلت له من ابناء جلدته من يقتله ؟! لماذا يتصرف العرب اليوم بكل هذا الكره والحقد تجاه سورية والقيادة السورية ؟ هل اقتنع السادة زعماء بني يعرب ان فلسطين اصبحت ماضيــا ً لا يرغبون حتى في استذكاره ؟! طيب ، اذا هجم وحش شرير محتل ومجرم على بيت احدهم يريد احتلاله ونهبه واغتصاب اهله ، فهل يرحب به ويفرش له السجاد الأحمر ؟ الن يدافع عن شرفه وعرضه بكل ما اوتي من قوة ؟ اليس هذا ما يميز العرب والاسلام عن باقي الأمم ؟ هل يعتقد العربي الذي لم يهاجم في معركة ما و لم يكن هو المستهدف في حينه فإنه في امان وان دوره غير آت ؟
غريب امر العرب ! كلهم يعيشون على مبدأ : اليوم ، وغدا ً يدبرها المولى !! ولقد تضخم عندهم ذلك حتى صار خنوعا ً وعجزاً وذلاً مقيما ً !! كما ان البعض منهم تفننوا في اساليب الانبطاح طمعا ً في رضـا السيد الامريكي ، ومع ذلك تجد بعضهم يمارس دور الناصح والمنظر ، وهم يستجدون اسباب وجودهم منه دون خجل او استحياء !!
اليست تعاليم الاسلام تقضي ان نكون دوما ً امة واحدة ، لا ترضى بالذل ولا تسكت على ضيم ؟
أليس من واجب العرب خاصة ،وخاصة دول الثقل العربي ، ان تقف الى جانب سورية في هذه المحنة ؟ وماذا ينفع العرب اذا خربت سورية لا سمح الله ؟ الم يكن اجدى بها وبمصالحها ان تنسق مع القيادة السورية للتوافق على برنامج اصلاحي ضمن جدول زمني محدد ، وبرعاية وكفالة أمانة جامعتها ، انه سيطبق في الموعد المحدد ، ألن يوقف ذلك هذا العبث المدمر ؟ الن يمنع ذلك حتى مجرد تفكير الدول الطاغية بالتدخل في شؤون سورية ذات يوم ؟ هل نسي العرب من هي سورية ومدى تأثيرها الايجابي الهائل في صنع التاريخ العربي ، حتى يصبح من باع قضاياه القومية مرجعا ً وموئلا ً لاتخاذ القرار عن باقي العرب؟
هل يعجب العرب هذا الدمار والخراب وسفك الدماء ، هل يعقل ان ذلك ما يريدونه حقـــا ً ؟!
يا لطيف ، كم أننا غريبو الطباع نحن العرب !! حتى لو رأينا أشقاءنا يحترقون ، يذبحون وامام اعيننا ، فإنه لو كان في قلوبنا مس ، فإن ذلك يشفي الغليل في دواخلنا ، حتى لو كنا نخدم عدونا وعدو عروبتنا وديننا ، ويمكن ان نعتبر ذلك نصرا ً وحقـــا ً !؟ وبدل ان يقف أولئك الى جانب اشقائهم يحاولون مساعدتهم في أصلاح الأمور ، تجدهم يقفون مع تحقيق نوايا واهداف أعدائهم حتى لو تسبب ذلك في إلحاق الأذى بأشقاء لهم لأسباب لا منطقية ولا مبرر لها ، فقط لاختلافهم معهم بالرأي والقناعات ووجهات النظر ؟؟!! ويــا للأســـــف ؟!