أخاطب فيكم طبيتكم وغيرتكم على بلدكم .. أخاطب فيكم وطنيتكم وصمودكم وتضحياتكم في سبيل سوريتنا الحبيبة والتي صمدنا من أجل الحفاظ عليها وعلى وحدتها وحمايتها عقودا ومازلنا وسنبقى .. وعانينا كبيرا وصغيرا حكومة وشعبا من تآمر أعداءنا وجيراننا علينا .. وأحبطنا مؤامراتهم بفضل الله وأبطال سورية الحبيبة وشعبها .. والله سبحانه كان معنا في كل ضائقة ومحنة ومؤامرة وأعاننا لأننا أصحاب حق وقضية عادلة ولن نظلم مادمنا على حق ..
أيها السادة : بما أن مواقفنا ثابتة وندافع عن حقنا ونواجه أشرس وأقذر عدو على الأرض فمن الطبيعي أن نعاني اليوم ومستقبلا كما عانينا في الماضي من مؤامرات متتالية وخبيثة ومتنوعة أنهكت اقتصادنا لعقود وجعلتنا بحذر دائم .. ما كلفنا ومازال الكثير من الجهد والمال والرجال والشهداء وجعلنا نهتم بأمننا ووحدة شعبنا أكثر من عيشنا ورفاهيتنا وخدماتنا .. مع العلم أننا في سورية نتحدى أي دولة عربية بالخدمات العامة فعندنا مثلا شبكة من الطرق العامة لا تترك بلدة ولا قرية صغيرة إلا وخدمتها وأيضا شبكة من الصرف الصحي ممتدة على 95 % من المدن السورية وقراها ..
وأيضا تعليمنا مجاني .. والتأمين الصحي للجميع وبمبلغ زهيد جدا .. ودعمنا لبعض المواد الأساسية ومنها المازوت والخبز والذي يكلف المليارات .. وهنا أتحدى حتى السعودية أغنى دولة بالعالم أن تتمتع بتلك الخدمات على طول البلاد وعرضها .. نعم هناك بعض المدن عندهم جميلة ومخدمة مع أنها لا تملك صرف صحي أبدا إنما جور فنية فقط .. أما 90 % من السعودية فهي كالبادية لا تتمتع بأي خدمات ..
ومن منطلق الحذر وعدم الاستقرار الذي نعيشه وتركيز الجهد السوري على أمن الوطن وحمايته فمن الطبيعي أن يكثر الفساد عندنا .. مع علمنا جميعا أن الفساد بدول الخليج لا يضاهيه فساد في العالم لكنه محصور بالأمراء والمستويات العليا وهو فساد سياسي واقتصادي وحتى أخلاقي .. أما فساد المجتمع عندهم فهو فساد أخلاقي بالدرجة الأولى ..! ونعترف بأن الفساد عندنا لا ينحصر ببعض المسؤولين فقط إنما شمل الكثير من طبقات المجتمع ولمكافحته علينا جميعا أن نتعاضد ونتعاون للتخلص منه .. والخطوة الأولى التي علينا القيام بها هي أن نرفض بكل شدة أن نرشي أحدا مهما كان .. وحان الوقت كي نصرخ بوجه من يطلب رشوى ونفضحه ونشتكي عليه لا أن نكتفي بالكلام والفسفسة وانتقاده في مجالسنا الخاصة فقط فهذا لم يعد يجدي نفعا .. وليس معقولا كمجتمع أن نرشي بأيدنا ونرتشي وبعدها نصرخ ونشتكي من الفساد .. فنحن من نرشي ونرتشي ونغش ونتلاعب ونرفع الأسعار دون سبب .. ونحن أيضا من نتهرب من الضرائب ونعتبرها شطارة .. ونحن من نخالف ولا نريد أن نتحمل مسؤولية مخالفتنا فنرشي لنتخلص من العقوبة ونرشي لنتخلص من زحمة أو دور طويل .. ونرشي لنقلب الحق باطل والباطل حق ..
وبشكل عام لا يمكن لأي دولة مهما كانت قوية أن تتخلص من الفساد والرشوة إلا بوعي مجتمعها وتضامنه وإصراره على مكافحة الفساد .. طبعا مع جدية الحكومة بهذا الأمر برفع الرواتب وكفاية موظفيها وشرطتها وقضاتها ومحاسبة المفسد والسماح للصحافة والإعلام بفضح أي فاسد بالاسم كائنا من كان وليس الاستغناء عن خدماته فقط وكم طالبنا بهذا سابقا .. وأظن أن هذا سيكون الهم الأول للحكومة في المستقبل القريب .. أما أن نفكر بأنفسنا فقط ونتهرب من مسؤولياتنا كمجتمع ونتهم حكومتنا بالتقصير فهذا ليس إنصافا ( فالساكت عن الحق شيطان أخرس ) ولا أظن أن أحد منكم يحب أن يكون شيطانا لأمثكلم ولا أخرس .
أما بالنسبة لأزمتنا الحالية : 1 ـ فمن منطلق الشعور بالانتماء الوطني لبلدنا وواجبنا اتجاهه في الأزمات .. من المفروض على تجارنا الكرام بتلك الظروف الصعبة التي نعاني منها جميعا أن يقتنعوا بربح قليل ويخفضوا من أسعارهم ويعينوا بلدهم ..؟ وهنا لا أطالب أحدا بأن يخسر فالتاجر من حقه أن يربح .. لكن يحتم عليه دينه ووطنيته وضميره وأخلاقه أن يقبل بربح معقول كي يشعر بأنه مواطن صالح وأيضا ليتعلم منه أبنائه المواقف الوطنية والرجولية في الأزمات .. فإن لم يفعل ذلك فكيف سيعبر عن حبه لأهله وحارته وبلدته ووطنه .. قال تعالى عن الفاسدين ( أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون ) وقال تعالى عن المؤمنين ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار )
2 ـ يستطيع أصحاب الشقق الفارغة والمعدة للإيجار أن يعينوا شباب بلدهم على تأمين السكن بأجر معقول يناسب دخل كل منهم .. وبذلك يعينون أيضا حكومتهم ووطنهم على حل أزمة كبيرة جدا تشغل بال الجميع .. بدل أن يتركوا تلك الشقق فارغة أو على الهيكل وينتقدوا الحكومة على تقصيرها بالسكن والإسكان .. مع أننا نعلم تقصير الحكومات السابقة بموضوع السكن وإهمال الجمعيات السكنية التي لعبت بمستقبل المواطنين فترانا ننتقد فسادهم ونفعل مثلهم لنزيد الأزمة على شعبنا .. وحقيقة ترأف أصحاب الشقق بأبناء وطنهم يعتبر تصرفا وطنيا وأخلاقيا ودينيا وإعانه لأهل بلدهم .. أما ترك مئات آلاف الشقق فارغة فهذا يدل على قلة أخلاق وضمير وقلة دين .. فهؤلاء الشباب أبناء وطننا وبلدنا وأقاربنا ومن واجبنا مساعدتهم .. وقال رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام ( من فرج كربة عن أخيه في الدنيا فرج الله عنه كرب يوم القيامة )
3 ـ يستطيع أي موظف أن يبذل كل جهده لخدمة أي مراجع ويبتسم له ويعينه على مالا يعرفه بدل أن يدوخه ألف دوخة كما نقول .. أليس لهذا الموظف أهل وأولاد وأقارب ولهم عمل في دوائر حكومية أخرى وسيعاملهم الآخر كما يعامل هو غيره .. أيحب هو أن يعامل في دوائر أخرى كما يعامل غيره .. ألم يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء )
4 ـ أي مدرس أو معلم أو أستاذ جامعي أو صاحب حرفة أو صنعة يستطيع أن يعطي ما عنده ويبذل كل جهده مع طلابه كي يستفيدوا من علمه بأكبر قدر أليست تلك أخلاق أي مهنة أليس هذا واجبه أمام مجتمعه وربه .. وحتى لو كان دخله قليلا ألا يجب أن تكون أخلاقه ودينه أكبر دائما من دخله وراتبه ..!؟ ألم يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام ( من عمل منكم عملا فليتقنه .. وقال : ما أخذ الله عهدا على مؤمن أن يتعلم إلا وأخذ ألف عهد على عالم كي يعلم )
5 ـ ألا يستطيع كل منا أن يعلم أبنائه التقيد بالنظام والقانون والنظافة العامة فهل نفعل ذلك ..؟ صراحة جميعا مقصرون وإثباتا على ذلك ليراقب أحدكم كيف يقطع الناس الشوارع .. وكيف يقود البعض مركبته .. وكيف يرمون بقذاراتهم في أي مكان .. وليراقب أحدكم أطفاله وأطفال حارته وهم يلعبون وكيف يعودون الى بيوتهم بعد أن ألقوا بشوارعهم وحارتهم أكياس الشبس وعلب البوظة والشراب الفارغة وجميع مخلفاتهم .. ويتكرر هذا يوميا للأسف دون أن ننبههم بأن هذا عيب ولا يجوز وأن النظافة من الإيمان ونظافة الشارع من نظافة البيت أو نهددهم بعقوبة رادعة في حال تكرار ذلك .. ومع كل تقصيرنا بحق أنفسنا وأبنائنا ووطنا وقوانيننا ترانا نرفع أصواتنا ونصرخ أين النظافة وأين البلديات وأين القانون والنظام ولماذا ينتشر الفساد وأين أنت أيتها الحكومة ..؟ وكأن الحكومة بمقدورها أن تضع مراقبا خاصا لكل مواطن .. وصدقوني حتى لو كان الحكومة فاسدة أو مقصرة فنحن مثلها ولا نختلف عنها في فسادنا وتقصيرنا لأننا منها وهي منا وخضعت لنفس أسلوب التربية .. وقال رسول الله ( كما تكونوا يولى عليكم ) أيها السادة الكرام بصراحة هل يستطيع أحدنا أن ينكر هذا ويقول عكسه ..؟ فإن كنتم مقتنعون فلتنصتوا إذا لقوله تعالى ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ومالهم من دونه والٍ ) وهنا بيت القصيد ومربط الفرس .. فأي حكومة مهما كانت لن تنجح أمام شعب لا يساعدها ولا يعينها ولا يضع يده بيدها هذا يحتاج لثقافة ووعي وتربية جادة .. وبالنهاية هذا بلدنا جميعا وليس بلد حكومة لا بلد شخص ولا بلد تاجر أو موظف .. وأنا هنا لا أبرىء أحد لا حكومة ولا شعب ( فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) صدق رسول الله .. وشكرا لكم جميعا .