كثيرة هي الكلمات التي نقرأها ونسمع بها ولا ندري مدلولاتها أو ماهيتها لأننا وبكل بساطة- شعب يقرأ بلا تفكير ويفكر بدون قراءة.لعل أكثر المفردات التي كانت تستوقفني لكثرة تكرارها في البرامج التلفزيونية والكتب هي مصطلح "اليمين المتطرف أو المسيحية الصهيونية" فعقدت العزم على سبر خلفية هذا المصطلح ولو بصورة مقتضبة.
عندما تم اكتشاف أمريكا عن طريق رحلات كريستوفر كولومبوس قام القادمون الجدد بإبادة الشعب الأصلي -الهنود الحمر- لهذه القارة ولم يبقى منهم إلا ربع مليون من أصل 112مليون لإعتقادهم أن الله وعدهم بتلك الأرض.كان يطلق على هؤلاء القادمون (الحجاج أو القديسين) وكانت مرجعيتهم "الكتاب القديم" ومعظمهم من "البروتستانت" ومع وصول المهاجرين كانت أساطير "العهد القديم" هي النبراس الحقيقي لهم ولكل من وطأت أقدامه القارة الجديدة. بالرغم من أن السكان الأوائل لهذه الأرض كانوا من الإنجليز إلا أنهم قرروا الإنفصال عن الوطن الأم وإنشاء امبراطورية خاصة بهم فكان الإستقلال عام 1776 وأصبحت الدولة الأمريكية قبلة لكل العقول والمفكرين والمخترعين وأضحت من أقوى الإمبراطوريات في العالم.مع مرور السنوات أصبح الإعتقاد بالبعث اليهودي وإقامة دولة إسرائيل في فلسطين أساسا وبعدا سياسيا ودينيا في اللاهوت البروتستاني.
يبقى لنا أن نوضح كيف تحول قتلة السيد المسيح والمسيحيون إلى أصحاب عقيدة واحدة؟
نظرا لما قام به اليهود بحق السيد المسيح وأتباعه والمساوئ الأخلاقية والإجتماعية والسياسية التي مارسوها أدى إلى طردهم وإعتناقهم للمسيحية لتدميرها من الداخل,ثم كانت الحركة اللوثرية التي أعلت من شأن اليهود وأصبحوا هم شراح الكتاب المقدس وراحوا يعملون كمستشارين لرجال اللاهوت المسيحي.
في ذلك الوقت ظهرت طائفة (المارانو) وهم يهود اعتنقوا المسيحية إلا أنهم احتفظوا بالمعتقدات اليهودية وخلطوا بين الممارسات والأفكار المسيحية واليهودية.جدير بالذكر بأن هذه الطائفة هي التي مولت مشروع كولومبوس لإكتشاف القارة الجديدة وكانوا أول من هاجروا إليها.
مازال حتى اليوم أصحاب عقيدة اليمين المتطرف يحتكرون دوائر التأثير في السياسات العالمية للعمل وفق مشروع متكامل للتدخل السافر بكافة الوسائل والحجج في الشؤون الداخلية للبلدان العربية لتطبيق شعارهم (نستمد حياتنا من موت غيرنا أي من موت "العرب") والتاريخ خير شاهد على هذا إلا أننا وبكل أسف لا نتعلم من دروس الماضي إلا في الوقت المتأخر.