في زمن كليلة ودمنة ، وعلى علم ابن المقفع ربما ، كان ثمة حمار في قرية شبه منسية ، لا يحبه قومه في حقيقتهم ، لكنهم فضلوا ان يجاملوه حذرا ً من غدره وخيانته طول عمــره ؟! اما البعض ، فقد التحق بركب النفاق لديه
فاستفاد مـــن دفء عطاياه !! وكان ثمة من يقف خلفه بقوة ، يدعمه ويمده بالدعم من حين لآخر ، وابر المعنويات ..حتى لا تفتر همته يوما ً في أداء دوره المنوط به ! لقد كان العصا التي تتحقق بها الغايات والمآرب ، وبثمن بخس ..! ولم يكن هذا يضرب ويقتل في الغالب ، لكنه كان فسفوسا ً ينقل لأسياده أسرار قريته ويقوم معلمه بالواجب في إذلال قومه ونهب ثرواتهم ومصادرة موارد رزقهم .. و كراماتهم !!
وكان هذا في كل مرة ، وهو يعرف حقيقة مشاعر أهل ضيعته وكرههم وإهمالهم له ، أن يذكرهم بذاته ككائن له أهميته ، ويصرح غير مرة انه حامي الحمى وانه ابن القرية البار الذي لا يهمه سوى مصلحة قومــه ، فهو ابنهم البار وعاشق الأهل ، وعلى الجميع احترام أهله كونهم مخلوقات ولهم حقوق ..لكنه كان مخادعا ًجاسوسا ً ، ولم يعرف عنه حياته مبدأ ولا سمو أخلاق !!
وكان الرهط من أهل قريته إلا بعض من استفاد من عمالته وخيانته ، يكرهونه ، ولكن بطش أسياده كان يجعلهم يخافونه ويبجلـونه !! وكثيرا ً ما كان صاحبنا يشعر بذلك فيقوم بعمل ما ليزيد اهتمام قومه به ، فلا يكون لهم غير سيرته . وذات مرة وقد مل تعمد قومه إهمالهم له ، بل هكذا أوحى له معلمه ، ففكر في عمل ينقله إلى واجهة الاهتمام ، فكسر مزراب عين ماء الضيعة ، فحرم أهلها ماء حياتهم ! وبرغم ذلك ادعى انه من سينصفهم ويصلح المزراب كرمى لعيونهم وحرصا ً على مصالحهم !!
وذات مرة ، أحس انه غير مهم مرة أخرى ، وان قومه يتجاهلونه ولا يعطونه قدراً يليق بذاته !! وحار في أمر ذاته وقريته ، فصمم ان يقوم بعمل يعيد له أهميته ، ويظهره مهما ً ومميزا ً ! وصادف ان وجد في دار صاحبه جلد نمر عليه ملامح القوة والشجاعة والجبروت .. فلبسه ، حتى لم يعرفه احــد ! وصار يتجول في أنحاء قريته وهو فخور بانفضاض كل من حوله خوفــا ً وهلعــا ً ..! وقاده كبرياؤه المصطنع واعتداده المكتسب بنفسه إلى خارج حدود قريته ، فالتقى اسدا ً ، وكثيرا ً ما كان يشرب ويأكل من حياضــه ! ولأن الأسد اسد ، حاول النمر المزيف اخافتــه ، وصرخ في وجهه بقوة ، لكن صوت النمر المزيف كان نهيقــــا ً ، وأثبت الحمار مرة أخرى انه وبعد كل هذا الزمن ، ما يزال حمـــــارا ً !!