كان مع وزير الاقتصاد والتجارة نضال الشعار، كل الحق، عندما وصف الأزمة التي تتعرض لها سورية بأنها أسوأ أزمة اقتصادية تمر بها البلاد، وذلك في تصريحات صحفية الأسبوع الماضي.
فالأزمة الخانقة التي تكاد أن تشل الحياة الاقتصادية، وتعصف بما تبقى من نشاطات، هي الأسوأ والأكثر شدة وقسوة، يضاف إليها العقوبات التي تأتي من كل حدب وصوب، من الأشقاء، ومن الاتحاد الأوربي، ومن الولايات المتحدة، هي عقوبات تنال من لقمة عيش شعب كريم، عانى عبر عقود مشكلات عدة طالت لقمة عيشه، وفرص عمله، ووضعه التعليمي والصحي، ونقصاً في البنى التحتية الضرورية، فضلاً عن مستلزمات الحياة الكريمة الأخرى.
وتتبلور هذه العقوبات لتزيد طين مشكلات هذا الشعب وتحدياته بلة، وترسم له دائرة طباشير قوقازية لا يمكن القفز فوقها، أو الالتفاف عليها، كقدر لابد من مواجهته، بالصبر في معظم الأحيان.
ورغم ما قيل في الأزمة اقتصادياً، تبقى الأسئلة مفتوحة، والأبواب مشرعة، حول السيناريوهات القادمة، لكن ما يشغل بال السوريين، ويؤرقهم بشكل عام، ذلك التراخي الحكومي المؤسف، والصمت المطبق نحو قضايا اقتصادية واجتماعية ومعيشية، تمس حيوات المواطنين، وتثقل كواهلهم، وتزيد من هول التحديات التي تواجههم. فلم تشهد سورية أزمة أسوأ من تلك التي تعيشها، كما أنها لم تشهد حكومة غير قادرة على العمل والفعل كالحكومة الحالية. وهذا ليس تجنياً عليها، لأننا نتمنى أن تكون حكومة عادل سفر من الحكومات القوية، والقادرة على معالجة مشكلات المواطن، إلا أنها تغرد في سرب آخر، وتوجه بوصلتها إلى حيث لا يرغب المواطن. بل إنها كما يبدو لا بوصلة لها، ولم تحدد أهدافها، ولم تضع الأوليات التي يفترض أنها ستعمل عليها في المدى المنظور.
وعلى سبيل المقارنة ليس أكثر، كانت الحكومة السابقة تتخذ قرارات، رغم الاختلاف الكبير معها في التوجهات العامة والسياسات الاقتصادية الكلية. وأسوأ الحكومات تلك التي لا تتخذ قرارات، فالمرواحة في المكان، وعدم نبش المشكلات، وعدم معالجة الواضح منها هو الخطأ بعينه، والمصيدة التي تقع فيها الحكومات الرخوة، وغير القادرة على تحمل المسؤوليات المنوطة بها. والحكومة الحالية تنطبق عليها هذه الصفات، إذ هي أتت وسورية تعيش بدايات الأزمة التي بات عمرها يقترب من شهور تسعة، وحكومتنا عمرها من الشهور نحو ثمانية، فهي حكومة وليدة الأزمة، ما يتطلب أن تكون في برامج عملها قادرة على معالجة الشق الاقتصادي المتعلق بالأزمة، لكنها اتخذت من الإجراءات ما أدى إلى عكس المراد، وأضاف الكثير من الوقود إلى نار هذه الأزمة.
والسؤال هل الحكومة ذاتها راضية عن أدائها بعد الأشهر الثمانية التي أمضتها في مهامها؟ سؤال لا نستعجل الإجابة عليه، لكننا نضع مؤشرات أمام أداء الحكومة لتحكم بنفسها على ما فعلته. فماذنب المواطن السوري أن يهدر يومياً ـ لاسيما في أيام البرد القارص ـ أربع أو خمس ساعات أمام محطة المحروقات لتأمين نحو 25 ليتراً مازوتاً لزوم التدفئة؟ وما ذنب المواطن أن يمضي يومه باحثاً عن جرة غاز منزلية يستعيض بها عن المازوت والطاقة الكهربائية لمواجهة البرد؟ وما ذنب المواطن أن يسهر على ضوء الشموع لأن التقنين بات ثقيل الدم إلى حد كبير، والذي يزيده سوءاً غياب البرامج المحددة له؟ وما ذنب المواطن أن يجلده وزيرا النفط والكهرباء ويفسرا له الأزمة الخانقة في توزيع الطاقة، رغم الجهود المبذولة لزيادة الكميات مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، وزيادة مخصصات المحافظات من الطاقة؟ ما ذنب هذا المواطن أن يهدر وقته مرة ثانية في شروح ومطولات لا تغني ولا تسمن من جوع، فهو سيستيقظ في اليوم التالي على واقع أشد قسوة ومرارة، حيث لا كهرباء ولا مازوت ولا غاز، وكلام الوزيـــــــرين مازال يطن في أذن كل مواطن محـــــروم من هذه الخدمات؟
مهما فسرت الحكومة، وشرحت، الأزمات التي تتعرض لها البلاد، ومهما كانت أدواتها مقنعة، تبقى القضية الحاسمة هي مدى قدرتها على تجاوز هذه الأزمة وحلها، وماعدا ذلك تبقى الأمور في طور الأخذ والرد. وفي غياب الحلول تساوي المبررات صفراً، بل إنها تشبه الكلام النافل تماماً، إذ المواطن يريد حلولاً لمشكلاته من حكومته ولا يرغب في سماع المبررات الجوفاء.
وما ينطبق على وزيري الكهرباء والنفط ينطبق على معظم وزراء الحكومة، الذين لم ينجحوا في معالجة الملفات الساخنة، ولم يتمكنوا من النهوض بالواقع المتردي، ولم تثمر محاولاتهم في رسم البسمة على وجه مواطن، عبر حل مشكلاته، ولم يستطيعوا أن يثبتوا لمواطنيهم أنهم وزراء الأزمة القادرون على حلها ومواجهتها، بينما أثبتوا للجميع أنهم وزراء مكاتب من الطراز الرفيع، لا أصوات بعضهم نسمعها، والذين تسمع أصواتهم، تغيب أفعالهم، ما يُفقِد العمل الحكومي خلال الفترة الحالية أهم خاصية يجب أن يتميز بها، وهي التركيز على المواطن بصفته البوصلة التي يتحدد كل عمل من خلالها، ويتمحور كل نشاط حولها. الشهور الثمانية التي مضت، لم تستثمرها الحكومة في حل مشكلات المواطنين، ومازال أداؤها في أدنى المراتب، وهي تكثر من الكلام وتقلل من الأفعال. إنها حكومة أتت لتواجه أسوأ أزمة تمر بها سورية، ولم تفعل ما يجب أن تفعله مثل هذه الحكومات التي تأتي في ظروف استثنائية.