أصبح صندوق الانتخاب أو الاقتراع، يشكل مرحلة فاصلة بين تاريخين الأول قبل عام ،2011 والثاني في بداية العقد الثاني من هذا القرن. ويحمل التاريخ الأول الكثير من الآلام والمآسي للشعوب العربية، في ظلّ نظام الحزب الواحد.
أما التاريخ الثاني.. تاريخ النهوض الجماهيري الواسع الذي غطَّى معظم مساحة العالم العربي، فيحمل راية التغيير في النظام السياسي العربي. ووضعت الشعوب العربية في الصندوق الجديد مستقبلها الديمقراطي، ومستقبل أبنائها وأجيال الشباب، باعتبار الشباب هم مستقبل الأمة والأوطان.
ويرى المواطن العربي أن الانتخابات الديمقراطية الحرّة، هي التي تضمن الاستقرار وتحقيق المواطنة والعدالة وحرية التعبير والتعددية وثقافة الاختلاف، وتحقيق تطلعاته الثقافية والاجتماعية والسياسية. ويرى أن صندوق الاقتراع هو البذرة الديمقراطية في التربة السياسية. وقد تابع بتفاؤل الانتخابات التونسية والمصرية، وكيف أن (البركان الخامد) أو ما يسمى (بالفئات الاجتماعية النائمة) قد تحول إلى ثورة بركانية. وصبَّت هذه الفئات أصواتها للمرشحين الإسلاميين (النهضة في تونس)و (الإخوان المسلمين والسلفيين في مصر)، وأصيبت التيارات اليسارية الماركسية والقومية والليبرالية بـ (نكسة مؤقتة)، وهي فرصة للمراجعة، رغم تعرضها للاضطهاد والاعتقال والإبعاد، وتوجيه الحراب إلى صدورها من البرجوازية والرجعية في الداخل، والتحريض ضدها من الرأسمالية العالمية.
إن الشعوب العربية التي صنعت الاستقلال بنضالها وتضحياتها، تلقت الصفعات من الأنظمة العربية الفاسدة، طوال عقود ما بعد الاستقلال، وهي التي تنتزع الديمقراطية، وترفض أية صفقة مصدَّرة أو مهرَّبة من الخارج، أو ما يصطلح عليه (بالديمقراطية الأمريكية والأوربية). وترفض أيضاً (ديمقراطية النُخَب) وما يسطّره النخبويون من مقالات ورقية، وشعارات ملوّنة على اللافتات. ويرون فيها كمن يزرع نبتة يجلبها من القطب الشمالي أو الجنوبي ويزرعها في تربة مدارية!
الديمقراطية في حد ذاتها ليست خلاصاً، بل هي تأتي من الخلاص. ولن تكون هي المخلّصة فقط، لأن الديمقراطية تحمل معها مشاكلها، كما يرى المفكر جورج طرابيشي.. ويقول أيضاً إن أكبر مشكلاتها في العالم العربي، أن العرب اختصروا الديمقراطية في أحد مظاهرها فقط، وهو صندوق الاقتراع. فالديمقراطية ليست آلية، إنما هي ثقافة، أو ثقافة الديمقراطية شرط أساسي لقيامها لا يقل عن آليتها..!
الديمقراطية هي خروج العصفور من القفص، فهو مقيد ومحاصر يأكل ويشرب ويقفز من سلك إلى آخر، متنقلاً في فضاء ضيق جداً، كالشعوب المقيدة الألسنة، الخرساء أو (المخرَّسة) التي تساق إلى المقصلة إذا نطقت وطالبت بحرية التعبير والتنظيم والانتقاد أو (تجاوز الخطوط الحمر). وإن صندوق الاقتراع، وإن حقق حرية الاختيار نسبياً، فهو وحده لا يحقق الديمقراطية، وبناء وطن المؤسسات، وقوننة الحياة السياسية والاجتماعية. فالديمقراطية تحتاج إلى ثقافة الحوار لتحقيق ثقافة الديمقراطية، القائمة على أسس وقواعد، من أجل تحقيق العدالة وحق الاختلاف، بعيداً عن التمترس خلف جدران أسمنتية، والوصول عملياً إلى تعددية سياسية واجتماعية حقيقية. ولكي تكون ديمقراطياً عليك أن ترفض الغوغائية، وأن تحترم القاعدة الاجتماعية الواسعة، باعتبارها المكوّن الأساسي للديمقراطية.
إن تاريخ الديمقراطية منذ آلاف السنين، لم تحققها صناديق الانتخاب، بل إن هذه الصناديق (الخشبية والبلاستيكية الشفافة) هي بداية الصراع بين طرفَيْ المعادلة (بين المستغَلين والمستغِلين). وإن ديمقراطية تداول السلطة مثلا في الولايات المتحدة الأمريكية بين حزبين فقط، هي ديمقراطية الرأسماليين.
صندوق الاقتراع كما ذكرت هو بداية الطريق الديمقراطي غير المعبّد. وكي يصبح هذا الطريق صالحاً، وتنمو على جانبيه الأشجار الدائمة الخضرة، لا بدَّ من النضال السلمي، من خلال برنامج ديمقراطي، يحقق المبادئ التالية
فصل السلطات الثلاث (التنفيذية والقضائية والتشريعية).
تداول السلطة.
إصلاح القضاء.
حرية التعبير والتنظيم.
تأمين الحقوق الثقافية للأقليات.
حرية التظاهر السلمي.
رفع حالة الطوارئ.
إلغاء القوانين الاستثنائية