عن ثورية الشعب السوري وأشياء أخرى ليست مهمة...!
الشعب السوري ما بينذل .!!!!
الشعب السوري بدو حرية و عدل و كرامة .!!!!
الشعب السوري واحد ... الدم السوري واحد !!!!
" مو هون المشكلة ... المشكلة ... كيف لهذه الشعارات أن يختلف عليها الشعب الواحد ... مؤيد أو معارض أو حتى محايد ...أكيد في شي مش مو معقول و غير مفهوم.!!! و الأمر لا يخلو من جحشنة و حيونة ... أنا صراحة أعجز عن التفسير .!!!! هل يرضى المؤيد بالذل و يمقت الحرية و العدل و الكرامة.!!!! ؟ و يرى في الدم السوري زمر غير التي نعرف.!!!؟
المهم ما ينطلي شي سعدان ... مغفل جاهل فلتان ... كي يقول: هذه شعارات مستوردة و حرية الناتو و الغرب ... و عدالة أميركا و عزرائيل و قطرائيل و حمد و اردوغان و جحيشان و ما بعرف شو كمان.!!! ( هذه مطالب و شعارات كل سوري أصيل ,يؤمن بسوريته و يعتز بها ) ..!!! "
كانت هذه كلمات للدكتور عدنان عبود أستاذ الفلسفة في دمشق الذي حاول التعبير فيها ببساطة عن حقيقة جلية تماما ، و هي باختصار شديد أن لا أحد من السوريين معارضا كان أو مؤيدا أو حتى محايدا يختلف حول مطالب الشعب السوري . فهي مطالب إنسانية قبل كل شيء ، هي مطالب أي إنسان في المعمورة و ليس فقط السوري . و إن وقع الاختلاف من جهة أحدهم فليس تفسير ذلك بأكثر مما فسره الدكتور عدنان بأنه ( جحشنة و حيونة يسلم تمو على هالحكي ) .
و أود لو أستطرد الحديث ببضع كلمات على نفس الشاكلة ، فأقول :
موطني .. موطني .... الجلال و الجمال و السلام و الأمان في رباك .. في رباك ..
مرورا .. بحماة الديار عليكم سلام .. أبد أن تذل النفوس الكرام .. انتهاءً بالعلم السوري
و أتساءل أليست هذه الأناشيد و الهتافات موازية لتلك الشعارات التي رفعتها الثورة السورية ، أو الانتفاضة ، أو الحراك الشعبي .. أو كيفما يحلو لكم تسميتها ؟ أليس من المفترض ألا يختلف عليها المعارض أو المؤيد أو المحايد ؟ ما الذي يدفع بنا إلى حد الاستهزاء بالنشيد الوطني و تحويره ، كيف لنا أن نشوه تلك الأناشيد التي لطالما دغدغت مشاعرنا الوطنية و القومية .. من منا لم يدمع لمشهد " غوار " في مسرحية كاسك يا وطن و هو يغني (بكتب اسمك يا بلادي عشمس الما بتغيب ، لا مالي ولا ولادي ، على حبك مالي حبيب ... ) فو الله ما كذب " غوار " و ما كذبت دموعنا ...
2...
لا ادري إن كان ما يعتقده الكثيرون صحيحاً ، و بأن الممارسات الصادرة عن " الثورية " في سوريا ، هي ذاتها الممارسات التي يمارسها القائمون على السلطة الرسمية من مثقفين وغيره، أحكي عن المثقف لأنه المعني في إنتاج الفكر و صياغة خطاب ورسائل المعارضة السورية، وأحكي من منطلق قراءة طويلة في حقل المعرفة والذات الإنسانية ومن كوني سورية يصيبها العجز والقتل أيضا ، و أقول ؛ القتل الحاصل الآن ليس على صعيد الدم فقط بل على صعيد قتل أدوات النجاة بمطالب الشعب و توظيف أدوات التخلف والرجوع إلى الوراء عبر شطب وحذف مقومات الشخصية الوطنية السورية و ما أبدعته من تراث فكري ومعرفي ، لاسيما الفكر القومي الذي يقول أن سوريا دولة مركزية من جهة نشوء الفكر النهضوي و الحداثي العربي، ودولة مركزية مرتبطة ارتباطا عضويا بالشخصية العربية الحديثة من جهة أخرى و غيرها و غيرها الكثير ، كل هذا ينتج عنه تشريع العنف كوسيلة لإسقاط النظام، وتشريع العنف كوسيلة و كغاية مؤخرا لا يسهم إلا في تدمير الشخصية السورية التي تبني المجتمع السوري الحديث..
3...
رفعت الثورية السورية في بداياتها شعارات" سوريا بدا حرية " ، " الشعب السوري واحد " الخ من شعارات المساواة والحرية والعدالة التي التف حولها الجميع لكونها تفضح الواقع السوري الذي يرزح تحت القمع السلطوي والطبقية الاجتماعية و الاقتصادية المتصاعدة ، كل هذه الشعارات بطريقة ما كانت تعبر عن الحلم المشروع للسوريين بغد أفضل وشيئا فشيئا غاب هذا الشعار لتحل مكانه مشاريع التقسيم " تقسيم سوريا" ، نحن الآن أمام الحديث عن الأكراد من جهة والحديث عن العلويين من جهة .. تخيل يرعاك الله أن ثمة أحاديث تدور الآن حول الملاك و الفلاحين !!! و كلها في النهاية حديث واحد هو حديث الفتنة و الخوف و الدم ، الم نكن كلنا حتى وقت قريب سوريين لا علويين أو أكراد أو سنة..!
يا لهذا التاريخ ، حتى وقت قريب كنا نتناقل الفكاهات و الطرائف حول أشقائنا اللبنانيين و حول الطائفية التي تعصف ببلادهم ، و ها نحن الآن بتنا " نتفوق " عليهم بها .
4..
السؤال الآن، كيف تصير الثورة إرهابا، كيف يتم تشريع الخوف من المستقبل بالماضي؟.
ما الذي أوصلنا إلى هنا، من الذي ذهب بمطالب الناس بالحرية إلى الفوضى الانفلات الأمني..! من الذي ذهب بالمساواة والعدالة الاجتماعية إلى سطو في وضح النهار على أرزاق الناس وحياتهم ...! من الذي أوصل الحرية والمساواة والعدالة و دعوات التجربة الفرنسية إلى العدمية التي ترى أن البشر يتصارعون، وهم يدركون جيداً أن العدم في انتظارهم وهذا الصراع فوق طاقتهم البشرية، لذلك يتحول صراعهم إلى عبث لا معنى له..
وبربط بسيط للأحداث التي جرت وتجري وقراءة سريعة لها ، نجد و بطريقة ما أن سوريا الثورة و سوريا النظام تتعرضان لمؤامرة تريد الإجهاض بجيل سوريا الجديد ، تريد العودة بنا إلى " مربع" الخوف من جديد، فبعد أن كسر حاجز الخوف و الهيبة و أذكرهما على الترادف رغم إدراكي للاختلاف الشاسع بين المفهومين في المعجم و لكنها يحملان ذات المعنى على أرض الواقع تجدد الخوف هذه المرة من غياب الأمن و الأمان . و بالمحصلة هو أيضا خوفا من السلطة القائمة، السلطة التي تقبض على الأمن ، أمن الناس وأمن النظام ، و هذه السلطة هي ذاتها متهمة الآن بتغييب الأمن والعمل على إشاعة الفوضى للحفاظ على نظامها ووجودها ، وهذا ينطبق على كل الأطراف المتنازعة ، فالمعارضة التي غيبت الحوار عن أجندتها لا يحق لها انتقاد دوغمائية النظام ، فما المانع من الدخول بحوار يكفل السلم الاجتماعي و السياسي في سوريا، ويضمن غدا أفضل...!
5...
لا اعرف ماذا يجري، تلك المشاهدات التي تهين و تدمي الشاشات طوال الوقت ، كتغيير العلم السوري وتغيير النشيد الوطني، هل يعرف السوريون أن حزب البعث رضخ للناس قبل أكثر من خمسين عاما للإقرار بهذا النشيد الذي نحفظه كلنا ليكون نشيد سوريا... فبعد أن نشر في أنحاء البلاد لم تجد الحكومة إلا أن تتبناه برغبة و إلحاح منا نحن السوريين ! وها نحن الآن نربطه بالأسد , و نظام الأسد و نلحق به شتى أنواع التحوير و التنكيل .
يجتاحني الفزع أمام كل تلك المشاهدات التي أرى واسمع، و التي لم تقصر أجهزة الإعلام بصب الزيت على النار لفضحها تارة ،و للتستر على الأفظع منها تارة أخرى ، ينتابني الفزع و الريبة ، بأننا أمام مشهد أكثر خطورة، نشغل عنه بتفاصيل الحدث اليومي والقتل اليومي، ذلك القتل الذي كان طارئا فيما مضى، ليصير اليوم خبرا عاديا نألفه ، فلا نتنبّه إلى ما يحدث هناك في الغرفة المجاورة في البيت الآخر ... كما ألفنا مسلسل الدم الفلسطيني الآن .
6...
لست محللة سياسية، لكني أدرك أن الجميع يريد الآن إسقاط بشار الأسد على طريقة القذافي، حمد و صمد و آخرون من صوب و الجامعة العربية من صوب و مجلس أمن من صوب ولا أعلم و لا تعلمون عن الأيدي الخفية التي تعمل من صوب آخر ، لست بموالية ولا بمعارضة و لكنني أدرك تماما أنه عندما يخرج لنا حمد ليقول بأنه يتحدث باسم الأرامل و الثكالى في سوريا أنه في الكواليس يتحدث باسم المشروع الخارجي للمنطقة و الذي سيقذف به بين ليلة و ضحاها إلى الهاوية حينما يحين موعده حسب الأجندة .
لست بموالية ولا معارضة و لكنني أدرك أيضا أن الثورة لا يصنعها العنف و لا العسكر ، و إن تدخل العسكر على طريقة الجيش السوري الحر و التي هي ذات طريقة التي يتهم بها النظام يعني هذا أن هناك أطرافا عسكرية و ميليشيات تتقاتل فيما بينها مثل " نزاعات افريقيا " و ربما أبشع ... و التي لطالما كانت حاضرة ولكننا لم نلتفت لها يوما لا لأن الأمر لا يعينا فقط بل لأننا لم نتصور يوما أننا سنكون في نفس الخانة - خانة الهمجية و الوحشية - .
7...
ما يجري الآن في جزء كبير منه هو انحراف عن الثورة وعن مطالب الناس السلمية و المشروعة، هذه الانتفاضة الشعبية التي امتطاها الكثيرون مما لا ينتمون لها فاخصوها .. ، حتى الآن هي مخصاة و لم تفعل أكثر من جر البلاد إلى الاقتتال و الاقتسام من حيث لا تعلم مرة و من حيث تعلم مرات ، فشلوا في استمالة الناس المحايدين، فشلوا في استجرار حلب لخطاب الثورة السلمي وهم الآن يحاولون الفتك بالنظام على طريقة صدام و القذافي ، أو على طريقة مبارك و عابدين في أحسن الأحوال ؛ على أمل الإتيان بنظام آخر لن يكون إلا بتخطيط و إعداد و تنصيب من الأجندات الكونية الحاكمة .
الكثير لا يفهم أن قرارات الجامعة و مجلس الأمن و محاولات جلب التدخل الدولي إلى سوريا ستكون انقضاضا على الثورة لا على النظام ، من منا سيغفر لأي متظاهر إنشاء قاعدة أجنبية على أرضنا ؟ أو إقامة سفارة لإسرائيل و استقبالهم في جولات سياحية للبلاد ؟ هو بذاته لن يغفر هذا لنفسه و سينخرط في مظاهرة جديدة .. ضد الانتداب أو التطبيع ..... او أيا كان اسمه .
8...
أخيرا و ليس أخرا لست أرى في العنف الحاصل إلا طريقا للصعود إلى السلطة أكثر من كونه وسيلة دفاع و أن العنف والعنف المتبادل مثلما يجري الآن في وطني، لن يقود سوريا إلى دولة مدنية كما أحلم و يحلم الناس ،، فوحدهم الذين هتفوا بالحرية وماتوا هم من بلغوها .