news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
فشة خلق
حزام التقشّف ... بقلم : باسم عبدو

في تلك الليلة اقتلعت من جانب رأسي الأيمن، رزمة من البيانان والمقالات والتعليقات، والأخبار المحقونة بالسمّ القطَري والسعودي والتركي، ومتابعة المؤتمرات والقمم الجماعية والزوجية، في إسطنبول و بغداد وموسكو وبكين.. وغيرها، بينما كان الجانب الأيسر يرعد ويبرق فرحاً، حين قرأت على مواقع عدة(تحديد أسعار سبع عشرة مادة).

 


 وقررت في لحظات التفاؤل والغبطة، أن أجمع أحزمة التقشّف من الحي الذي أقطن فيه، ويقدر عددها بالآلاف، وأستأذن من العاشقة الأمريكية عشيقها (الحمار) ليوم واحد فقط ليحمل هذه الأحزمة إلى سوق الجمعة وأبسّط فيها هناك، ربما أنني- كما كنت أتصور- سأجمع عشرات ألوف الليرات، وبالتالي لم أعد أهتمّ كثيراً وأشغل أفكاري، بانخفاض الدولار وارتفاعه في الصباح والمساء، ونسبة انخفاض الليرة السورية وتأثيرها على مستوى معيشة المواطن الغلبان. 

 

وكان الناس يتدافعون وينزعون أحزمتهم ويلقونها أمامي، حتى إنني لم أعد أرى إلاَّ رؤوسهم! ورفعوا شعار( لا نهاب الحصار بعد اليوم)، باعتبار أن اهتمام المسؤولين بحياتهم لم يعد أسود على أبيض، بل أصبح واقعاً، خاصة أن ارتفاع الحرارة أصبح بديلاً عن المازوت، وانقطاع التيار الكهربائي يقلل بنسبة 50 في المئة من قيمة الفاتورة.


وكان الفرح يتطاير من وجوههم، والابتسامات المشرقة ترسم المستقبل الوضاء. وكثيرون ركعوا خاشعين على التراب، تقديراً واحتراما لتحديد أسعار المواد التموينية الضرورية، من البرغل(مسامير الركب) والرز والبقوليات والزيوت والسكر والشاي.. و.. و.. وبدأت الهتافات تعلو وتعلو. ورُفعت الشعارات تحيي السيد الوزير ولجنة التسعير وأعلن المواطنون النفير، واختفت أصوات الطلقات والقذائف، ودوَّى التصفيق في سماء المنطقة.


واشتغلت الهواتف الأرضية والمحمولة، بعد عودتهم إلى بيوتهم. عندئذ وظفتُ أولادي الخمسة وزوجتي وجاري المقعد، الذي حينما سمع الخبر لم يصدق، ولم يتنازل عن حزامه. ورفض أن يرد على أي متصل. وظهرت على محيَّاه بوادر الشماتة. وفقس زر التلفزيون وقال، انظر يا بائع أحزمة التقشّف، ماذا يقول مذيع(العربية) وهو يغطي الأحداث اليومية:(مظاهرات صاخبة في سوق الجمعة تهتف بإسقاط النظام).


في صباح اليوم التالي، تجمهر الناس أمام منزلي، يحملون قوائم بأسماء مئتي مادة استهلاكية، ارتفع سعرها مئة بالمئة، لذلك رضختُ مرغماً لإعادة الأحزمة إليهم، وحزنت كثيراً  لفشلي في إقناعهم بأن زمن التقشّف قد زال من حياتهم إلى الأبد، فاعتذرتُ على ما اقترفتُ من ذنب لن يغفروه لي، ولحقتُ بهم إلى سوق الخضار والفواكه. وقرأت مذهولاً الأسعار الخيالية.. ولم أتجرَّأ أن أبتاع إلاَّ(حبَّة فليفلة واحدة).. ووضعتُ حزامي على خصري وشددته جيداً حتى ضمر، لأن سعر كيلو الفليفلة 150 ليرة سورية فقط لا غير..!


 

 

 

2012-04-07
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد