إن أي عملية إصلاح الاقتصادي تبدأ خطواتها بتحرير الاستثمار و توفير الإطار القانوني الموائم للاستثمار والتجارة، وذلك عبر إصلاح القوانين القائمة أو إصدار قوانين جديدة وإيجاد المؤسسات اللازمة لتطوير التشريع والتدابير التنظيمية، وقد شهدت سورية في العقد الأخير سلسلة من تلك الإجراءات وفيما يلي أهم تلك الإجراءات:
1. إلغاء القانونان المقيّدان للتعامل بالعملات
الأجنبية والمعتبران من العقبات التي كانت تواجه الاستثمار الأجنبي في البلاد
(المرسوم رقم 33 لعام 2003).
2. إحداث هيئة مكافحة غسيل الأموال (ACML) (القانون رقم 59 لعام 2003).
3. إحداث سوق دمشق للأوراق المالية (المرسوم رقم 55 لعام 2006).
4. إقامة المصارف الإسلامية في سورية (المرسوم التشريعي رقم 35 لعام 2005).
ولا تعد العقبات المتعلقة بالإطار القانوني والتنظيمي السائدة عقبات حقيقية إذ يمكن
التخلص منها بمجرد إدراكها وذلك بإصدار أو إلغاء القوانين المناسبة على أن تتصاحب
مع تطبيق حازم ونزيه لهذه القوانين من قبل المؤسسات المعنية، ولكن هنالك العديد من
العقبات التي تواجه عملية الإصلاح الاقتصادي ولا يمكن حلها بمجرد إصدار أو إلغاء
قانون معين ومن أهم هذه العقبات:
بيئة العمل الداخلية في الشركات الخاصة السورية: سأركز في هذه النقطة على الشركات
العائلية وذلك لسببين رئيسيين:
1. إن الشركات العائلية هي النواة الأساسية التي بدأت منها أغلب الشركات العالمية
ومنها شركة BMW ، جولدمان ساكتش، وشركة جي بي مورجن.
2. أنها تمثل نسبة كبيرة من شركات العالم إذ يصل عدد الشركات العائلية إلى نحو 20
مليون شركة في الولايات المتحدة و تمثل نحو49% من الناتج القومي،كما تتشكل في دول
الاتحاد الأوروبي مابين 70-95% من إجمالي الشركات وتصل نسبة مساهمتها إلى نحو 70%
من الناتج القومي لدول الاتحاد، وتشكل الشركات العائلية في سوريا نسبة 80% من مجموع
الشركات الحالية.
إن الروابط العائلية والعاطفية بين الشركاء تعتبر من نقاط القوة الهامة التي تدعم
مسيرة هذه الشركات وتجعلها تنمو وتزدهر في بدايتها وتحديدا في الجيل الأول، ولكن
سرعان ما تتحول هذه الروابط لنقاط ضعف في الشركة عند الدخول في الجيل الثاني، وذلك
لزيادة عدد المالكين نتيجة الوراثة واختلاف وجهات النظر والآراء والطموحات للملاك
الجدد، وظهور الخلافات على قيادة الشركة بين الورثة، فقد بينت الكثير من الدراسات
العالمية أن 70% من الشركات العائلية تتفكك وتنتهي في الجيل الثاني ما لم تغير
شكلها القانوني وتتحول لشركات مساهمة، ويبرز هنا سؤال هام لماذا تستطيع الـ 30%
الباقية الاستمرار ولماذا لا تنجح الشركات العائلية في سوريا بذلك؟ والجواب على هذا
السؤال يتلخص بعدد من النقاط:
* الهيكل التنظيمي للشركة فنمط الإدارة لديها لا يعتمد ويستند لقواعد الإدارة
الحديثة وبالتالي فإن المواضيع المتعلقة بالتخطيط والتنظيم وكذلك إدارة الموارد
البشرية كثيراً ما ترتكز على عوامل شخصية تعتمد على المعرفة والخبرة الشخصية لمالك
الشركة أو الحجي إذ أن هذا اللفظ يستخدم في الشركات أكثر من استخدام لفظ المدير
ويلاحظ في هذه الشركات غياب الهيكل التنظيمي للشركة، وغياب المفهوم المؤسساتي في
العمل، إذ تتركز جميع الصلاحيات الحقيقية بيد الحجي فهو مالك الشركة وهو الشريك
الوحيد فيها غالبا وهو رئيس مجلس الإدارة إن وجد، وهو الآمر الناهي
ولا يمكن لموظفي الشركة اتخاذ أي قرار بدون الرجوع إليه وتنحصر صلاحيات مدراء الأقسام والإدارات الأخرى – إن وجدت – بتنفيذ أوامر الحجي، أو تقديم الاقتراحات له، وقد تصل درجة مركزية القرار في بعض الشركات المتوسطة الحجم أن الحجي يتدخل بالموافقة على طلب إجازة ساعية لعامل..وغيرها من القرارات الصغيرة التي هي من صلاحيات المشرفين على العمال ومدراء الأقسام، فالحجة لا يفصل بين الإدارة و الملكية، وهذا سبب رئيسي يؤدي لنشوب خلافات عند انتقال الملكية للورثة فلا يوجد مجلس إدارة يتولى القيام بإدارة الشركة وليس بالضرورة أن يكون المالك الجديد من ذوي الخبرة في الإدارة مما سيؤدي لضياع الشركة.
* طبيعة العلاقة بين الإدارة والكوادر البشرية وأسلوب التعامل، من حيث شروط العمل
القاسية والتي تعمل على الاستفادة القصوى من الموظف بأقل التكاليف ومنحه أقل من حقه
بكثير، وكذلك عدم وجود الضمانات الكافية للموظفين كتعويض نهاية الخدمة، والتأمين
على إصابات العمل، وتسريح العمال في حالات الركود الاقتصادي بشكل مفاجئ ودون تعويض
، والقيام بتخفيض الأجور أو زيادة ساعات العمل دون مقابل، انعدام الشفافية وتقديم
وعود كاذبة فيما يخص رفع الأجور المستقبلية عند بداية التحاق الموظف في العمل، مما
يزيد الضغوط على الموظفين فينعدم الإحساس بالانتماء للشركة ويغيب الشعور بالثقة
والأمان، وينتهي بهم الأمر لترك العمل، فكثير من الموظفين لا يستمرون لأكثر من سنة
في نفس الشركة، وتراهم يتنقلون من شركة لأخرى، وبذلك تفقد الشركة الكوادر البشرية
التي باتت مؤهلة حقا للعمل في الشركة وتطّر للعمل على تأهيل الموظفين الجدد وتراجع
مستوى الإنتاج بدلاً من تقدمه، فإذا عملت في شركة ما وعدت بعد 5 سنوات إليها فلن
تجد فيها احد من الموظفين والمدراء السابقين... سوى الحجي...!
كما أن اختيار الموظفين الجدد غالبا لا يخضع لمهارات وخبرات المتقدمين فقط، إذ تلعب العلاقات الشخصية دورا هاماً في الحصول على فرصة العمل، إضافة لذلك باتت مقابلة التقدم للعمل مجرد امتحان من قبل الشركة للمتقدمين للعمل فالشركة تفترض وجوب قبول المتقدم للعمل مباشرة ووفق شروطها في حال اختياره، في حين أن مقابلة العمل في الأصل لا تقتصر على امتحان المتقدمين وإنما أيضاً لإعطاء فكرة عن الشركة وبيئة العمل وعن متطلبات الوظيفة الحقيقية وكافة الأمور المتعلقة بشروط العمل من حيث عدد ساعات العمل ومتوسط الأجر...للمتقدمين للعمل.
* طبيعة علاقة الكوادر البشرية فيما بينهم: غالبا ما تغيب روح التعاون الخلاقة بين
الموظفين، وذلك لعدم استخدام الشركة أسلوب فرق العمل، وعدم وجود نظام حقيقي لتقيم
الأداء ومنح المكافآت، وعدم وجود نظام واضح يحدد مهام وصلاحيات كل موظف من
الموظفين، فتنتشر الفوضى وتنشأ النزاعات، وبالتالي تنعدم روح الفريق الواحد ويبرز
مكانها المنافسة الغير خلاقة والنابعة عن الغيرة والحسد، فيجتمع الموظفين بتكتلات
وتحالفات هدفها الأساسي العمل على إيقاع التكتلات الأخرى في مآزق أمام الإدارة أي
(انتشار سياسة طق البراغي) مما يؤدي لانخفاض إنتاجية العامل، وزيادة الوقت المهدور،
وارتفاع تكاليف إعادة العمل، مما ينعكس سلباً على أداء الشركة ككل.
ما هي الحلول الواجب إتباعها لضمان استمرار الشركة؟
* من ناحية الشكل القانونيإن أبرز العبارات التقليدية التي نسمعها من ملاك الشركات
الحاليين عند طرح فكرة تغير الشكل القانوني لشركاتهم والتحول إلى شركات مساهمة هي
"الأمور سارت على ما يرام مع آبائهم وأجدادهم فلماذا التغيير الآن" لعل هذه
العبارة صحيحة اليوم ولكن ماذا عن المستقبل؟ فقريبا سيزداد عدد الملاك عدة أضعاف
عند وفاة الشركاء الحاليين وانتقال الملكية للورثة، وستنشب الخلافات على الإدارة
واختلاف وجهات النظر وبالتالي انهيار الشركة، لذلك على هذه الشركات السعي للتحول
لشركات مساهمة لما في ذلك من ميزات أهمها:
1. زيادة فعالية الهيئات العامة للمساهمين في تقييم أداء إدارة الشركة ومحاسبتها
وسهولة إدخال مبادئ الحوكمة والارتقاء بمستوى الإفصاح والشفافية.
2. إنشاء كيان أكبر قادر على المنافسة وتنويع القاعدة الإنتاجية.
3. تعزيز البناء المؤسسي ومفهوم العمل الجماعي في الشركات.
4. الحصول على التمويل بشروط ميسرة (قروض مصرفية- إصدار قروض سندات).
5. الاستفادة من مزايا الشركات المساهمة (زيادة رأس المال- اختيار الهيكل التمويلي
المناسب والاستفادة من الرفع المالي).
* من ناحية بيئة العمل الداخلية
آن الأوان لتدرك هذه الشركات أهمية فصل الملكية عن الإدارة، وضرورة تعزيز مفهوم
اللامركزية في اتخاذ القرار، والعمل على تعزيز المفهوم المؤسساتي في العمل، وأن
تدرك أهمية العنصر البشري ونوعية هذا العنصر في زيادة القدرة التنافسية على المدى
الطويل، وبالتالي عليها الاهتمام أكثر بإدارة الموارد البشرية، و العمل على تقديم
كل ما يخلق لدى الموظف الشعور بالثقة والأمان والانتماء للشركة، وتعزيز روح الأسرة
الواحدة، واغتنام الفرص ومحاولة استغلال العلاقات الغير رسمية داخل المنظمة لصالح
العمل ورفع سويته.