يعد استقرار سعر الصرف من أهم الأهداف التي تسعى إليها السلطات النقدية في أي دولة ، ويوماً بعد يوم نلاحظ انخفاضاً مستمراً في قيمة الليرة السورية (انخفاض سعر الصرف)، وقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن قيام المصرف المركزي السوري باتخاذ قرار تعويم الليرة السورية، فما هو تعويم العملة؟ وما هي أنوع التعويم؟ وما هي ايجابيات وسلبيات هذه السياسة النقدية؟ وما هي الشروط الواجب توافرها في اقتصاد ما ليتحقق الهدف من تعويم العملة؟ وماذا ستكون نتائج تعويم الليرة السورية في ظل هذه الظروف الاقتصادية الحالية؟
التعويم: يعرف تعويم عملة ما بأنه ترك سعر صرف (سعر تبادل) العملة المحلية (الليرة) أمام العملات الأجنبية (الدولار، اليورو..) حراً بلا قيود من قبل السلطات النقدية، أي يتحدد وفق لقوى العرض والطلب على العملة في السوق، أي أن سعرها في السوق سوف يميل للارتفاع مع ارتفاع مستوى الطلب عليها، وسوف يميل للانخفاض بانخفاض مستوى الطلب.
أنواع التعويم:
التعويم الحر: يعني ترك سعر صرف العملة يتغير ويتحدد بحرية مع الزمن وفق لقوى العرض والطلب ويقتصر تدخل السلطات النقدية للتأثير على سرعة تغير سعر الصرف، وليس للحد من ذلك التغير، ويُتَّبع هذا الشكل من تعويم العملات بعض البلدان الرأسمالية المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية ، والمملكة البريطانية (الدولار ، الجنيه الإسترليني).
التعويم المدار: وفي هذا النوع من التعويم تقوم السلطات النقدية بالتدخل للتأثير على سعر الصرف فقط إذا دعت الحاجة لذلك، فتضع حداً أعلى وحداً أدنى لسعر الصرف وتتدخل عند بلوغ سعر الصرف أحد هذين الحدين، ويكون التدخل بعدة طرق، (بيع أو شراء العملة الأجنبية، تغير معدلات الفائدة..)
إيجابيات وسلبيات التعويم:
الإيجابيات: التصحيح التلقائي في سعر الصرف إذ يتيح التحرك بحرية لتوازن العرض والطلب، وحرية حركة العرض والطلب تساعد في عزل الاقتصاد المحلي عن التقلبات الاقتصادية العالمية، يسمح بالتصحيح التلقائي لاختلال ميزان المدفوعات الذي قد ينشأ عن تنفيذ السياسة الاقتصادية الداخلية.
السلبيات: عدم اليقين والدقة في التجارة الخارجية أي (لا تعرف كم ستكون تكلفة استيراد سلعة معينة بشكل دقيق)، نظراً لتقلبات السعر، والمضاربة تميل إلى أن تكون أعلى في نظام سعر الصرف العائم مما سيؤدي لمزيد من الشك بالنسبة للتجار والمستثمرين.
شروط نجاح التعويم:
لعل أبرز الصفات الواجب توافرها في أي اقتصاد يرغب بتعويم سعر الصرف هي: أن يكون الاقتصاد الداخلي متين ومتقدم إنتاجياً، إضافة لوجوب تحقق صفة المرونة في الطلب على السلع والخدمات المستوردة، لأنها تعد حجر الزاوية في عملية الحفاظ على سعر الصرف بشكل مستقر، وكذلك يجب توفر احتياطي جيد من القطع الأجنبي لدى السلطات النقدية، لتتمكن من التدخل في سوق النقد الأجنبي، في حال انخفض سعر الصرف بشكل كبير وغير متوقع.
الاقتصاد السوري وتعويم الليرة
عند البحث في الوضع الحالي للاقتصاد السوري ومقارنته مع شروط نجاح سياسة التعويم سنجد مايلي:
_ 1 إنه اقتصاد متخلف إنتاجياً حيث يحتل قطاع الخدمات المرتبة الأولى في الناتج المحلي ويشكل نسبة 42% ، وفيما يتعلق بطبيعة الصادرات نلاحظ انخفاض مساهمة الصناعة التحويلية في إجمالي الصادرات السورية ، أما الواردات فهي مصنعة وليست خاماً حيث لا تتجاوز نسبة الواردات الخام 10 % فيما تصل الواردات النصف مصنعة إلى ما يقارب 40 % والواردات المصنعة إلى ما يقارب 43 % من أجمالي الواردات.
_ 2 نظراً لطبيعة السلع المستوردة فإن الطلب عليها ليس مرناً ولا يمكن الاستغناء عنها بالتحول لاستهلاك سلع بديلة من الإنتاج المحلي وبالتالي فالطلب على العملة الأجنبية لن ينخفض بارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية (العرض من العملة المحلية لن ينخفض بانخفاض سعرها في سوق النقد)، وهذا سيؤدي لانخفاض سعر العملة المحلية في سوق النقد الأجنبي، ومن ناحية الصادرات التي تزداد عادة عند انخفاض سعر صرف العملة المحلية في سوق النقد الأجنبي، فإن الإنتاج المحلي من السلع القابلة للتصدير لن يكون مرنا بما يكفي لإشباع الطلب عليها.
_ 3 من ناحية احتياطي القطع الأجنبي، فلقد كان لدى المصرف المركزي احتياطي جيد منها، وقد تدخل عدة مرة في سوق النقد للمحافظة على سعر الصرف من الانهيار، فقام ببيع 13.5 مليون دولار، و ما يهم حقا هو الطريقة التي سيستخدم فيها هذا الاحتياطي، وليس حجم الاحتياطي، فهل سيستخدم هذا الاحتياطي لتغطية الواردات من السلع الأساسية أو الكمالية، أم انه لن يستخدم مطلقاً لتغطية الواردات وسيذهب بطرق غير شرعية لتهريب رؤوس الأموال للخارج.
وبناء على ما سبق ذكره فإن وضعنا الاقتصادي لا يسمح بإتباع مثل هذه السياسة، لأنها لن تؤدي إلا لمزيد من التدهور في قيمة الليرة السورية ولارتفاع مستوى التضخم، ومن ناحية أخرى ففي جميع الدول التي تتبع نظام التعويم، تبتعد السلطات النقدية عن التدخل في السوق إلا إذا استدعت الحاجة لذلك نتيجة أزمة اقتصادية كبيرة، أو نتيجة ظروف طارئة عادة ما تكون ظروف سياسية، أو كوارث طبيعية، أو حروب، ونحن اليوم نعاني من وضع سياسي يثير الخوف ويخلق حالة هستيرية من الطلب على القطع الأجنبي، إذن فنحن في ظل ظروف تستدعي تدخل السلطات النقدية في السوق بغض النظر عن السياسة النقدية المتبعة، ولكن ما يفعله المصرف المركزي باتخاذ مثل هذا القرار هو ببساطة تخلي واضح عن دوره و وظيفته الأساسية تجاه الاقتصاد الوطني والمجتمع، هي عملية إغراق المواطن بالفقر لا عملية تعويم.
وخلاصة القول:
إن على السلطات النقدية التدخل السريع في السوق لا الابتعاد والتخلي عن مسئولياتها، وذلك بالعمل على الاستثمار الأمثل لما تبقى لديها من احتياطيات، والعمل على توجيهها لتمويل السلع الضرورية والأساسية، وفرض قيود حقيقية على السلع الكمالية، والعمل على الحد من عملية هروب رؤوس الأموال للخارج، و إيجاد البديل لكثير من السلع المستوردة التي يمكن إنتاجها محلياً وإن كان بكلفة أعلى، فهي تحقق هدفين معاً، فهي تخفض الطلب على العملات الأجنبية من جهة، وترفع من مستوى التشغيل من جهة أخرى.
12 22012