هذه القصيدةُ ما هي إلا تعبيرٌ جرى على لسان أي إنسان يائس من الحياة , يتجرّع البؤسَ , ويرتشفُ المرارة , ويغشاه التشاؤم , ضاقت به الأيام والسنون , ففضّل باطنَ الأرض على ظاهرها , واشتاقَ للموت بعد أن أتعبتْه الحياةُ ....
...فأتت القصيدةُ سلواناً لليائسين , وتصويراً لحالتهم , تنسابُ عفوَ الخاطر , وزُيّنت أحياناً بأبياتٍ جرت مجرى الحكمة والتأمل ....
تضيقُ بـي الـحياةُ ولست أدري أأُمضي في الشـقا أيامَ عمـري ؟؟
فأيامي تـنـوحُ بـها الثّوانـي لـذاك أحُسُّها تـمضـي كـشهرِ
وأشعاري تَـئِـنُّ مـن الـرزايا فسالت للأسـى عَبَـرَاتُ شِـعري
تألـم خافقـي , وبكى حـنيناً وأدمُـعُ مقلتـي كالسيل تـجري
تعبتُ من الـحـياة لمـا أعانـي أأخبـرُكم بما يـجري بفـكري ؟
إذا جنَّ الظـلامُ أهيـمُ وجـداً ودمعي فـي دجى الأسحار أذري
عليلُ الـروح , يرحمنـي عذولي ويرثي حالتـي فـي اليل بدري
فكم مـن لـيـلةٍ هـزَّت كِياني وأضتنتني ...ومـا أرنو لفــجرِ !
تشبّث نـجمُ أحـزانـي بليلي وشـدّ حبـاله , فمتى سيسـري ؟
وعند اليـأس كم قبّلتُ أرضـاً وقلتُ لها : فداكِ , أأنتِ قبـري ؟!
فَضُمِّي بائساً فـي العـيش رفقاً فَضَمُّكِ جـابرٌ صـدْعي وكسري
سئمتُ العيشَ , والأوصابُ تتْرى وأحـبابـي لقـد ثكـلوا لأمري
تهدهدنـي الحـياةُ, وصار عيدي هـمـوماً , إنْ بـنحْـرٍ أو بفطرِ
وما نفـعُ الـحـياة إذا تـوالت بـهـا الآهـاتُ , واختُتِمتْ بِوِزْر
عجبتُ من الذي فـي المال بحرٌ ولا يُـروى بـغـيـثٍ أو ببحرِ !
وبعضُ الناس يقنعُ فـي قـليلٍ ويعلـم أنـه للمـوت يـجْـري
وأن الله قـد قسـم الـعـطايا ويَـمـضـي العمرُ في عُسر ويُسرِ
...سحابُ العمر أمـطَرَني سهاماً من الآلام قـد غُـرزتْ بصـدري
فلا خِـلٌّ يُشاركنـي هُـمومـي سـوى بُـومٍ عـلـى جبلٍ ونَسرِ
وما طـيـفٌ لأحبابـي تـراءى فسـال الدمعُ فـضّـاحاً لِسـرِّي
وما حـيٌّ لهم خـلَّفْـتُ فـيـه فؤاداً مُـدْنَـفـاً يُـكـوى بجمرِ
وما حـمّـلـت أطياراً سلامـاً وقلتُ : أيا صَبَـا فـي الحي مُرّي
إذا ما لم يكن فـي العـيش وجْدٌ وإخــلاصٌ بـإحـسان وبِــرِّ
وخِلٌّ صــادقٌ , وأخـو وفـاءٍ وقـلـبٌ نابـضٌ بالحب يجـري
فإن الـمـوت أرحـمُ مـن حياةٍ بـها بَشَرٌ , ولكـنْ دون بِـشْـرِ
وبعضُ الناس قـد خُـلقـوا لخيرٍ وبعـض النـاس قد خُلقوا لشَـرِّ
وجدتُ من الأنام أخـاً شـفوقاً وآخـرَ قــلـبُهُ صـلدٌ كصخرِ
وإن ألفـيتُ مؤتـمَـنـاً وفـيّاً أرى ألفـاً لـقـد جُـبلوا بغـدر
فيا دنيا : سـرابُك ليـس يَروي ولكنْ وجهُـك الفتـانُ يُغْــري
أقول ـ كما رَوْينا عن عليٍّ ـ بأنْ غيري مـن الأشخـاص غُرِّي
