news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
حكاية لم يكتبها ابن المقفع... بقلم : م عمر بو نصر الدين

 يحكى أنه جاءت إلى الغابة أنثى ذئب جريحة ومعها جراءها.. كانت قد فقدت دما كثيرا .. وفور وصولها ارتمت أرضا بألم .. كان الصغار يحومون حولها ويلعقون جراحها إلا أن هذا لم يسعفها في البقاء على قيد الحياة .. عوت الجراء حزنا ولوعة .. وبكت بكاء مريرا على فقدان غالبيتهم.


 وبعد لحظات اجتمعت الحيوانات في الغابة بعد أن شاهدت الموقف من بعيد .. من المعروف أن الذئبة عدوتهم الطبيعية ولذا كان خوفهم مبررا فلم يقتربوا إلا لدى تأكدهم من موتها.

اجتمعت بهائم الغابة وقوارضها والتفوا حول الجراء الحزينة وبدؤوا مناقشة أمر الجراء وضعف حالهم .. من يطعمهم؟.. من يسقيهم؟.. من يدافع عنهم؟.. من يؤازرهم ويحميهم؟.. كان لدى الغابة ميثاق شرف في حماية الدخيل وإغاثة الملهوف.. وهكذا تبرعت الأبقار والأغنام بحليبها لتطعم الجراء اليتيمة وتبرعت النموس والثعالب من أجل علمهم وثقافتهم وجلست معهم الحمير من أجل مؤانستهم ..

 

 وطبعا كان هناك من عارض ذلك كالبومة حكيمة الغابة والصقور التي رأت الحادثة مصادفة خلال تحليقها في الأعالي.. وهكذا وعلى هذه الأخلاق الغاباوية الحديثة نشأ الذئاب وكبروا وأخذوا من صفات معلميهم ومربيهم ومؤانسيهم فكانوا بأربعة معدات كالأبقار وتعلموا فن الاجترار جيدا وكانوا أشد دهاء من الثعالب والنموس .. وأكثر تناحة وتصلبا وتشددا في المواقف من الحمير..

وما أن اشتد عودهم حتى اجتمعوا ذات يوم وتذكروا فقدهم لأمهم فحمّلوا سكان الغابة مسؤولية موتها وقرروا تقسيم الغابة بينهم لكل واحد منهم جزء وأن يتعاونوا مع بعضهم إذا هاجمهم أحد ..

وفي اليوم التالي جمع الذئاب سكان الغابة وسألوهم عن أمهم الذئبة وسبب موتها فأنكر الجميع معرفتهم بالسبب ورووا القصة بتفاصيلها ثم ذكروا فضلهم وفضل غابتهم بهوائها العليل ووفرة خيراتها ومائها وفيئها وغيره على الذئاب .. ثم إن الذئاب كشرت عن أنيابها واتهمتهم بالتقصير في معالجة والدتهم وأنهم لم يفعلوا شيئا من أجلها فماتت من الوحدة والألم .. وبعدها أعلنت الذئاب ملكيتها للغابة ..

في اليوم التالي مُنِعَت الحيوانات من مغادرة الغابة لأي سبب كان وحُدّدت ساعات رعيها صباحا ومساء ومنعت حتى من إصدار صوت الاجترار .. جُرّدت الحيوانات من كافة حقوقها فلا تشرب إلا بإذن ولا تنطق إلا بإذن ومنعت من التجمّع كما خلقها الله في قطعانها.. وهاجرت الطيور والبلابل فامتلأت الغابات المجاورة بالزقزقة وغلب على غابتهم نعيق الغربان..

حاولت الثعالب تقريب وجهات النظر ولكن عبثا..أما الذين حاولوا الفرار فقد كانوا أولى الضحايا .. كانت الذئاب تسرح وتمرح في الغابة، تقتل من تشاء وتهين من تشاء وتكافئ من تشاء فكثرت الدسائس وفـُقـِدت الألفة وقلـّت البركة.. أما البومة التي كانت تحذر الحيوانات دوما دون أن تلقى أذنا صاغية، فقد صُفـّيت بمساعدة النموس قبل انقلاب الذئاب بفترة وجيزة..

ولذلك انبرى الحمار باحثا مفكرا ، فخرج بنظرية التعايش .. وبعد أن وافق عليها سكان الغابة رفضتها الذئاب . أنهك الجوع والتعب الحيوانات فصار تمني الموت عادة .. وصار الحديث الوحيد في الغابة عن لقمة العيش وكيف السبيل لكي يشبع أولئك الذئاب..

انبرى الحمار ثانية وخرج بنظرية القطارة ــ فبعد أن حاز على الأوسمة و شهادات التقدير وأصبح حكيم الغابة كان لابد له من طرح حل ما ــ طلب فيها من الذئاب الكريمة قطرة تغيث الحيوانات قبل موتها أي أن يسمح للحيوانات أن ترعى فقط ما يسد رمقها وتصوم بعدها معللا فوائد التقليل من الاستهلاك في المحافظة على ثروة الغابة ..

وقبلت الحيوانات ولم تقبل الذئاب.. اشتد الأمر على الغابة وقاطنيها فصاحت الديدان ورددت الحشائش متى ستشبعون؟! وردت الوديان والجبال متى ستشبعون ؟! وحملت الرياح الصدى: متى ااا ستاااااش بعـوووووووون؟! عوت الكلاب وهرّت القطط وماءت متى ستشبعون؟!

 نهقت الحمير أخيرا متى ستشبعون؟! وذهبت الأغنام وارتمت أمام الذئاب وثغـّت متى ستشبعون .. كلونا هذه الساعة كلنا أو تقاسموا خيرات غابتنا معنا أو ارحلوا عنا أو إنا راحلون..

 

2010-11-25
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد