هي تشكيلة الحكومة السورية الجديدة إذاً ، وماذا بعد طول انتظار ، بغض النظر عن الأشخاص ، والسير الذاتية لكل منهم ، إنها فرصتهم : لإثبات مصداقيتهم جميعاً ، لا يوجد أمامهم وقت طويل للتفكير ، أو التأمل ، أو تغيير فرش المكتب ، كلهم يعرف ( البير وغطاه ) كما يقول المثل الشعبي
ولن يكون لصمتهم معنىً في هذه الظروف ، وسيكون عملهم - وعملهم فقط - مقياس وطنيتهم ، هي حكومة أزمة بكل حقائبها ، كلنا كان ينتظر تغيير الوزارة بكثير من التفاؤل ، لأن مثل هذا التغيير وبشكل عام يفيد في اتجاهين ، أولهما أنه يفسح المجال أمام الفاسدين - من العاملين في الوزارات زمن الحكومات السابقة - بفتح صفحة جديدة بيضاء ، ليغيروا ما بأنفسهم فيتغيروا بعد ذلك نحو الأفضل ، لأن بقاءهم في المنطقة السوداء ، وحتى الرمادية : لن يفيدهم بعد اليوم ، خاصة وأنهم باتوا مكشوفين لنا جميعاً ، فقد فاحت روائح فسادهم ، فليُحَاسِبوا أنفسهم قبل أن يُحاسَبوا ويُنتظر من وسائل الإعلام أن تعمل دورها في هذا المجال
أما الاتجاه الثاني فهو للمصلحين ، أو من يعنيهم الإصلاح ، لأنه – أي التغيير - فرصتهم لإثبات حسن نواياهم ، وإمكاناتهم بنفَس جديد أمام إدارة جديدة ، وفي الاتجاهين هاتين : يكون التغيير نحو التطوير هو الهدف الرئيسي أمام الحكومة الجديدة ، أما عن العمل المنتظر للوزارة المشكلة ، ودون الولوج بالتخصصات ، كونها حكومة تكنوقراط بأغلب أعضائها ، فمن المفيد تشكيل فرق عمل داعمة للقرار في كل وزارة من الاستشاريين والإداريين التخصصيين ، تكلف بمهمتي المتابعة والرقابة على الأداء ، وتعمل بشكل ميداني إلى جانب الوزير من أعلى السلم الإداري إلى أدناه ، وتركز في عملها على الأولويات ، آخذة الوضع الراهن – أي الأزمة - بالاعتبار
كما أننا لا ننتظر تبريراً ، أو تسويفاً ، أو تأجيلاً ، أو تهرباً من أحد منهم ، لأننا مللنا من اتباع مثل هذه الأساليب في الحكومات السابقة ، حيث كنا نسمع بعضاً من المسؤولين يردد عبارة : (يجب فعل كذا) ، ولا نعرف لمن توجه هذه العبارة ، حيث لا نراه يفعل شيئاً ، كان يقولها ، وهو في أعلى السلم الرتبوي الآمر الناهي بموضوع الفعل أو عدمه ، إذاً ليفعلوا ما يجب فعله ، قرارات موضوعية ، وحاسمة ، وقابلة للتنفيذ ضمن زمان ومكان محددين مسبقاً ، واختيار وسائل مفيدة لحل المشكلات ،وتجاوز الصعوبات ، واتباع أساليب ناجعة لتحقيق الأهداف ، والتنافس في خدمة الوطن والمواطن ، فذلك كله يكون مقياس العمل الجاد والنجاح الباهر
نريد المصارحة والشفافية في القول والعمل ،
وقبل كل ذلك نريد حسن التدبير ، وهذه مهمتهم التي يعرفونها جيداً ، والتي جاؤوا
لأجل تنفيذها ، وقد وضعت القيادة ثقتها بهم بناء على ذلك ، أما عن الظهور في وسائل
الإعلام بابتسامات مجاملة ، وبياقات جميلة ، فلا يريده أحد إذا كان بدون جدوى ، فكم
سمعنا من بعض المسؤولين حديثاً مشوقاً عن العمل الجماعي ، وعن التشاركية ، وعن
برامج تنفيذية هامة ، لم نر منها شيئاً على أرض الواقع ، ومكاتبهم الإعلامية
بأغلبها : هي الأخرى كانت بلا جدوى ، وفق ما تسير عليه من آليات ، ومعظم نوافذهم
الواحدة : بلا فائدة ، وأشياء كثيرة أخرى يمكن تجاوزها في الحكومة الجديدة ،
لانطلاقة عمل جديدة ، أوسع أفقاً ، وأغنى مضموناً ، واثقة ، ومتفائلة ، بعيداً عن
التيئيس ،أو الارتجال ، أو سوء الإدارة .
وبعد : فقد كنت قد وضعت يدي على قلبي إلى أن استمعت إلى التشكيلة الحكومية الجديدة
، المباركة بأعضائها ، وبتوزيع حقائبها ، وبتوقيتها ، كوننا نعيش ظروفاً استثنائية
، تحتاج إلى أناس استثنائيين ، وإلى أشخاص خواص ، أتمنى أن يكونوا كذلك كما أتمنى
لهم - ومثلي كثيرون - النجاح والتوفيق ، مع مزيد من الأمل بمزيد من العمل نتمناه
وننتظره .