يقول الكاتب أن هناك ثلاثة تطورات داخلية وخارجية تستحق الوقوف عندها كونها تؤثر على طبيعة الصراع الدائر الآن في سورية .
1- تتعلق أولى هذه التطورات الجديدة بتزايد قلق الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين من تنامي أهمية جبهة النصرة التي تدعمها القاعدة ، والتي تفوقت على جميع منافساتها في القوة القتالية في انحاء عديدة في سورية . وبدأ الكثيرون يتسألون عن مغزى قيام الولايات المتحدة وحلفائها بشن الحرب على القاعدة وأخواتها في جميع أرجاء العالم وآخرها في مالي ، وتركها تسود في سورية مما سيضمن لها على نحو مؤكد دور أساسي في أي حكومة يتم تشكيها في المرحلة القادمة . إن شبح نظام طالباني على عتبة باب أوروبا يسبب قلق حقيقي ، ويُفسر إلى حد كبير تردد البلدان الغربية المتزايد لتسليح المتمردين .
2- وسوف يعقد وزراء خارجية بلدان الإتحاد الأوروبي إجتماعاً يوم 18 شباط / الجاري لمناقشة مسألة الحظر المفروض من قبل بلدان الإتحاد على توريد السلاح إلى سورية والذي ينتهي يوم الأول من شهر آذار القادم . ومن المعروف أن وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا يعارضان كثيراً تجديد الحظر المفروض لفترة أخرى ، ويؤيدان تزويد المعارضة بالسلاح ، ولكن من المتوقع أن يواجهان معارضة قوية من بقية الوزراء الآخرين .
3- ويتعلق التطور الثاني الجديد بتصاعد حده الانقسامات داخل صفوف المعارضة السياسية ، وهي أصلاً منقسمة على نفسها في أحسن أحوالها . ومن المعروف أن المجلس الوطني السوري ، ومقره في تركيا ويهيمن عليه الأخوان المسلمون ، يُعارض على الدوام اجراء أي مفاوضات مع النظام طالما بقي الرئيس بشار الأسد في السلطة . ويبقى هدفه الإطاحة به . ولكن المجلس أثبت أنه عبارة عن كتلة غير فعالة مؤلفة من سوريين في المنفى لا يكفوّن عن الشجار في ما بينهم لأتفه الأسباب ، وله سيطرة لا تذكر على المقاتلين في الداخل .
4- وبغرض معالجة هذا الوضع ، تبنت قطر والولايات المتحدة انشاء كتلة معارضة جديدة خلال شهر تشرين الثاني الماضي ــ الائتلاف الوطني السوري ــ يترأسه اسلامي معتدل فيما يبدو معاذ الخطيب الذي كان إمام الجامع الأموي في دمشق . وجرى ضم المجلس الوطني السوري ضمن هذا الائتلاف كأبرز مكوناته الرئيسه . وكان اداء الائتلاف الجديد لا يختلف كثيراً عن اداء المجلس . وقد فشلت الأطراف المنضوية فيه على اظهار التلاحم الكافي بما يسمح له بتشكيل حكومة معارضة ذو مصداقية تمكنه من كسب دعم سياسي ومالي حقيقي من الغرب ، ناهيك عن الأسلحة .
5- وعلى هذه الخلفية جاءت القنبلة السياسية التي فجرها مؤخراً اثنان من المعارضة . هيثم المناع ، وهو ناشط عريق في مجال حقوق الإنسان مقره في باريس ، والذي عارض بقوة وثبات منذ بداية الانتفاضة في العام 2011 لجوء المتمردين إلى حمل السلاح . وتم تجاهل معارضة هذا الرجل عندما ركز العالم جل إهتمامه على الحل العسكري . ولكن الجمود العسكري الحاصل الآن ساهم في تغيير الحالة ، مما سمح للمناع أن يبرز من جديد إلى الرأي العام حيث ترأس في يوم 28 كانون الثاني الماضي في جنيف ما يبدو أنه اجتماع ناجح جداً لمعارضين يجمعهم تفكير مشترك .
6- وبعد يومين اثنين في 30 كانون الثاني ــ ربما لأنه لم يكن يرغب بأن يسلبه المناع فرصه الظهور ــ فجر معاذ الخطيب بدوره قنبلة سياسية أخرى بإعلانه فـي صفحتـه علـــــى الفيسبوك إستعداده " للجلوس في حوار مباشر مع ممثلين عن النظام ... " . وقد تم النظر إلى هذا الإعلان المثير كاستجابة ايجابية لدعوة الرئيس بشار الأسد يوم 6 كانون الثاني الماضي لعقد مؤتمر للحوار الوطني للوصول الى ميثاق وطني يرسم المستقبل السياسي في البلاد ويتم الاستفتاء عليه ، وإجراء انتخابات جديدة ، وإصدار عفو عام عن جميع المعتقلين .
7- وقد هاجم المتشددين في المعارضة مبادرة الخطيب وخاصة الأخوان المسلمين مما أضطره لتوضيح أنه كان يتكلم ببساطة بصفته الشخصية ، ولكن هناك شكوك كبيرة بأنه كان يعكس توجه متنامي في المعارضة من اليأس بسبب الخسائر البشرية والمادية الناجمة عن الصراع ، وأنها ربما باتت مستعدة إلى حد كبير لإعطاء فرصة للحوار . ومما لا شك فيه فإن الخطيب ربما يكون قد أدرك أيضاً أنه طالما أن هناك أمل ضئيل في الحصول على المساعدات العسكرية والمالية بالكميات الكبيرة المطلوبة ، فأنه ربما يكون الوقت قد حان لكي يستطلع آفاق امكانية الوصول إلى حل تفاوضي مع النظام .
8 - وغني عن القول فإن اسرائيل تراقب هذه التطورات بانتباه شديد جداَ . في الواقع فإن التطور الرئيس الثالث الجديد في الآونة الأخيرة كان الغارة الجوية الإسرائيلية ليلة 29-30 كانون الثاني الماضي على أكبر مركز للأبحاث العسكرية السورية ، مركز الدراسات والبحوث العلمية ، الواقع في جمرايا شمال غرب مركز العاصمة دمشق . وكانت ذريعة اسرائيل لشن الغارة هو منع نقل اسلحة روسية متطورة إلى حزب الله ، مثل رادارات وصواريخ مضادة للطائرات ، والتي من الممكن أن تعيق حرية الطيران الإسرائيلي في ضرب لبنان متى شاء .
9- في حقيقة الأمر ، فإن دوافع قيام اسرائيل بهذه الغارة الجوية ربما كانت اكثر طموحاً . فمن المعروف ، إنها متلهفة لإسقاط كل أطراف " محور المقاومة " من إيران وسورية وحزب الله الذي تمكن في السنوات الأخيرة من ايجاد نوع من الردع تجاه قوة اسرائيل . إن قصف اسرائيل لمركز البحوث ربما كانت الغاية منه استفزاز " محور المقاومة " للرد بمهاجمة أحد الأهداف الإسرائيلية ، الأمر الذي سيوفر لإسرائيل وقتها ذريعة للقيام بهجوم شامل .
10 - ولدى اسرائيل في الحقيقة تصفية حسابات كثيرة مع حزب الله الذي قاتلها كند وأجبرها على الانسحاب عندما غزت جنوب لبنان في العام 2006 . كما وتشعر اسرائيل بالقلق من أن يتمكن أعضاء مجلس الأمن الخمسة بالإضافة إلى المانيا [ ما يسمى P5+1 ] من تحقيق تقدم في اجتماعهم القادم مع إيران المقرر عقده في كازاخستان يوم 25 شباط / الجاري . كما وأن هناك تقارير تدعو إسرائيل إلى القلق على وجه الخصوص تتعلق بإمكانية اجراء الولايات المتحدة مباحثات مباشرة مع إيران كما ألمح إلى ذلك مؤخراُ نائب الرئيس الأمريكي بايدن .
11- وجميع هذه التطورات الجديدة لا تستسيغها إسرائيل وهي التي كانت لسنوات تحث الولايات المتحدة على تدمير المنشآت النووية الإيرانية ، وعلى إسقاط النظام في طهران بما يشبه إلى حد كبير الطريقة التي دفع بها المحافظون الجدد المؤيدون لإسرائيل الولايات المتحدة لغزو وتدمير العراق استناداً إلى معلومات استخباراتية خادعة . وعلى حد سواء ، لا تريد اسرائيل أن تنخرط المعارضة في حوار مع النظام والتوصل إلى اتفاق سلام . هي تريد أن تكون سورية اضعف ومقسمة بشكل اكثر كما كان حال العراق منذ عقد من الزمن ، والذي لا يزال بعيداً أن يتعافى منه .
12- وستعتمد الكثير من التطورات في الأسابيع القادمة على حكمة فريق أوباما الجديد وخاصة وزير الخارجية جون كيري . فهل سيعمد إلى تشجيع الحوار لإيجاد حل سلمي للأزمة في سورية بشكل يؤدي إلى وقف دمار البلاد والعباد ، ويمنع أيضاً حدوث تدهور أكبر في استقرار تركيا ولبنان ، أم أنه سيلعب لعبة إسرائيل التقليدية بإحداث اضطرابات في المنطقة لكي تحافظ على تفوقها . الأربعاء 5-2-2013
.ترجمة : محمد نجدة شهيد