كانت يوماً حزينةً وحيدةً, تتخبط في
بحر ذكرياتها الأليمة
وكانت تبحث عن وسيلة لردع الشوق الذي أنتابها
و تفكر بطريقة للتقرب من حبيبها؟..
كيف يشعر حبيبها بوجودها؟..رغم أنه لا يعرفها,ولم يذكر عينيها أو وجهها
وبعد أن ملأ الليل كؤوسه من أحزانها ودموعها وذكرياتها
خطر الليل على خاطره خاطرة
فتجسد الليل بماسة كبيرة حطت من السماء على راحتيها الباردتين ,وانقسمت الماسة,وخرج
منها شعاع ذهبيٌ
وولد من داخله إلهٌ جليل ,وقال لها بصوته الرقيق:ما بك يا إنانا؟..لما كلّ هذه
الدموع والألم؟...
لا تخافي جئت كي أساعدك
قالت إنانا:ولكن من أنت ؟..
قالت الآلهة:أنا آلهة الحب يا إنانا,وقد أرسلني الليل كي أساعدكِ,وأجفف دموعكِ
بحرارة الحب الذي سأمنحكِ إيّاه
فقالت إنانا..
كيف أسعد يا أيتها الآلهة؟..لطالما الحب الذي أبحث عنه,وجدته لكنه لم يجدني...
كيف أسعد؟..طالما أنه لم يعرفني
ويفصلني عنه , بحوراً سبع,وصحاري لا تعدها الأنامل,ولا وسيلة لدي كي ألقاه
........................ فكيف أسعد يا أيتها الآلهة قولي لي كيف؟..........
فقالت الآلهة:مهمتي يا صغيرتي أن أقرب المسافات,وأن أجمع القلوب,وأصنع المعجزات,لأحقق المستحيل.
فإذاً يا حبيبتي..
إن أردته..أغمضي عينيكِ,ودعي قوة الحب تقودكِ,واحلمي وآمني وصدقي إيمانكِ..فبقربي
ستتحقق كلّ أحلامك
ضعي الأمل أمامكِ,وانسي كلّ الصعوبات التي واجهتكِ,وابدئي حياتكِ من جديد,لأنني
سأمنحكِ نعمةً لتساعدك بالتقرب إليه.
وأغمضت إنانا عينيها ,ووضعت آلهة الحب كفيها على عينيها,وأضاء منهما نوراً أضاء
الليل لشدته
واختفت الآلهة بعد أن منحتها نعمتها...
وبعد أن فتحت إنانا عينيها,لم ترى الآلهة,ولكنها لازالت تسمع صدى صوتها وكلماتها
تتردد في داخلها
((أغمضي عينيكِ,ودعي قوة الحب تقودكِ,واحلمي وآمني وصدقي إيمانكِ..فبقربي ستتحقق
كلّ أحلامك))
إنانا:ولكن كيف أحلم؟..لطالما الدنيا قتلت لي كلّ أحلامي!...
فسمعت صوتاً رن بداخلها((الحب الآن أصبح بداخلكِ,لقد كُتِبَ على قلبكِ حباً جديداً
طاهراً عظيماً,
فلا تضيعي الوقت,هيا يا بنتي أغمضي عينيكِ,ودعي قوة الحب تقودكِ,احلمي به وصدقي
وآمني بأنكِ
الآن أمامه تقفين,هو لا يراكِ,لكنه يشعر فيكِ))
قالت إنانا:أيعقل أن يتحقق حلمي,وأن يشعر بوجودي؟...
قالت الآلهة:نعم فقط جربي وصدقي وآمني,فيصبح المستحيل حقيقة
وأغمضت إنانا عينيها,وابتسمت ابتسامتها العجيبة الحائرة,وحلمت أنها الآن
بقربه,وفتحت عينيها
ولم تصدق شيئاً مما رأته,لقد تجردت من الزمن والوقت..لقد خرجت من نظام
الحياة,وانتقل جسدها الأثيري لديار الحبيب,أصبحت الآن بقربه تراه تلمسه,ولكنه لا
يستطيع أن يراها...
وجلست إنانا بقربه وهو يعمل في مكتبه ويخط حروفه على أوراقه ليداعبها ويزينها
بكلماته,
شعر بشيء ما يتنفس بقربه,قلبٌ ينبض,وروحٌ ترتجف,ورأى أن صورته بدت أجمل,تلمع
بقطراتٍ ندية صافيةٍ من عينيها,فشعر حبيبها بالغرابة,
وأخذ يفكر وكأن جوّ غرفته يدفعه للرومانسية ,وأخذ
يبحر في بحار الأحلام والتخيلات والذكريات.
حينها اتجهت إنانا لعلبة الموسيقا,وأخذت أسطوانة بكل هدوء وأشعلت الجهاز بصوت خافت
,وظل حبيبها غارقاً
في أحلامه,واتجهت إنانا نحوه وبدأت تداعب له شعره الأبيض بكل رقة ونعومة,لكن يدها
ما زالت ترتجف
فارتجف قلب الحبيب وبدى حنينه الأليم,وهمس بصوته الحزين أين أنتِ؟..
- يا إلهي لما أشعر بكل هذا الحنين والرومانسية الساحرة,
في حياتي لم أشعر بمثل هذا الشعور..أتراها الغربة قد أشعلت بي نار الحنين؟...لا إنه
شعور الحب العميق,نعم هذه رومانسية الحب..لكن يا إلهي أين أجد هذه الفتاة؟..
وأغمض عينيه واسترسل على أنغام الموسيقا,فوضعت إنانا رأسها على رأسه وبدأت تحلم
وتنقل له الصور,عبر ملامسة الهالات
فنقلت له صورة وجهها وبسمتها,والمكان الذي تقابلا فيه لأول مرة منذ سنين ,وكيف
افترقا من طرق مختلفة,وبقيت عينيها معلقة تراكض خياله,والدمعة المصلوبة الهائمة في
تلك الجوهرتين.
فتح الحبيب عيناه وقال:يا إلهي..لماذا أذكر الآن كل هذا, لطالما أني لم أكترث له
يوماً؟...
وأخذ بأقلامه وكراساته وبدأ يرسم عليها حروفه الضائعة الهائمة لتقبيل شفتي
قارئها,وتزيين الأنامل الناعمة على ضفائرها المجدولة بالحزن والألم والمحناة بالشوق
والحب..
وبدأ الحبيب يرسم أبياته المسكونة... ويلون جدرانها بشظايا قلبه اليائس ,وحرقة
الروح من نار الغربة...وبدأ يخط كلماته الحائرة,وأشواقه للقاء المحبوبة الضائعة.
قرأت إنانا هذه الكلمات,التي كانت تخرج بصعوبة من نسلة قلمٍ تكسرت قبل أن تجرأت على
تفسير هذه الآلام واللوعة.
قرأت إنانا علامات السيمفونية المصلوبة المحروقة الذائبة من لوعة هذا
المسكين,فأمطرت دمعتين عاصفتين من تلك السحابة المحرومة من أمطار الحياة والسعادة...
قرأتها وارتجفت,فأيقظت العاشق من حلمه المسكون,واستعجب من تلك القطرتين اللتين قد
بللتا صفحات قصائدهِ
نظر حوله لم يجد ماءً حتى على وجنتيه لم يكن هناك من دموع...استعجب من أين جاءت
قطرات الدموع؟...
وقام الحبيب,وجمع أوراقه,وعندما استيقظ من حلمه الصارخ الثائر للحياة..أصغى
للموسيقا وقال:ما أعذب هذه المقطوعة,كم تذكرني بأشياء جميلة...لكنني لم أذكر أنني
قد أشعلتها,أتراني قد فعلت وأنا شاغل البال؟..
وأطفأها واستلقى على سريره وغرق في بحور الذكريات المنسية,فستلقت إنانا جانبه على
السرير وبدأت تداعب له شعره المتناثر على جبينه ووضعت رأسها ملاصقاً لرأسه وأعادت
له نفس الصور..
فقال:يا إلهي...لماذا تعاودني هذه الذكريات, والصور تتسلل إلى خاطري,لتأمر عواطفي
بالاستسلام والخضوع.
يا إلهي كيف أني مازلت أذكر عينا تلك الجميلة, كيف كانتا ترافقني حتى في تنفسي,
ولكن كيف لم آبه لها في ذلك الحين, كانت جميلة ومهتمة..
آه من هذا العقل دائماً شارد أفكر, حتى لم أنتبه لمرور ذلك النسيم..
وأغمض عينيه حتى غفا,فعادت إنانا لتتسلل لخاطره من جديد وقالت له..
إنانا:أنا الحبيبة يا أيها الحبيب...أنا إنانا العاشقة التي منحتني الآلهة نعمة
الحب والتسلل لخيال الحبيب...
وبدأت تتمتمم كلماتها العجيبة,وغزلها العذري الذي لم يولد من فمها بعد.
وخطر على خاطرها فكرة...
أن تكتب له قصيدة وتضعها على المكتب وتخط عليها أشواقها واسمها وحكايتها العجيبة مع
حبها والآلهة..
وقامت إلى المكتب وأخذت ترسم كلماتها ودموعها وآمالها..فقالت::...
عدّ يا أيها الحبيب...
عدّ إليّ قبل أن ينفذ صبر وجعي
قبل أن يقتلني الوهم ويبعثرني شظايا
عد إلي قبل أن تذوب شموع روحي
فأنا من دونك حبيبي ظلالٌ مبعثرة
وحياتي من دونك سفينة دون مرسى
انتظرك ...عل الانتظار ينجدني
من غرقي في مدن البكاء
فأبكي
أبكي لأني كلما حاولت الرحيل...
أغرق بك أكثر...
وكلما صليت لأجل أن أنساك...
تعشش في ذاكرتي أكثر...
وكلما حاولت الانتحار...كي ارحل...
أعيش فيك أكثر...
أنجدني .... رباه...
فأرواحي التائهة تعبت
وهي تبحث عنك...
في كل أطلالك...
أحبك....
يا سيد روحي
يا عشقي التائه....
أحبك
عد إلى قلب إنانا
تعال إليّ
برفقة شموعك وابتهالاتك
تعال كي تسكن لحظات فرحي وشغفي..
تعال لتحررني من قدري..
كي أذوب في دموع الفجر المنتظر حرارة الشمس...
أطلب من الآلهة يا حبيبي مثلما فعلت أنا
فقط آمن بوجودي..بحبي..وصدق إيمانك
فستلقاني بالقرب منك..
أمسح لك جبينك...
وأخبأ ماساتي الثمينة ...
بين خصل شعرك الأبيض...
أنا يا حبيبي...من كنت أداعب لك شعرك...
وأطير وأحلق في خلايا فكرك...
أنا من كنت أرسم الرومانسية في أجواء فكرك وقلبك
أنا يا حبيبي رومانسية الحياة التي طغت على أجواء غرفتك
عد يا حبيبي...
فقد طال انتظاري...
عد كي تنجدني..من بين دموع ابتهالاتي..
وفناجين تنبآتي...
عد يا حبيبي ..
أغسل لي قلبي بالحب يا حبيبي...
أعطني نعمة الحياة...
أعطي إنانا نعمة الحب..
كي تحيى من جديد...
خلصها من وحشتها..من شوكها...
لتقدم لك شهد العسل...
وينبت الياقوت من كفيها...
واللؤلؤ الشفاف من خديها...
والخمر المعتق...من شفتيها...
...........................أنا إنانا العاشقة المتيمة ............
وأضاءت الشمعات الموجودة في الشمعدان..وعادت إلى الغرفة,واستلقت على السرير,ووضعت
مرة أخرى رأسها ملاصقاً لرأسه
وبدأت تتمتم حتى أيقظته..فبدى الحلم حقيقة
وقالت:أنا إنانا يا أيها الحبيب...هل تذكرتني.؟...
قم وأقرأ رسالتي وانظر للبرهان ...
واقتربت من أذنه وهمست:يحق لي الحب يا حبيبي..فأنا إنانا العاشقة ,التي منحتني
الآلهة نعمة الحب والتسلل لحياة الحبيب... كم أحبك؟......كم أحبك؟...........
فهمّ الحبيب بالدخول لمكتبه ليعلم ويقطع الشك باليقين..هل هو في حلم؟. أم فعلاً قصة
إنانا العاشقة وآلهة الحب صحيحة؟.......
فوجد البرهان شمعداناً متقداً ورسالة تحمل كلماتها وعبارات قصتها العجيبة وتوقيعها
المستحيل...
واستلقى الحبيب مسترخياً على مقعده حائراً,حينها أخذت إنانا تداعب له شعره من جديد
كي تشعره أنها مازالت معه في حيز المكان والزمان.
فقال حبيبها:
أيعقل يا حبيبتي أنك معي الآن في حدود المكان
وتتنشقين العبير..
أيعقل يا حبيبتي؟...أن أبحث عنك في الأثير..
وأعشقك وأنت تسكنين الأثير
أيعقل أن تتطاير روحي شظايا في الأثير
عل شظايا روحي تلاقي شظايا روحك الهائمة الوالهة...
كم أشتاق يا أيتها الحبيبة أن أرى عيونك وأبلل رموشي بقطرات دموعك اللازوردية...
إذاً يا حبيبتي هبيني ساعة من حياتي...أو شبه ثوان..
لأرى الجمال المتجسد في أسطورة الخيال
كي أصدق أن الأسطورة حقيقة...
خاصة بعد أن عشقت بطلةً من أبطالها..
بعد أن توجتني عظيمة أبطالها... سيداً على قلبها وفارساً لأحلامها...
أيعقل يا جميلتي أنك الآن معي...تصغين إليّ...وتداعبين شعري الأبيض.:.
وتفعمين حياتي بالحب الأبدي..وتطغين برومانسيتكِ على ربيع حياتي...
إذاً يا حبيبتي ارني دموعك لأشعر بتجسدك بجانبي لأرتشف منه قطرات الحب لتكون دليلي
إليكِ..
حينها بدأت إنانا بالبكاء وبدأت ترتجف والدموع ترسم لها عينيها اللازورديتين
فوقف الحبيب مستغرباً مستعجباً من تلك العينين المرسومتين في الأثير ومد يده ليلتقط
بضع قطرات
حتى ملأت له كفيه وبدأ يبكي معها وحاول أن يبحث عنها في الأثير ويطارد أثيرها في
أرجاء الغرفة لكن إنانا خافت وهربت..لكن دموعهما كانتا الوعد باللقاء والمحبة.
وعاد الحبيب إلى الوطن وقصد الكنيسة المكان الوحيد الذي شاهد به تلك الأعجوبة..تلك
الأسطورة..
لكنه لم يجد أحداً في الكنيسة..فسجد أمام المذبح وبدأ يصلي لربه ويستنجده كي يحل له
اللغز ويفسر له ما جرى معه ...
فدخلت إنانا خلسةً من دون أن يشعر وسجدت بقربه وصلت ثم تناولت منديلها وأخذت تمسح
له دموعه... ففتح عينه متفاجئا ًراجفاً فوجد تلك الفتاة التي يبحث عنها
ذات الوجه الذي يطرق باب خياله ونوافذ الذكريات والماضي
_إنانا العاشقة الولهانة_
فهمست إنانا وقالت:
أغمض عينيك ودع قوة الحب تقودك..أحلم..وآمن وصدق إيمانك..فبقربي وقرب آلهة الحب
ستتحقق كل أحلامنا..
وأغمض العاشقان جفنيهما,وانبثق من ضوء الشموع نوراً باهراً ذهبياً..,تجسد من النور
آلهة الحب الرحيمة ..
ففتح العاشقان عيناهما الباكيتان المرتجفتان ..
فقالت الآلهة:طوبى للنفس الشريفة العفيفة,التي تجتمع بالحب الأبدي...
مباركٌ يا أبنائي _فقط آمنوا واحلموا وصدقوا إيمانكم فبقرب الحب ستتحقق كل أحلامكم_
فقط أطلبوا الحب تجدوه,تجدوه في ندى الزهرة...في عبيرها تجدوه...
واختفت الآلهة وعادت كي تسكن ماستها الكبيرة في الافق,وسقطت تلك الماسة كي تسكن
راحتي إنانا وتحولت تلك الماسة إلى قلادة كبيرة..زينت عنق إنانا يوم زفافها