واجه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً احتجاجات عنيفة في إسطنبول وعدد من المدن التركية، هذا ما يعد أخطر تحدً يواجه أردوغان حتى الآن خلال فترة حكمه، فبعد أكثر من عشر سنوات رئيساً لوزراء تركيا وثلاثة انتصارات في الانتخابات، بات التساؤل مطروحاً هل يطرق الربيع العربي أبواب تركيا؟
الاحتجاجات المستمرة أكبر حركة احتجاجية خلال السنوات الأخيرة في تركيا ولكن المثير فيها هي سرعة الانتشار الجغرافي، حيث أصبحت تتصاعد نتيجة احتجاج مجموعة من حماة البيئة لعدة أشهر ضد مشروع حكومي يهدف الى تقطيع أشجار "منتزه جيزي بارك" لإقامة مركز تجاري ومجمع حكومي سكني في ميدان تقسيم إسطنبول، وفي وقت لاحق اقتحمت شرطة مكافحة الشغب الاعتصام واضرمت النار في خيم المعتصمين واطلقت الغاز المسيل للدموع، وخلال ساعات قليلة انتشرت الصور التي تبرز وحشية الشرطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بدأ المواطنين الغاضبين بالتوافد الى مختلف الساحات في انقرة تعبيراً عن حالة الاستياء العام عن سياسة أردوغان في التعامل مع ملفات البيئة وحقوق الانسان حتى وصفتها بعض الصحف ب" ثورة الشجرة".
وفي مواجهة موجة من الغضب العام، بدأت القنوات الرئيسية البث المباشر من مكان المظاهرات في ميدان تقسيم، وفي المقابل فإن القنوات والصحف المؤيدة للحكومة الاردوغانية استمرت في توجيه أصابع الاتهام الى محرضين وقوى أجنبية بأنها تريد تقويض وتخريب تركيا ودفعها الى حالة اللاستقرار، وقد حذرت الصحف البريطانية من تعالي أردوغان على مطالب المحتجين حتى لا تخرج الأمور من سيطرته.
ان اقتلاع بضعة أشجار من حديقة تركية له دلالاته الرمزية، تقاطعت فيها خلفيات المعتصمين ايديولوجياً ودينياً وطبقياً. فالأمر يتعلق بخلافات كبيرة بين حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم مع ثوابت الجمهورية العلمانية، فالعلمانيون يشيرون الى مجموعة من القيود المفروضة على الخمر مثلاً بينما يشير الليبراليون الى تواجد عدد من الصحفيين في السجن، فضلاً عن فئات واسعة من الاتراك باتت تحس في السنوات الأخيرة تراجع البلاد في مجال الحريات والحقوق العامة وتقييد بعض الحريات الشخصية، فالمجتمع أصبح ينتبه الى فرض وتعزيز ما يسميه حزب العدالة والتنمية "الديمقراطية المحافظة الإسلامية" في سياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم، بالإضافة الى السياسات السلطوية التي اتبعتها الحكومة التركية في الآونة الأخيرة، وعمليات النمو الاقتصادي والتطور التي أدت الى هجرة المواطنين من القرى المحيطة بإسطنبول الى قلب المدينة، وما أسهم هذا النمو في تحقيق طفرة نوعية في مجال البناء، وكان المستفيد الأول من هذه التطورات حزب العدالة والتنمية بزعامة رئيس الوزراء أردوغان وكبار العسكريين في الجيش.
بالتالي يمكن النظر الى هذه التظاهرات في تركيا انها إشارة واضحة ودعوة للاستيقاظ، فالأتراك لم يعودوا يخافون من الشرطة، أو رد الفعل العسكري على الاحتجاجات.
فـ "عربة البوعزيزي" كانت بمثابة الحدث الذي أطلقت ثورات الربيع العربي، وقد تكون "أشجار "منتزه جيزي" حدثاً لانطلاق ربيع تركي إصلاحي تقويمي.
في إطار ذلك يمكن
القول ان احتجاجات تركيا إصلاحية لن تكون مشابهة للربيع العربي لأن تركيا تتمتع
بحكومة انتخبت بطريقة ديمقراطية منهية حقبة من الحكم العسكري في البلاد، فالأمر قد
يكون بداية ربيع ضد نموذج حزبي إسلامي بات يتجه نحو السلطوية وهو أمر شبيه
بالاحتجاجات التي نجدها اليوم في تونس ضد حركة النهضة أو حكم الأخوان في مصر، فهي
كلها حالات ربيع إصلاحي استدراكي لازال مفتوحاً لكل الاحتمالات ويوجه رسائل سياسية
لكل الأحزاب الإسلامية التي وصلت الى سدة الحكم في العالم العربي بعد الثورات
العربية، وبذلك لا يبدو أن أردوغان سيخسر قبضته التي يسيطر بها على السلطة، لذا
ينبغي على أردوغان وحزبه أن يظهروا التزامهما بحرية التعبير والتجمع السلمي وتلبيه
كافة إحتياجات المجتمع التركي بكل فئاته.