تطرح السياسات الصهيوأمريكية العدوانية المستهدفة شعوب الأمة العربية في هويتها وشخصيتها الوطنية وثقافتها القومية ووحدة تراب وطنها، بالعمل على تفتيتها وشرذمتها الى دويلات طائفية وأثنية، كما يحصل الآن في بعض الدول العربية، بهدف تعميق عملية النهب للثروات العربية والمصالح الوطنية والقومية وعدم تحقيق نهضة وتطور الشعوب والقضاء على فكرة القومية العربية وإبقاءها خاضعة للهيمنة الصهيوأمريكية.
تكتف الإدارة الأمريكية بما أشعلته من حرائق في العالم العربي والإسلامي منذ أن أعلنت منفردة حربها على الإرهاب، وخلطت فيها الأوراق بين الحق المشروع في المقاومة والعنف الذي يستهدف الأبرياء، وخلق حالة من اللاستقرار السياسي والمادي والعمل على إنهاك المجتمعات العربية بالدخول في مستنقع الإنشغال الحياتي "البقاء على الفقر"، بما يضمن السيطرة المادية عليها والعمل على استغلال هذا المستنقع وتسهيل التغلغل بين أوساطه لغرس الثقافة الأمريكية الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية.
وما تصرح به اليوم بمطالبة الحكومات العربية بعدم منع التظاهر معتبرة إياه حرية تعبير، كلام لا يثير الإستغراب بل الإستهجان، فمنذ متى والولايات المتحدة تحترم مشاعر وحقوق شعوبنا العربية وهي أكثر القوى الدولية الداعية لإنتهاكها وزعزعة أمنها واستقرارها.
تعيش الشعوب العربية اليوم حالة من الإنقسام نتيجة نفوذ التيارات التكفيرية والتيارات السلفية الجهادية في أوساط الساحات العربية بفضل الثورات العربية التي أفسحت المجال أمام تلك التيارات للمشاركة في الحراك المجتمعي، وإتساع دائرة تمزق النسيج الاجتماعي من خلال بسط نفوذها المتنامي على العديد من منابر ومجالات الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
فالمتتبع لمواقف الولايات المتحدة الامريكية يستطيع ان يرى نواياها المشينة وقراراتها المتحيزة لبعض القضايا منها القضية الفلسطينية التي لا تزال إسرائيل تقتل الفلسطينيين، حتى بدا أن وظيفة إسرائيل النهائية ومهمتها العظمى ورسالتها هي إفناءهم بأية وسيلة وحتى آخر رمق من أنفاسها، فإسرائيل تقتل وتدمر كيف تشاء ومتى شاءت، والولايات المتحدة تتحدث عن ضرورات ضمان أمن اسرائيل، هذه السلوكية العدوانية الإسرائيلية هي السبب في إفشال مساعي السلام وكل المبادرات التي كانت تأمل بسلام عادل وشامل. ونرى العراق اليوم الذي حولته الولايات المتحدة الى ساحة عنف وقتال طائفي وأرض للعصابات وساحة مفتوحة لكل الناس ولم تأن في تكريس الإنقسام بين السنة والشيعة عن طريق بث المعلومات الكاذبة بهدف تحقيق الفوضى والخراب للعراق، فضلاً عن الحرب على أفغانستان بحجة ما تسميه مكافحة الإرهاب التي خلفت الفقر والدمار بتلك الدولة المسلمة، بالإضافة الى باكستان التي أصبحت جزءاً من الحملة التي قادتها الولايات المتحدة ضد الحركة المسلحة الإسلامية منذ هجمات سبتمبر 2001. ولا ننسى محاولة تفتيت اليمن ومصر وتونس والسودان ولبنان والصومال من خلال محاولة صنّاع القرار الأمريكيين بتكريس الخلافات وتشجيع النعرات الطائفية وإنشاء تكتلات دينية مختلفة، كما عملت على عزل إيران وفرض العقوبات عليها لإجبارها على إيقافها عن تطوير التكنولوجيا النووية.
اليوم تعيش المنطقة العربية أجواء خوف من التقسيم لأن سياسة الصهيوأمريكية لا يمكنها العيش في منطقة قوية بل تريد تمزيقها وتفتيتها من خلال الركوب على ثورات الشعوب العربية لإسقاط أنظمتها التي كانت قبل سقوطها تدعمها وتساندها بكل الوسائل الممكنة، وإظهار محاولات تعاطف كاذبة مع متطلبات الشعوب العربية للإصلاح وتحقيق الديمقراطية مثلاً.
إن الظاهرة الاستعمارية هي المسؤول الأول والأخير عن معاناة الشعوب والدول العربية، حيث إتبعت سياسات تعسفية لإستغلال خيراتها وثرواتها سواء كانت الطبيعية منها والبشرية لتوظيفها في خدمة مصالحها.
فالسياسة السورية تدرك خطورة الغوص الأمريكي في اللعب على التناقضات الداخلية من خلال دعم الفوضى الحقيقية في المنطقة العربية في سياق مخطط صهيوني الفكرة وأمريكي الآداء، فدعم الفوضى هو الوجه الآخر لدعم الارهاب فكلاهما وجهان لعملة واحدة، وهذا ما يجعلنا أن نصف الولايات المتحدة الأمريكية بانها دولة راعية وداعمة للفوضى في بلداننا العربية، فلا فرق بين دعم الإرهاب ودعم الفوضى فكلاهما يؤديان الى نتيجة واحدة وهي ضرب أمن واستقرار مجتمعاتنا العربية. إن التدخل السافر للدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للدول العربية ، ليس أمراً معزولاً ومفاجئاً حيث تغمض عيونها عن ذبح إسرائيل للشعب الفلسطيني وهذا دليل على ان المعيار المزدوج المضفى بلون الهيمنة طغى بشدة في الشؤون العربية والإسلامية وقد حدا هذا التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية بالرفض العربي الواسع كونه نابع من عدم ثقة بمصداقية الولايات المتحدة التي تنتهج سياسة ازدواجية المعايير السياسية، وزيادة وعي الشعوب العربية بمخطط تفتيتها عبر نشر الفوضى من خلال تشجيع الاحتجاجات ونقلها الى نزاعات مسلحة وصراعات طائفية وعرقية.
إن استمرار شلال الدم في سوريا مصلحة أمريكية اسرائيلية يريدونها مقسّمة وملغاة من دورها في الصراع العربي الإسرائيلي حتى ينجح مشروع الشرق الأوسط الكبير ضد الوجود العربي، فبقدر ما نجحت خطط الصهيوأمريكية في جعل البلدان العربية والإسلامية بؤرة مخّربة تصلح عشاً للدبابير لتجمع الإرهابيين، بقدر ما فشلت في القضاء على الفكر القومي العربي رغم محاصرته، فقد ظل صامداً أمام مشروعات التهويد والتأسلم والاستسلام.
وأخيراً يمكن القول قد نضعف وقد نختلف وقد نهزم عسكرياً ولكن الأهم من ذلك ألا نهزم نفسياً أو نقبل ما يريده العدو أن نقبله، لن نكون هنوداً حمراً كما فعل المستعمر الغربي في الأميركتين، وستظل دول المقاومة دوماً رأس حربة في وجه إسرائيل، لذا يجب التنبه لمخطط السياسة الصهيوأمريكية في تفتيت الأمة العربية التي تهدف إلى إعادة رسم خريطة المنطقة وفق مصالحها، وتفويت الفرصة على أصحاب الأجندات باستغلال الأزمات واستثمارها لتحقيق مآربها، وعدم الوقوع في فخ الفوضى الهدامة، وتحقيق مصالح الوطن والمجتمع العليا، والتوحد حول المشروع الكفيل بمجابهة الهجمة على بلدنا وشعبنا وأمتنا وبناء المستقبل الزاهر.