يشكل برنامج "إدارة التحولات الاجتماعية" (موست)، الذي أطلق في آذارعام 1994 م، أول مبادرة دولية حكومية يتم إنشاؤها ضمن منظومة الأمم المتحدة، ويعتبر جزءاً من برامج قطاع العلوم الاجتماعية والإنسانية لليونسكو، وقد صمم هذا البرنامج لإنتاج الأبحاث الموثقة وذات الصلة لصانعي السياسات العامة، وتنظيم وتعزيز شبكات البحوث الدولية، والاهتمام ببناء القدرات وإنشاء مراكز لتبادل المعارف في مجال العلوم الاجتماعية، التي تسهم في تحسين فهم وإدارة التحولات الاجتماعية، ويركز على تحسين الربط بين البحث وصنع السياسات، بما في ذلك وضع ورصد وتقييم الإجراءات والعمليات المتعلقة بالتنمية، ونشر نتائج البحوث، وبناء القدرات الانسانية، وفيما أكدت الوثائق التي أنشأت البرنامج إلتزاماً قوياً لتعزيز البحوث الدولية والمتعددة التخصصات.

واستجابة للحاجة المتزايدة لتحسين وضع السياسات، جرى إعادة توجيه هذا البرنامج لبناء جسور فعالة بين البحوث والسياسات المختلفة على مختلف الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية. وقد تم ذلك استجابة للتوصيات التي صدرت عن المجلس الدولي الحكومي للبرنامج في شهر شباط عام 2003م، التي صادق عليها المجلس التنفيذي لليونسكو في دورته الـ (166) عام 2011م.

-الهدف من برنامج موست بوصفه جسراً يربط بين البحوث والسياسات العامة:

إن برنامج "إدارة التحولات الاجتماعية" (موست)، هو البرنامج الوحيد لليونسكو الذي يشجع ويعزز بحوث العلوم الاجتماعية، مما يضعه في موقع محوري لتعزيز الأهداف العامة لليونسكو، فضلاً بعن ذلك فهو يشكل هيئة دولية حكومية تجمع الباحثين وواضعي السياسات العامة والجهات الفاعلة الاخرى، من أجل سد الفجوة بين البحوث المختلفة، ورسم السياسات على مختلف المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية. ويهدف هذا البرنامج الى تعزيز الروابط بين البحوث والسياسات فيما يخص التحولات الاجتماعية، كما أن اليونسكو تعمل بنشاط من خلال هذا البرنامج على تعزيز البحوث من أجل إدارة التحولات الاجتماعية، وتحسين نوعية عملية السياسات وتنفيذها واتخاذ القرارات من خلال إعطاء أصحاب القرارات أدلة عن سبل استفادة المجتمع من بحوث العلوم الاجتماعية المختلفة، وتعزيز العمليات التشاركية التي تشجع المساءلة والشفافية، فضلاً عن الاستعانة بالنظم البحثية الوطنية والاقليمية من أجل

-يتناول برنامج موست خمسة مجالات رئيسة وهي:

أولاً: الهجرة الدولية والتعددية الثقافية:

يتحدد الهدف العام لبرنامج اليونسكو بشأن الهجرة الدولية بتعزيز احترام حقوق الإنسان للمهاجرين، والمساهمة في الاندماج السلمي للمهاجرين في المجتمع.

وتعطي المنظمة الأولوية للفكر المتعدد الثقافات في مواجهة التحديات المعاصرة مثل العولمة، والتنوع، والتنمية، والمواطنة، والأبعاد الأخلاقية والمعرفية للمجتمعات، فالعلوم الإنسانية والفلسفة ذات صلة بجميع الثقافات في العالم، وهي حاسمة بغرس الفكر والإبداع والتجديد في الأفكار، فضلاً عن كونها الأساس للديمقراطية وحقوق الإنسان وبناء مجتمع عادل.

ثانياً: التنمية الحضرية:

تتصدر المدن عملية التغير الاجتماعي -الاقتصادي العالمي، وتشكل العولمة وإرساء دعائم الديمقراطية جزءاً هاماً من التنمية المستدامة، ويعيش نصف سكان العالم الآن في مناطق حضرية، ويعتمد النصف الآخر على نحو متزايد على المدن لإحراز التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي. وحرصاً على جعل البيئة الحضرية أكثر استدامة للأجيال القادمة، تعزز اليونسكو "التعليم من أجل التنمية المستدامة في الوسط الحضري" كموضوع شامل لجميع القطاعات.

ثالثاً: التربية البدنية والرياضية:

توفر اليونسكو المساعدة والخدمات الإرشادية للحكومات والمنظمات غير الحكومية والخبراء لمناقشة التحديات المتطورة التي تواجهها التربية البدنية والرياضة، وتساعد المنظمة أيضاً الدول الأعضاء الراغبة في صياغة نظام تدريبها في مجال التربية البدنية أو تعزيزه وتقدم المشورة لها، وتوفر اليونسكو الإرشاد والخدمات الاستشارية والتقييمات في المجالات المتصلة، كالثقافة والتنمية الاجتماعية لتعزيز الرياضة والألعاب التقليدية وتطويرها، فضلاً عن ذلك، تؤدي اليونسكو دور الأمانة العامة للجنة الحكومية الدولية للتربية البدنية والرياضة المؤلفة من 18 دولة عضو والمنتخَبة بهدف تعزيز التعاون الدولي في مجال النشاط البدني في سبيل تعزيز السلام والصداقة والتفاهم والاحترام المتبادل بين الشعوب.

رابعاً: الشباب:

تهدف اليونسكو الى تعزيز وتمكين الشباب والتواصل معهم، والاستجابة لتوقعاتهم وأفكارهم، وتطوير المهارات المفيدة وطويلة الأمد، وحددت الأمم المتحدة الشباب بأنهم الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، كما تدرك اليونسكو أن الشباب هم مجموعة غير متجانسة تدخل في تطور مستمر وأن تجربة "أن تكون شاب" تختلف بشكل كبير بين المناطق وداخل البلدان.

خامساً: مكافحة المنشطات:

إن تعاطي المنشطات يزعزع الأسس المعنوية والأخلاقية التي تستند إليها الرياضة، ويعرّض صحة الذين يتناولون هذه المواد للخطر، وتسهم اليونسكو بفعالية في مكافحة المنشطات نظراً إلى رغبتها في صون الطابع العادل والمنصف للرياضة وحماية الشباب الذين يمارسونها.

-استراتيجية ومنطلقات برنامج موست:

يعد برنامج موست منبراً دولياً لتعبئة ودعم الدول الأعضاء للعلوم الاجتماعية في أراضيها، وهو مصدر يؤدي بشكل ملحوظ الى زيادة طلب واضعي السياسات على البحوث في مجال العلوم الاجتماعية والى إذكاء وعيهم بأهميتها في صياغة السياسات، ويتحمل البرنامج مسؤولية تعزيز ودعم مبادرات بناء القدرات ولا سيما من خلال تناول مجموعة مختارة من التحولات الاجتماعية الهامة على المستوى العالمي ويشجع العمليات التشاركية ويتعاون مع المجتمع الأهلي ويزيد الوعي بضرورة وجود العلوم الاجتماعية.

-وفي إطار ذلك يعمل برنامج موست على تحقيق موضوعين أساسيين هما:

1-الاندماج الاجتماعي باعتباره جزءاً وعنصراً مهماً لمكافحة الفقر وتقليص أوجه التفاوت والتقدم باتجاه تحقيق العدالة الاجتماعية، وينبغي تنفيذ الانشطة المعنية بتمكين الفئات المستضعفة من السكان من خلال العمليات التشاركية والديمقراطية واقترانها باستثمارات اجتماعية تؤدي الى توفير فرص العمل، ولا سيما للشباب والفئات المحرومة.

2-يركز هذا البرنامج على موضوع التحولات الاجتماعية الناجمة عن التغيير البيئي إقراراً منه بضرورة التصدي للازمات العديدة التي يسببها استنفاد الموارد الطبيعية ونقص المواد الغذائية والطاقة والضغط الناجم عن تسارع وتيرة النمو الحضري والسكاني وتغير المناخ والكوارث الطبيعية، وتشمل العواقب الاجتماعية التي تخلفها هذه التطورات: نزوح وهجرة السكان والتهميش وما تولده من تعصب، فلا شك في أن مفاهيم الاندماج الاجتماعي والاستدامة البيئية والتنمية الاقتصادية هي مفاهيم مترابطة.

- وبالتالي يسعى برنامج موست من خلال تركيزه على الموضوعين السابقين الى الاستجابة للتحولات الاجتماعية ذات الاهمية العالمية بما فيها من تحد وتعقيد ومن شأن هذا التوجه أن يساعد برنامج موست على إظهار جدوى عمله لتعزيز صورته، ويعد هذان الموضوعان آداتان اساسيتان لبيان الامكانيات التي تنطوي عليها البحوث الجامعة للتخصصات والمتكاملة ولإظهار الضرورة الملحة لتعزيز روابط المعارف من خلال مد الجسور بين عالم البحوث وعالم السياسات العامة.

- وتتمثل مهمة برنامج موست في:

·        مواصلة تعزيز الروابط بين البحوث والسياسات.

·        تعزيز العلوم الاجتماعية وخاصة في البلدان الاقل تقدماً.

·        مساعدة الحكومات على التعرف على كيفية استفادة المجتمعات من العلوم الاجتماعية.

·        توعية علماء الاجتماع بأن أهمية عملهم تتوقف على قدرتهم على تثقيف التي ينتمون إليها وعلى إيجاد الحلول المناسبة لها.

-ينبغي لبرنامج موست أن يقوم بـــ:

• ·        وضع عدد محدد من الأهداف المواضيعية مع مراعاة الأهداف الانمائية المتفق عليها دولياً (بما فيها الاهداف الانمائية للألفية)، وغيرها من المبادرات ذات الصلة للأمم المتحدة مثل مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية.

• ·        تعزيز وبناء القدرات في مجال العلوم الاجتماعية على مستوى الافراد والمؤسسات بشكل عام، ودعم الباحثين الشباب في مجال العلوم الاجتماعية وزيادة التعاون مع مؤسسات التعليم العالي ولا سيما برنامج توأمة الجامعات والكراسي الجامعية لليونسكو، وتشجيع اللجان الوطنية التابعة لبرنامج موست على أداء دور فعال في بناء القدرات على المستوى الوطني وتعزيز استخدام تكنولوجية المعلومات والاتصالات.

• ·        توطيد التعاون بين القطاعات المختلفة وتعزيز التنسيق داخل اليونسكو سواء لإعداد البرامج أو لتنفيذها.

• ·        وضع مسارات فعالة لرسم السياسات من خلال دعم وتشجيع طلبات واضعي السياسات فيما يخص الاستثمار وفي مجال العلوم الاجتماعية.

• ·        تحسين اتساق السياسات من خلال أنشطة التخطيط والتنفيذ.

• ·        تحديد المهارات والكفاءات الضرورية (الادارية والبرامجية) في مجال العلوم الاجتماعية.

• ·        زيادة حضور برنامج موست على المستوى الميداني وزيادة تركيزه على هذا المستوى من خلال الاستعانة بتكنولوجيات المعلومات والاتصالات لتحسين الاتصال بعلماء الاجتماع والجهات الفاعلة في هذا المجال.

• ·        تشجيع برنامج موست على زيادة المشاركة في المبادرات ذات الصلة التي تتخذها الامم المتحدة في عمليات التخطيط المشتركة للأمم المتحدة وفي مبادرات المنظمات الدولية الحكومية الاخرى.

• ·        الاستفادة من الفرص المتاحة لإقامة الشراكات مع وكالات الامم المتحدة التي تعمل في المجالات التي تهم برنامج موست وذلك في سياق المنتديات الوزارية مثلاً.

• ·        ضرورة تزويد برنامج موست بإطار شامل لرسم السياسات يستخدم لإقامة شراكات استراتيجية تتيح النفاذ الى المجتمع الأهلي والاوساط المعنية بالعلوم الاجتماعية والانسانية والمنظمات الدولية والاقليمية.

-الشركاء ونظم الدعم:

إزاء التقلبات الاجتماعية الناجمة عن العولمة والابتكارات التكنولوجية، تقود اليونسكو أنشطة لتعزيز الروابط بين البحث الاجتماعي والسياسات العامة، كما تعمل االمنظمة في مجال العلوم الاجتماعية والانسانية، بشكل وثيق مع اللجان الاستشارية والمنظمات غير الحكومية والشبكات والاتحادات المهنية، وجماعات المجتمع الأهلي.... إلخ.

وتتعامل مشروعات توأمة الجامعات / كراسي اليونسكو، مع أنشطة التدريب والبحوث وتغطي كافة الأنشطة الرئيسة التي تشمل جميع مجالات المعرفة ضمن اختصاص اليونسكو، المستفيدين الرئيسيين من هذا البرنامج هم مؤسسات التعليم العالي في البلدان النامية والبلدان التي تمر بمرحلة انتقالية. كما تغطي كراسي اليونسكو الجامعية وشبكات التوأمة عدة تخصصات من العلوم الاجتماعية والإنسانية.

 وتعزز اليونسكو التعاون في مجالات المعرفة، والمعايير والفكر لتيسير التحولات الاجتماعية التي تفضي إلى القيم العالمية للعدالة والحرية والكرامة الانسانية، لما لها دور حيوي على فهم وتفسير البيئة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وهي توفر البحوث، وتحديد وتحليل الاتجاهات، واقتراح مسارات العمل.

كما ينظم برنامج موست لقاءات دورية بين الوزراء المكلفين بالشؤون الاجتماعية في بلدانهم لتعزيز النظام التعليمي القائم على الاسلوب التفاعلي بين الوزارات المتمثل في تعزيز الروابط التعاونية الافقية بغرض:

o       فتح مجالات التأمل والمشورة والتعاون بشأن قضايا التنمية الاجتماعية.

o       تأمين إطار ملائم للبحث في الردود المناسبة.

o       تقاسم التجارب والممارسات الجيدة.

والهدف من هذه الانشطة على الأمد الطويل هو الحد من مستويات التفاوت الاقتصادي والاجتماعي، وفي هذا المجال قدمت اليونسكو جوائز متعددة تكريماً للإنجازات التي تمت في مجال الأخلاقيات في العلوم، التربية على حقوق الإنسان، والتربية من أجل السلام، والتسامح.

وأخيراً يمكن القول: إن برنامج إدارة التحولات الاجتماعية “موست" يفيد في نقل نتائج الأبحاث في مجال العلوم الاجتماعية وبياناتها ذات الصلة إلى صانعي القرارات وأصحاب المصلحة الآخرين، لذلك فقد تركزت الجهود خلال الأعوام (2004-2013م)، في الدرجة الأولى على ضرورة الربط بين الشبكات الدولية في مجال السياسة العامة وشبكات الباحثين والخبراء سعياً لوضع البحث في مجال العلوم الاجتماعية في خدمة السياسات العملية الملموسة وقد تم تحديد عدة اتجاهات لهذا الغرض منها:

o       تحسين المعارف التي يتم انتاجها في مجال التحولات الاجتماعية في بلدان الشمال والجنوب ومعالجتها تبعاً لمنهجيات تم اختيارها.

o       تحسين الانتفاع بنتائج البحث في عملية صياغة السياسات بواسطة أدوات جديدة.

o       ضمان التفاعل بين مجالي البحث والعمل، مع الاستفادة من الثقافتين العلمية والسياسية اللتين تتلاقيان وتتشابكان داخل اليونسكو.

o       تعزيز القدرات العلمية والمهنية والمؤسسية لا سيما في البلدان النامية.