إن خصوصية العلاقات السورية الإيرانية، والتي تحولت الى تحالف استراتيجي بين البلدين لفتت انتباه المتخصصين والمتابعين لقضايا الشرق الاوسط ، لا سيما إنها العلاقات الوحيدة في المنطقة التي تتسم بالثبات و الرسوخ منذ ما يزيد عن ثلاثين عاما في بيئة تتسم بالتوتر و اللاستقرار و التغيرات السريعة و الفجائية ،هذا فضلا عن الانكشافية التي يعانيها النظام الإقليمي الشرق الأوسطي ،أي تلك التدخلات الإقليمية و الدولية التي تصل الى مستوى الإستباحة ، و في ظل هكذا بيئة يصعب أن تقوم علاقات ثابتة و مستقرة بين بلدين من بلدان الشرق الاوسط ، و عليه فهي علاقة مثيرة للانتباه.
بعد انتهاء حرب الخليج ، بدأت تظهر على السطح الأمريكي بوادر الانزعاج من تنامي و تطور العلاقات السورية الإيرانية ، ومعها بدأت تتوالى التصريحات الامريكية الناقدة لهذه العلاقة المتميزة ، وشيئا فشيئا حددت الولايات المتحدة الامريكية قضايا بعينها اعتبرتها أساساً لتوتير علاقاتها مع سورية ، و كانت ايران طرفا فيها، بالإضافة الى حزب الله، حيث تأخذ واشنطن على كل من دمشق و طهران دعمهما لحزب الله الذي تعتبره منظمة إرهابية يجب تفكيكها ، و طالبت الولايات المتحدة الامريكية سورية صراحة بوقف دعمها لحزب الله وسعت الى ذلك دبلوماسيا، فاستصدرت من مجلس الأمن بالتعاون مع فرنسا القرار رقم 1559 الذي يتماشى مع الرغبة الإسرائيلية لنزع سلاح حزب الله ، ووقف التحالف السوري الايراني له ليست جديدة ، و لكن قد يكون الجديد هو اتساع دائرة الفهم لأسباب المخاوف الأميركية من دعم البلدين لهذا الحزب، خاصة بعد الانتخابات العراقية الأخيرة و تنامي الدور السياسي لشيعة العراق والخوف مما قد يمثله امتداد الفضاء الشيعي الموالي لإيران في لبنان و إمكانية قيام توافق مع سورية في هذا الخصوص ، و كذلك رغبة الولايات المتحدة الامريكية في تذليل عقبات الشرق الاوسط الكبير المراد إقامته في المنطقة .
و هنا يمكن القول ، قد تزداد الأهمية أو قد تقل لقضية أو أكثر من القضايا السابقة والتي تعتبرها الإدارة الامريكية نقاط استفزاز لها في مسيرة العلاقات الثنائية بين سورية و ايران، وهذا لا يمكن فهمه بعيداً عن النظر الى كل قضية من هذه القضايا منفردة أو مجتمعة ضمن المنظور الاستراتيجي لمنطقة الشرق الاوسط الكبير الذي تعمل الولايات المتحدة الامريكية على تسوية الأرض وتمهيد العقبات فيه لكي تسير العربة الامريكية بدون مشاكل أو عراقيل ، لا سيما ما يشهد سيرها حاليا في العراق ومعظم الدول العربية من صعوبات .
ومن خلال ذلك طرحت الولايات المتحدة الامريكية أفكار متعددة بالعلاقات السورية الإيرانية كان أبرزها على الإطلاق فكرة تفكيك العلاقات السورية الإيرانية، فعلى الرغم من إن هناك العديد من الباحثين الأمريكيين من مراكز الأبحاث الامريكية و المهتمين بمنطقة الشرق الاوسط عملوا على البحث عن العوامل التي تساعد على تطبيق هذه الفكرة و لو بشكل كسر تحالف مصلحي ظرفي يرون انه قائم بين النظام السوري و النظام الإيراني، انطلاقا من اعتبارات انه ليس هناك قواسم مشتركة كثيرة بين الطرفين سوى عزلتهما الدولية ، و إن التلويح لأحد الطرفين بإخراجه من عزلته و إعادة دمجه في المجتمع الدولي كفيل بان يقنع هذا الطرف بتغيير تحالفاته .
لذلك بدأت الولايات المتحدة الامريكية بالتلويح لما يعتقدون بأنه الحلقة الأضعف " سوريا " و ذلك بإقناعها عبر دول عربية بالتخلي عن حزب الله , بهدف تحييد دمشق ، ومحاصرة ايران لرسم ملامح الشرق الاوسط الكبير، و اعتقدت الإدارة الامريكية إن ذلك ممكن عبر تقديم بديل مصلحي أفضل لسورية من طهران، حتى من دون أن تتكلم علانية عن حزمة الإغراءات لسورية، وذلك بسبب غياب أي سياسة أمريكية واضحة حيال سورية أو ايران , أو الحالة المعاكسة تماما .
وبالتالي فإن سوريا وإيران وبتأثير دوافعهما حول معاداة إسرائيل والهموم الاستراتيجية والتهديدات الأمريكية والاختلال في النظام العربي والهجوم الشرس من قبل النظام الدولي على منطقة الشرق الأوسط، وتحويل هذا الأخير إلى سلعة بيد القوى العظمى، هذه المعطيات ولدت شعورا لكلا البلدين بأنهما مستهدفتان، وهذا ما دفعهما للبحث عن وسائل مناسبة لتحقيق أهدافهما وحماية ذواتهما، ومن هنا فإن سوريا وإيران سوف تجدان منفعة مشتركة في تنمية العلاقات بين البلدين.، فالتحالف السوري الإيراني إذن هو استجابة لمثير عدواني وكرد فعل على نية عدوانية مفترضة من جانب قوى إقليمية أو دولية. .
وفي ظل الواقع الصعب والمعقد الذي تتعرض له سوريا لتحديات ومخاطر جمة تستهدف تقويض
تحالفها مع إيران، وتقليم دورها الإقليمي، وتجميد فاعلية سياستها الخارجية ومكانتها
في ملفات المنطقة وضمنها ملفات فلسطين ولبنان والعراق وغيرها من الدول العربية
والاسلامية ، وفي ظل اعتقاد سوريا أن تحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط يبدو غير
واقعي، وميل وتحيز السياسة الأمريكية في المنطقة لصالح إسرائيل، واستمرار هذه
الأخيرة في احتلالها لمرتفعات الجولان، كل ذلك في ظل انهيار وضعف النظام العربي
وعجزه عن الدفاع عن مفرداته، هذا فضلا عن هشاشة التحالفات العربية –العربية، وفي ظل
التحديات والمخاطر والتهديدات التي تواجه إيران، سواء أكانت هذه التهديدات تتمثل في
الطوق الأمريكي الملتف كالثعبان حول إيران أو التهديدات المتكررة من قبل الولايات
المتحدة الأمريكية وابنتها المدللة إسرائيل بضرب إيران عسكريا وإسقاط نظامها، ناهيك
عن التصنيف الأمريكي لإيران بأنها دولة ضمن دول محور الشر، مما اشعر إيران بجدية
التخطيط الأمريكي لضربها وإنهاء وجودها كنظام يصعب ترويضه وإخضاعه، هذا فضلا عن أنه
نظام يعمل في اتجاه مناقض للنظام الدولي الذي رسمته الولايات المتحدة الأمريكية
وهيمنت عليه .
فلا مجال للشك إذن أنه طالما بقيت الدوافع التي تعزز العلاقات السورية الإيرانية
على حالها لا يمكن فك عرى التحالف بين البلدين، بمعنى آخر إن المكاسب التي تجنيها
سوريا عبر تحالفها مع إيران، في ظل الواقع الإقليمي والدولي الراهن، تفوق العائدات
التي تجنيها سوريا عبر فك تحالفها مع إيران، والنتيجة هي استمرار التحالف بين سوريا
وإيران وليس العكس. فمن المنظور السوري كان تحالفها مع إيران يعطي سوريا ثقل موازن
للعراق سابقاً، وثقل موازن أيضا ضد إسرائيل، ومصدر دعم مادي واقتصادي وتعاون عسكري،
بالتالي فالتحالف وفر شعورا بالأمن لسوريا وطمأن هواجسها إلى حدٍ كبير، حيث
أعطى هذا التحالف السوريين قوة إقليمية، إذ إن
إسرائيل باتت تتحدث علناً على إنها تريد فك التحالف السوري الايراني عبر مفاوضات مع
دمشق بعد أن كان قادة إسرائيل ينظرون الى سورية بأنها دولة ضعيفة ، و لا تستحق
النظر إليها و انه ليس لديها ما تقدمه ، لذلك مكن الدعم الايراني و العمق الذي
منحته ايران لدمشق من التلويح أكثر من مرة بخيار عسكري ضد إسرائيل , كما دفع
بالإسرائيليين الى التخوف من القدرة العسكرية المتنامية خصوصا بعد التجربة
الإسرائيلية في جنوب لبنان مع حزب الله عام 2006 ،و العدوان الإسرائيلي على قطاع
غزة عام 2009 .
أما من المنظور الإيراني فإن تحالفها مع سوريا كان يعطي إيران وسيلة للضغط على
العراق، وشريك عربي كبير، ووسيط مع الدول العربية، ومصدر للدعم العسكري والاقتصادي
وثقل استراتيجي مهم....
وبالتالي حتى يمكن فك التحالف بين البلدين لابد من العمل على قلب تلك المعادلة،
وجعل التحالف بين البلدين عبئاً ومكلفاً للغاية لكليهما أو لأحدهما على الأقل، أي
أن تعظيم المكاسب المحتملة من وراء توثيق العلاقات السورية العربية، وهو ما يعتبر
محصلة ايجابية بالنسبة لسوريا، يترتب على ذلك نتيجة ، وهي تمتين العلاقات السورية
العربية عوضاً عن الاستمرار في تحالف سوريا مع إيران الذي يعتبر ذو محصلة سلبية
بالنسبة للنظام العربي في حال استمرار التحالف الإيراني السوري على حساب القضايا
والهموم العربية. بمعنى آخر لابد من جعل المكاسب التي تجنيها سوريا عبر تحالفها مع
النظام العربي تفوق العائدات التي تجنيها سوريا عبر تحالفها مع إيران.
وهذا لا يعني تهميش إيران وحصارها وعزلها وقطع العلاقات العربية أو السورية معها،
بل جعل إيران هي التابع في تلك العلاقة والنظام العربي هو المركز، وبالتالي جعل
إيران تدور في الفلك العربي وليس العكس. فالحاصل اليوم أن التحالف السوري الإيراني
جاء كثيرا على حساب المصالح والقضايا العربية، وبالتالي أصبح النظام العربي محط
انكشاف وتهميش واستباحة. ليس ذلك فحسب بل أصبح هناك محورين ولكلٍ له سياساته وهمومه
الخاصة. ولا يعني ذلك أن سوريا هي من تتحمل المسؤولية عن ذلك بسبب تحالفها مع
إيران، بل هي مسؤولية النظام العربي ككل.
فلا يوجد هناك إجماع عربي حول غايات النظام العربي وأهدافه، ولا يوجد هناك إجماع حول مصادر التهديد سواء الثانوية أو الرئيسية وكيفية مواجهتها، أي لا توجد نظرية أمن قومي عربي. وعلى هذا الأساس تجد كل دولة عربية نفسها مدفوعة بتشكيل سياساتها وتحالفاتها منفردة وخارج الإجماع العربي وحسب ما تقتضيه مصالحها الخاصة حتى لو كانت على حساب القضايا والهموم العربية كما هو حاصل مع سوريا الآن. فحالة سوريا هذه من انعزالها عن النظام العربي، وأصبحت وحيدة ومنعزلة عن فضائها الجغرافي السياسي الطبيعي، أي حضنها العربي، والاختلال في موازين القوى الإقليمي لغير صالح سوريا بل لصالح أعدائها، قد يتكرر مع أي دولة إقليمية عربية أخرى إذ تعرضت لنفس العوامل والمتغيرات التي دفعت سوريا بالانسلاخ عن فضائها الجغرافي-السياسي والارتماء بالحضن الإيراني بحثاً عما يعوضها فقدان الثقة ويرضي هواجسها ويطمئن شعورها القلِق والخوف من محاولات استهدافها الذي هو باطراد مستمر.
في إطار ما سبق يمكن القول إن العلاقات السورية الإيرانية ينظر إليها كنموذج يحتذى به على صعيد المنطقة، حيث يرتبط البلدان بعلاقات سياسية وثيقة و استراتيجية منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية ، و يواصلان العمل بدأب لترقية العلاقات الاقتصادية و الثقافية والعلمية كي تواكب مسار العلاقات السياسية القائمة بينهما .