news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
خواطر
مقهى الروضة الدمشقي ... بقلم : علاء الدين مريم

يسكن مقهى الروضة الدمشقي في شارع العابد الآتي من ساحة السبع بحرات ، ويركن إلى جانب زاوية تشكل مفترق طرق بالقرب من بناء البرلمان السوري العريق ، ويجلس بوقار وسط حي الصالحية العتيق في قلب دمشق القديمة ، يتربع بارتياح في حضن أسواق جميلة وقديمة ، يبدو فيها المارة وكأنهم من أهل جنة النعيم يتنزهون ويتسوقون ويقضون وقتاً ممتعاً لأجل حياة أبدية وسعيدة .


 يقف مزهواً مرفوع الرأس ليحيي قاسيون المطلّ على دمشق ، والذي يرتقي فتسمو نفسه حين يصعد الجبل ليمارس رياضة وربما طقوساً عهدها منذ زمن  ، فيبدو أشبه بسيزيف في الأسطورة اليونانية لكنه يختلف عنه بأنه هو من قرر الصعود إلى أعلى الجبل بمحض إرادته فكان حراً باختياره ، وما أن يصل إلى قمته حتى تراه شامخاً ثابتاً صامداً ، يطل مطأطئاً رأسه كل يوم ، رافعاً ساعديه إلى أعلى حتى تطال السحاب وربما تتجاوزه ، ملوّحاً بكلتا يديه كما يفعل قائد منتصر قادم من المعركة للتو ، ومحيياً بطلعته البهية وجبهته العالية وجبينه الشامخ عاصمة توغل في التاريخ ، تنبعث كل يوم من جديد وتشرق كما الشمس الساطعة ، وتقوم بنشاط منقطع النظير ، لتبدأ عملها بصدق وتمكّن واجتهاد فتبلغ المجد الدائم وتجد ما تريد ، يقف قاسيون هذا من غير خوف أو جزع بإباء وقوة غير هيّاب من أحد ليحاكي دمشق الروح والجسد ، يطل صباح مساء

 

 منذ أن وقعت قصة قابيل وهابيل حيث الـ (دم شق) طريقه هناك - فيردّ التحية بأحسن منها ، قائلاً لها السلام عليك ومنك ولك ولأجلك ، أما المقهى – موضوع حديثنا - فتجده منسجماً مع محيطه هذا الذي تكلمت عنه ، لأنه يعيش هذا الجو منذ أبد الآبدين بالوقت الذي لا يكترث فيه لازدحام الناس من حوله ، والذين يظهرون كأنهم في يوم الحشر ، لكن أساريرهم المنفتحة وتألق عيونهم وبياض وجوههم ، تدل على أنهم سيأخذون كتابهم بيمينهم بعد أن تجاوزا المرور بالصراط المستقيم ، فيشعرونك بأنهم الآن في طريقهم إلى الجنة ، يسيرون نحوها بعد أن توضؤوا من ينبوع يستند إلى جدار مزين بالرخام وسط السوق التجاري ، من لم يشرب ماؤه (بطاسات) جوز الهند لا يعرف دمشق ، فهي وماؤها فريدان بالذوق والتذوق ، وبعد الوضوء صلّوا في مسجد الحي الذي سمي بالصالحية لكثرة الصالحين في هذا الحي ، وتابعوا طريقهم باتجاه الجادّات مقر سكنهم ليرتاحوا بعد عناء يوم متعب لكنه جميل .

 

هذا المقهى يسحر قاصده ويبهج الزائر رحابه ويجلب القاصي والداني نحوه ، يلم المجتمع المدني بألوانه وأطيافه ، هو ملتقى المثقفين بتنوع ثقافاتهم وتباين آرائهم وسخونة حواراتهم ، وموئل السياسيين مع اختلاف وجهات نظرهم وبغض النظر عن انتماءاتهم ، هو مهرجان لعرض الأزياء الشعبية والرسمية والدارجة ، ومعرض للتراث والأصالة التي تظهر بمجمل مكوناته ، ونموذج للبيوت الدمشقية المبنية بفن ومهارة وإتقان صنعة ، تفوح منه رائحة الورد الجوري الشامي وينتشر فيه عبق الياسمين الدمشقي ، وتبتهج ألوان الطيف فيه ، على خشبة مسرحه الوطني يعرض مرتادوه وهم يروحون ويجيئون مسرحية احتفالية عنوانها بانوراما دمشقية ، أما نرجيلة التنباك أو المعسّل فتجعلك إن أخذتها مكيّفاً دون إدمان ، وطعم الشاي الخمير الذي وإن لم يسكر محتسيه فإنه يجعله مدمناً على تذوقه ، وفي مشروب القهوة كافئين مختلف فعله وأثره يجعل الذهن متحفزاً للإبداع والتعقل والفهم العميق ، وينطلق لسان حال الجميع ليعبر كل شخص عما يجول في خاطره من أفكار وعما ينتابه من مشاعر ليحقق التواصل مع الآخر ويتلاقى معه في محبة الوطن وتحت علمه .

 

إنه واحد من الأماكن المحببة إليّ حيث أرى عندما أقصده كثيراً ممن أحب ، ألتقي فيه مع رفاق وأصدقاء وزملاء ، يعجبني بكل مكوناته ويبهجني رؤية زواره ، أرتاده كلما فرحت وحزنت ، إن كنت متعباً أو مرتاحاً ، وعندما يكون لدي وقت أو لا يكون ، ومتى كان الزمان والوقت ، مع عائلتي وبدونهم ،  هذا المقهى جميل ورائع .    

 

2013-08-16
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)