تؤدي الأخلاق دوراً مهماً في حياة الشعوب على اختلاف أجناسها وأماكن وجودها وأديانها والفلسفات التي تتبناها، وينعكس أثر الأخلاق في سلوك الأفراد بحيث يصبح سلوكهم متصفاً بالثبات والتماسك والتوافق، وعندئذ تشكل الأخلاق أحد مظاهر الضبط الاجتماعي لدى الأفراد، وتشكل دافعاً ومحركاً، وتعمق لديهم إحساسهم بالانتماء الى مجتمعهم، كما تساعدهم على التكيف مع واقع المجتمع الذي يعيشون فيه.
وتعد الأخلاق بمثابة الدعامة الأولى لحفظ الأمم والمجتمعات، فهي تتصل اتصالاً وثيقاً بالعملية التربوية، باعتبارها من أهم المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني، وتنعكس الأخلاق على التزام الفرد بمهنته، فالمهنة وسيلة بالنسبة للفرد لتحقيق التوافق النفسي والاجتماعي بما يعود ذلك بالنفع على الفرد والمجتمع.
يرتكز مصطلح أخلاقيات العمل لمؤسسة ما على المبادئ والقيم الأخلاقية التي تمثل سلوك العاملين، وتنبثق الاخلاق المهنية في مجملها من الأخلاق العامة التي تعلمها الإنسان في بداية حياته من الأسرة والمدرسة والجامعة والأصدقاء والمجتمع، إذ هي بيان للقيم والمبادئ التي ينبغي ان توجه العمل اليومي الذي يقوم به الموظف العام.
ولكل مهنة في المجتمع الإنساني مرتكزات أخلاقية ومهنية يتبعها العاملون فيها، وتتكون تلك الأخلاقيات المهنية من أبعاد ثلاثة كالبعد المعرفي والبعد السلوكي الأدائي والبعد الخلقي، ويرتبط هذا الأخير بإتقان العمل والمحافظة على القيام به في إطار من الالتزام بمجموعة من المعايير والقيم، وتهتم الأخلاق بشكل رئيسي بتحقيق الثقة والمساعدة المتبادلة والعدالة في العلاقات الإنسانية، فإذا لم توجد هذه القواعد بدرجة معينة يصبح مستحيلاً من الناحية الواقعية استمرار أي نشاط، فالأخلاق الحسنة هي الأعمال التي تحقق الاتفاق بين الجميع وتعكس القوانيين لتلك الاعمال.
لا ريب أن العوامل الاقتصادية لا تنفرد بالتأثير في واقع التنظيمات بل توجد الى جانبها عوامل بشرية واجتماعية ونفسية لا تقل عنها أثراً في تنظيم وضبط علاقات العمل، ويرى كثيرون من خبراء المجتمع والثقافة إن استثمار الموارد البشرية بالشكل الصحيح يتصدر بقية شروط نجاح التنظيم الإداري، فإذا كانت الأخلاق تشير الى النظام القيمي والمعايير الأخلاقية التي يستند عليها المديرون في قراراتهم المختلفة آخذين بعين الاعتبار ما هو صح أو ما خطأ، فإن ما نريد هنا أن نؤكد عليه هو أن الأخلاق لدى هؤلاء المدراء تتجسد بسلوكيات أخلاقية تراعي عدم خرق القواعد والمعايير والمعتقدات في المجتمع من جهة والقوانيين المعمول بها من جهة أخرى.
تسعى المؤسسات التربوية إلى تحقيق جودة الأداء من خلال تعزيز منظومة اخلاقيات العمل والذي بدوره ينعكس على نمو المجتمع. ولا يمكنها تحقيق ذلك دون وجود معايير أخلاقية تنظم سير العمل، وتعزز الثقة بين المؤسسات والمستفيدين كما إنها عنصر أساس في نجاح العلاقة مع الجمهور والموظفين والمؤسسات الأخرى.
إن الالتزام بالمبادئ والسلوك الأخلاقي سواء على صعيد الفرد، أو الجماعة، أو المؤسسات والمنظمات بمختلف نشاطاتها يعتبر ذو أهمية بالغة لمختلف شرائح المجتمع حيث إن هذا الأمر يقوي الالتزام بمبادئ العمل الصحيح والصادق.
ونظراً للدور الهام الذي تلعبه القيم الأخلاقية المتعلقة بالممارسة المهنية في تحسين أداء العامل واستثماره لوقته بالشكل الأمثل وسعيه لتحقيق أفضل عائد للمجتمع بما ينسجم مع مراحل تطوره وتقدمه ويتسق مع منظومة القيم التي يحملها الفرد تجاه ذاته وتجاه المجتمع، فقد تزايد الاهتمام في الوقت الحاضر بأخلاقيات العمل، وبدا واضحاً أن المؤسسات تتسابق لإصدار مدونات أخلاقية المهنة، وبعد أن شكلت الكفاءة مركز الاهتمام الوحيد أصبحت الأخلاقيات تحظى بالاهتمام الأكبر ويعاد صياغة الأهداف والسياسات وفقها وطريقة تبرز المسؤولية الأخلاقية، ويلاحظ في السنوات الأخيرة اهتمام المجتمع بموضوع مكافحة الفساد الإداري وكذلك موضوع الشفافية وسلامة الإجراءات في مؤسسات الدولة كافة والقطاع الخاص، ويسجل للدولة والمؤسسات على اختلاف اشكالها وبيئات عملها محاولات تنمية السلوك المهني لدى العاملين فيها كمدخل ملائم للتقليل من الظواهر السلبية، فالوصول الى بناء منظومة النزاهة في العمل العام يعد الهدف الأساسي في بناء مؤسسات عامة فعّالة تحظى باحترام الموظفين من خلال منظومة القيم والسلوكيات الاخلاقية، وتمكنّها من تحصين المجتمع ضد ظاهرة الفساد وتوفير الآليات الفعّالة لمعالجة آثاره.
بغية مسايرة التحولات المختلفة وروح العصر الجديد الساري في معظم الدول وبهدف تأكيد الالتزام بأخلاقيات العمل وتقاليد الوظيفة بما يساعد علي تحقيق الكفاءة العالية في الأداء، وتمكين المشاركين من صياغة قيم للتعامل الإيجابي وتدعيم تلك القيم في الممارسات الإدارية، وكذلك خلق بيئة عمل مؤسسية تنظيمية إيجابية ومحفزة تجعل الانتماء والولاء ممارسة سلوكية للعاملين، وأيضاً التعامل مع الأنماط المختلفة للمرؤوسين وكيفية التعامل مع السلوك السلبي تقيم وزارة التربية / اللجنة الوطنية السورية لليونسكو/ بالتعاون مع مكتب اليونسكو الاقليمي للتربية في الدول العربية-بيروت- ورشة عمل حول أخلاقيات العمل الوظيفي خلال الفترة 9-11/أيلول/2013م، مستهدفين في ذلك مديري المدارس في مديريات دمشق وريف دمشق والقنيطرة .
وقد اخترنا أخلاقيات العمل لتكون موضوع الورشة تقديراً لدورها في تعزيز قيم العمل ورفع مستوى الأداء للعاملين في المؤسسات التربوية ومحاولة جادة لإرساء أخلاقيات العمل كمبدأ أو ميثاق مهني داخل المؤسسة فضلاً عن محاولة اقتراح أفكار واقعية دعماً لصانع القرار عند معالجة أسباب تراجع معدلات الأداء في هذه المؤسسات.
وتأتي أهمية الورشة شعوراً من المؤسسة التربوية بقيمة الجانب الأخلاقي ودوره في دفع عجلة تطور العمل والارتقاء بالمجتمع والأفراد، كما تعزز تحقيق الهوية التنظيمية والاستقرار الوظيفي في المؤسسات التربوية وتعرّف بضرورة تطبيق مدونة قواعد السلوك الأخلاقي السليم وتنمي الرقابة الذاتية لدى العاملين في مختلف المؤسسات وتؤكد التأثير الكبير للأخلاق وقواعد السلوك في حياة الافراد والجماعات، فضلاً عن ذلك فإن الورشة تلقي الضوء على دور أخلاقيات العمل عند تحقيق النجاح للمؤسسة التربوية والنهوض بها من خلال " التركيز على السلوك العام الراقي والدافعية والعمل بروح الفريق والتواصل الفعّال فضلاً عن التعاون والتنظيم ".
وتهدف الورشة على التعرف على أخلاقيات العمل الوظيفي في المؤسسات التربوية، وتحقيق الهوية التنظيمية والاستقرار الوظيفي في المؤسسات من خلال إرساء عناصر الثقافة التنظيمية "أسلوب الأداء، تعامل الموظفين مع بعضهم البعض، كيفية اتخاذ القرارات"، والتعرف على أهمية تطبيق مدونة قواعد السلوك الأخلاقي المهني السليم التي تتضمن معايير أخلاقية ومبادئ أساسية لأداء الوظيفة العامة، وتنمية الرقابة الذاتية لدى العاملين في المؤسسات "مراعاة المصلحة العامة ومصلحة المؤسسة على المصلحة الشخصية “.
وأخيراً يمكن القول إن الحِرص على أخلاقيات العمل هو أمرٌ أخلاقي وديني وإداري، مع الأسف فإن إهمالنا لأخلاقيات العمل يجعل العاملين لا يتعاونون والشركات لا تثق في بعضها والكل يبدأ بسوء الظن ولا يمكننا الاستفادة من خبرات بعضنا، أخلاقيات العمل ضرورة للتطور، لابد أن تكون لأخلاقيات العمل أولوية أكبر بين موظفينا ومُديرينا.