news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
ما فائدة القمم العربية إن لم تتمخض عن ويستفاليا عربية ؟ ... بقلم : الدكتور عبد الحميد سلوم

أوروبا التي وصلت إلى ما وصلت إليه من حضارة وتقدم ووحدة وتعاون ،دفعت الأثمان غاليا من دماء أبنائها بعد أن عانت من خمسمائة عام من عصور الظلام ، حتى القرن الخامس الميلادي ، وألف عام من العصور الوسطى  حتى القرن الخامس عشر الميلادي ، طغَتْ عليها مُصادرة الكهنوت للدين والحياة  وهيمنة سلطة رجال الدين واستبدادهم وترهيبهم لمجتمعاتهم ..


 ولم تنهض أوروبا من تحت نير هذا الحِمل الثقيل إلا في أواخر القرن الخامس عشر مع الكشوفات الجغرافية وحركة الإصلاح الديني للتحرر من هيمنة رجال الدين ووضع حدٍ للحروب الدينية فيما عُرف بصلح < ويستفاليا > عام 1648 حيث كانت نهاية حروب الثلاثين عاما في الإمبراطورية الرومانية ، ونهاية حروب الثمانين عاما بين أسبانيا واتحاد الجمهوريات الواطئة ، وهذا ما أسّس لمفهوم < العَلمانية > ( وليس العِلمانية كما يُخطئ بها الكثيرون، فالمعنيان مُختلفان )

 

 ممّا مهّد لاحقا في القرن الثامن عشر لدخول أوروبا بداية الحدَاثة وعصر النهضة حيث كانت لآراء المفكرين الأوروبيين التنويرية التأثير الكبير في قيام الثورة الفرنسية عام 1789 واعتماد النهج العَلماني كنظام حُكم  للدول الأوروبية ، وبفضل النظام الجديد فقط دخلت أوروبا مرحلة الثورة الصناعية وانطلقت بعدها نحو المستقبل ، وها نحن اليوم نرى ما هي أوروبا ...وما نحن ...

 

 إذا مُصطلح << العَلمانية >> ظهر لأول مرة أثناء صلح ويستفاليا ، وكان الدواء الصحيح الذي تم اكتشافه بعد تشخيص دقيق ، لكل أمراض أوروبا المزمنة التي أنتجتها هيمنة رجال الدين على المجتمع والدولة معا ..وبفضلها فقط انتصر الغرب على جراحاته ومضاعفاتها .. 

العَلمانية ليست إلحادا ، كما يحلو للبعض أن يُوَصّف عن سابق عمد أو عن سابق جهل .. والعَلمانية ليست  ضد الدين أو ضد الجامع أو الكنيسة (إلا إذا كانت عَلمانية إلحادية كما كان الحال لدى الشيوعية، وهذه ليست موضع الحديث) وليست موقفا من الدين ،وإنما من الدولة الدينية ومن استغلال رجال الدين الذين يأخذون المجتمعات ، ومن ثم الدولة، رهينة لفتاويهم وأفكارهم ومواقفهم البعيدة أحيانا كلية عن مقاصد الدين وأخلاق الدين .. وعن وجهة الحياة ..

 

للعَلمانية تعاريف عديدة ولكن أيٍ منها لا يدعو للإلحاد .. وبغض النظر عن التعاريف فهاهي أوروبا العَلمانية أمامنا ، فهل هي مُلحدة ؟؟ ألا يُقسم القادة الأوروبيين اليمين على الكتاب المُقدس.. ومنهم من يحضرون قداديس الميلاد؟؟ وهل هناك من يمنع الناس من الذهاب للكنائس المنتشرة في كل مكان ؟؟.

 

  العَلمانية هي اتجاه في الحياة يقوم على مبدأ أن الدين أو الإعتبارات الدينية، يجب ألا تتدخل في عمل الدولة ، وأن تتخذ الدولة موقفا محايدا من مسائل العقيدة، بل تؤكد العَلمانية على حرية الدين في المجتمع ، والتحرر من فرض الدولة الدين على الناس العَلمانية هي باختصار السياسة اللادينية البحتة للدولة وتَساوي كل أبنائها بالدستور بصرف النظر عن أي انتماء أو عقيدة .. وتعريف البعض للعَلمانية بأنها مُعادية للدين غير صحيح .. وتعريفهم هذا أشبه بقول ( لا إله ... ثم نتوقف ) .. وبشكل أوضح، العَلمانية هي عدم السماح بتسييس الدين أو تطييف السياسة ،، كون الدولة شأنا عاما يعني كل مكونات المجتمع مهما تعددت ، وواجبها أن تبقى على الحياد من كل الأديان والمذاهب والأعراق في المجتمع ، وتضمن حرية العبادة للجميع ، وتُساوي بينهم على أساس الموَاطَنة، والموَاطَنة فقط ... وتؤكد العَلمانية على حرية الدين في المجتمع وليس بالدولة ...

 

وصف العَلمانية بأنها فصل الدين عن الحياة غير صحيح ، وشتّان بين فصله عن الدولة وفصله عن الحياة .. فالدين سيبقى ما بقيت الحياة ولكن كعبادة وقيم وأخلاق وليس كسلطة سياسية تُحلل وتُحرّم كما تقتضي مصلحة أهل الحكم ... وتُرهِب من لا يلتزم لأنه يُخالف شرع الله ، والغاية هي خدمة أهل الحكم وليس خدمة شرع الله !!. ولنتأمل في الكثير من الفتاوى كيف يتم تفصيلها بشكل متناقض ومعيب لتنطبق بهذا البلد ولا تنطبق بالبلد الآخر، وتَصدُر للتوظيف السياسي ليس إلا ..

 

وهناك من يجادل أن الإسلام بالأساس لم يأت بسياسة ونظام دولة وإنما بعبادات وقيم وإجراءات ومعاملات تنظم التعامل بين المسلمين ، وحينما أراد الفاروق عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه) تنظيم دولة في الإسلام استعان ببعض قوانين الفرس .. وربما لو كان في هذا الزمن لاستعان ببعض قوانين الغرب -- وليس بناتو الغرب -- فما ساد في ذاك الزمن من مفاهيم للدولة لا يمكن إسقاطها على هذا الزمن ، إلا إن كان هناك من يعتقد أن الزمن يراوح مكانه وأننا ما زلنا نعيش في ظروف وبيئة وزمن القرن السابع الميلادي ... وللأسف هناك من يعتقد كذلك !!.

 

فالمشكلة ليست مع العلمانية، ولا بالعَلمانية، وإنما بين العَلمانية وبين الدولة الدينية الطائفية والتمييزية !! أي بين مفهوم العقل المنفتح للدولة، والعقل المنغلق للدولة ،بين العقل الذي يشدّ الحبال ليرجع بها من الوراء الى الوراء ، وبين العقل الذي يشدّ بها نحو الأمام والى المستقبل .... وإن كانت أسباب ظهور العَلمانية في أوروبا لمواجهة طغيان الكنيسة ، بسبب تحريفها للإنجيل وفساد رجال الدين والرهبان وتلاعبهم بعقول البشر ببيعهم لصكوك الغفران وتحويل الكنائس إلى مكاتب عقارية تبيع المقاسم بالجنة ، والتكلم باسم الله في السماء ، والبذخ والترف الذي كان يعيشه الأباطرة ويعتبرون أنفسهم من سلالات خاصة، وقتل العلماء مثل برونو وغاليلو ، والحروب والصراعات الدينية ،، فألا نعيش كمسلمين ظروف مشابهة في غالبية مجتمعاتنا ؟؟ أَلم يتم تحريف الدين لتبرير الذبح والقتل وتدخل الأجنبي ؟ وألَم يتم تحريف الدين بالدعوة لقتل ثلث مجتمع ما ؟ وألَم يتم تحريف الدين لحماية حكام أسوأ من الأباطرة بمليون مرّة ويعتبرون أنفسهم من أنساب وسلالات مميزة، حتى أن هناك من لا يتزوج ممن لا يتناسب نسبه مع نسب الآخر !؟ وألَم يتم تحريف الدين للدعاية لهذا المُرشح  أو ذاك في مصر بعد التغيير ؟

 

وألَم يتم تحريف الدين لتبرير بذخ وترف بعض الحكام الذين يستأثرون بمقدرات بلدان تكفي مئات الملايين بينما ثلاثين بالمائة من شعوبهم تعاني الفقر والفاقة والحاجة،، ولمنع التظاهر ضدهم ؟ وألم يتم تحريف الدين لمنع مظاهرات مؤيدة لأهل غزة ،، وألَم يتم تحريف الدين بعدم جواز الدعاء لحزب الله بالانتصار على الإسرائيلي ؟ وألَم يتم تحريف الدين لغسل عقول الشباب ودفعهم للانتحار بين المسلمين، وليس بين الإسرائيليين، للفوز بالجنة والحوريات .. فبماذا يختلف ذلك عن صكوك الغفران الكنسية ؟؟ أليس هذا أيضا بيع للجنة على طريقة صكوك الغفران ؟؟ وألَم يتم تحريف الدين للتحريض الطائفي والمذهبي؟؟ أليسَ الحكم على الناس وتصنيفهم إلى كفار ومسلمين ،أو مشركين ومؤمنين هو تعدٍ على حقوق الله ؟؟ ألا نجد من يستهدفون أهل العلم والكفاءات في أكثر من بلد عربي بتحريض ديني ، كما فعلوا بغاليلو ؟؟ بل أليس هناك من المشايخ من لا يؤمن حتى اليوم بكروية الأرض؟؟ إذا ما هي الأسباب والمبررات التي دفعت المجتمعات الأوروبية للثورة على سلوك رجال الدين (وليس على الدين) وليست موجودة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ؟؟ ألَا تصرخ  الليبراليات السعوديات كل يوم من خنقِ رجال الدين لهن ، بحسب

 

وصفهن ؟؟ألَم يتم تكفير حسن الترابي واتهامه بالزندقة لأنه خالف اجتهادات البعض؟؟ ألَم يتم تطليق بروفسور جامعي مصري من زوجته رغما عنهما؟ ألَم يتم رفع العديد من القضايا ضد الكاتبة نوال السعداوي لأنها عبَّرت عن آرائها؟ ألا يتم تغييب العقل بالكامل بشكل منهجي وترهيبي لصالح الفتاوى والتفاسير التي لا تمت للدين الصحيح بصلة ؟ ألَم ، ألَم ، ألَم ... أليس هذا نفس ترهيب رجال الدين الكنسي في العصور الوسطى ؟؟أليسَتْ صورة الامبراطورية الرومانية المقدسة وحكم رجال الدين وصورة الأباطرة هي ذات صورة أباطرة اليوم من ملوك وأمراء وحكّام ومسؤولين !!... إذا بعد كل ما شاهدناه، وما نشاهده من أخطار مُحدقة بهذه الأمة بسبب تحريض بعض رجال الدين الطائفي والمذهبي لجر هذه الأمة إلى الاقتتال، واستخدام الدين قاعدة ومبررا ودافعاً للقتل ،، وبعد كل هذا التطرف الذي لم تعُد جماعاته تُحصى، وتُفجّر المجتمعات من داخلها، وكل منها يدَّعي أنه هو على الصواب ،، بعد كل هذا أليسَت العَلمانية الديمقراطية حاجة لمجتمعاتنا أكثر مما كانت حاجة للمجتمعات الأوروبية؟؟.. إن كانت العَلمانية ضرورة وحاجة لأوروبا منذ حوالي أربعمائة عام ، فقد كان العرب والمسلمون أولَى بها منذ ألف وأربعمائة عام ،، يعني بعد أربعين سنة فقط من وفاة الرسول (صلعم)!! فالقتل باسم الدين، والشرذمة والانقسام لم تنتهي منذ ذاك الزمن ... فإلى متى؟؟.

 

 العقل العربي نسي، أو تجاوز، كل صراعات هذه الأمة مع الخارج عبر التاريخ، من المغول التتار إلى السلاجقة إلى الفرنجة إلى العثمانيين إلى الفرنسيين والبريطانيين ،،وحتى إسرائيل حاليا ،، ولم يتمكن من تناسي أو تجاوز صراعات وخلافات داخلية ضمن الأمة وقعت قبل أربعة عشر قرنا ، وما زال هناك من يبني عليها !! فإلى متى ؟؟. في الجاهلية كنا قبائل وعشائر وأفخاذ متناحرة متقاتلة تغزو مضارب بعضها فتسلب أرزاقها وتسبي نسائها ، فهل تغيّر الأمر بعد الإسلام ؟؟. دعونا لا نكذب على أنفسنا وعلى التاريخ ...

 

تاريخ مصبوغ بلون الدم .. ونحن عرب ومسلمون لم نعرف الضحك في أي زمن إلا من بين الدموع : الأمويين ، العباسيين ، السلاجقة ، الأيوبيين ، المماليك ، العثمانيين .. كلها أزمنة مصبوغة بلون الدم !! ... دعونا نتوقف عن الكذب ونتحدث بصراحة وشفافية ووضوح ، ليس لنكئ الجراح والمآسي ولكن لتشخيص الدواء لأمراضنا العضال ونعرف كيف نُوَصّف الأمراض وكيف نضع لها الوصفات الطبية الصحيحة والسليمة ... فالمُسكّنات لا تُشفي ولكن قد تُريح لبعض الوقت  والمطلوب هو استئصال الداء وليس تسكينه لبعض الوقت ... واستئصال الداء يكون بالدواء الذي صنعه الغرب في اتفاقية ويستفاليا عام 1648 التي أسست للدول العَلمانية الأوروبية وباعدت بين الدين والسياسة ، أو الدولة .. فانطلقت أوروبا بعدها إلى أن أصبح الغرب ينُظم رحلات جماعية إلى الفضاء ،ويخططون للهجرة إلى المريخ ، بينما ما زلنا ننظم رحلات قتل جماعية نحو الدار الآخرة !!!... لم أقرأ في كتب التاريخ أن هناك من وضع رؤوس أعدائه فوق المناسف وجعل من لحومهم وجبة << شهية >>  ودعا أهل الضحايا ليتناولوا لحم أهاليهم ، إلا عند العرب !!! ...

 

 

خيار هذه الأمة في ثلاث ، والمسألة لا تحتاج لكثرة تنظير : إما الاستفادة من تجارب الغرب وصراعاته التاريخية والسياسية والدينية قبل وبعد اتفاقية وستفاليا لعام 1648 والسير على خطى الديمقراطية والمدنية ( أو العَلمانية فلا فرق) واعتماد دساتير تُساوي بين الجميع على أساس الموَاطَنة ودون أي تمييز لأي اعتبار آخر، والاحتكام دوما لصناديق الاقتراع ، واحترام كل أشكال التنوع وخصائصه.... أو تبقى ألعوبة في أيدي القوى الخارجية وتابعة لها ومفتتة ومتشرذمة وفي ذيل الأمم،، أو المضي في النحر والانتحار حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا ، فتلحق  بأجدادها الأوائل من أهل عاد وثمود !!.

 

 

فكفى مؤتمرات عربية فارغة واستعراضات وقفز فوق الحقائق ، وبيانات وتوصيات وقرارات لا تشفي جرحا من جراح الأمة ، وتتعامى عن الدواء الصحيح والسليم وهو ويستفاليا عربية على غرار ويستفاليا الأوروبية ، وأن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا .... فهل سنأتي أم سنستمر بالنحر والانتحار ؟؟؟......

 

https://www.facebook.com/you.write.syrianews

 

 

2014-03-23
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد