هجمة شرسة تلك التي تعرض لها الوطن وبالتأكيد لم تكن الهجمة ذات طابع عسكري بدايةً ولم تبدأ مع تسليح العصابات المسلحة واستقدام المسلحين والمرتزقة من مختلف الأرجاء بتحريض ديني أو طائفي أو عن طريق المال ويمكننا القول أن الجانب العسكري كان هو الجانب الأكثر تأخراً وسرية وإن كان يسبق بدء ما يسمى بالربيع العربي في سورية بمدة طويلة قد تمتد لسنوات
إذا فقد كان الجانب المدني بمعنى اللا عسكري هو ما يتم التركيز عليه طوال السنوات الماضية وربما يعود ذلك إلى مرحلة القائد الخالد أي قبل استلام السيد الرئيس بشار الأسد للحكم ولعلّ ما زاد من تركيزها وشراستها بروز الرؤية التطويرية واستمرار النهج المقاوم لديه مما جعله خارج السياق الطبيعي لمن يسمح لهم بتبوأ مركز القيادة في البلدان العربية
وكان العمل على المؤامرة يتم من مدخلين :
_ المدخل الأول هو المدخل التركي عن طريق علاقات الجوار وزيارات الأهل على جانبي الحدود والأفضليات التي كانت ممنوحة للتجارة البينية
_ المدخل الثاني هو المدخل القطري عن طريق الاستثمارات ودعم الاقتصاد وتبادل الخبرات وذلك طبعاً قبل الانخراط الخليجي بشكل عام والسعودي بشكل خاص
وقد مهّدت هذه الإجراءات الطريق لدعم عملاء لهاتين الدولتين سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وحتى وظيفياً ليتم إيصالهم لمستويات مرموقة قادرة على التأثير على مفاصل القرار وفق خطة مدروسة استخباراتياً بعناية ومن أعلى المستويات كما تبين لاحقاً حين أدى فشل المؤامرة إلى ظهور اليد الحقيقية والأصابع التي تحرك المتورطين والمنفذين ناهيك عن أن الصمود الفكري أدى إلى فضح الفكر الذي كان يقودها عن طريق تمثيليات الرأي والآخر لبث الأفكار المسمومة بداية ثم الرأي الآخر فقط وفقط بعد سقوط القناع وتجلي هشاشة وعمالة ذلك الرأي الآخر
و كان الجانب الاقتصادي والاجتماعي من المؤامرة يستند على مرتكزات أساسية أهمها الفقر والحاجة والبطالة وعدم الوعي الديني المتمثل بالانقياد والانجرار خلف رجال الدين وقد عملت الخطة على تحقيق الأهداف الإستراتيجية التالية :
1. إيجاد فجوة بين الشعب والقيادة عن طريق اتخاذ قرارات تولّد وتزيد الغضب الشعبي
2. إحباط كل المحاولات التطويرية التي كانت تسعى لها مؤسسة الرئاسة عن طريق إفشالها أو تفريغها من مضمونها
3. دعم الفاسدين وتصنيفهم ضمن ثلاثة أصناف :
(أ) الصنف الأول منخرط بالمؤامرة وعلى دراية بالخطوات التكتيكية وكل ما يسمح به للتابعين من معلومات
(ب) الصنف الثاني ممن يتسمون بالضعف وعدم التأهيل الإداري والثقافي و لا يعني لهم المنصب إلا ميزات ومصالح وهؤلاء يشكل مجرد استلامهم خدمة للمؤامرة من خلال سعيهم لتحقيق مصالحهم الشخصية على حساب مصلحة الوطن .
(ت) الصنف الثالث ممن يمكن التحكم بهم عن طريق الإغراءات المادية أو الأخلاقية أو نتيجة لتعصبهم الطائفي أو المذهبي
4. محاربة الشرفاء والقضاء على روح المبادرة لديهم .
5. ترسيخ ثقافة الفساد وتغليب المصلحة الفردية على المصلحة العامة .
6. ضرب العيش المشترك وإيجاد شرخ أو أكثر في المجتمع مع تغذية الإحساس بالظلم عند الموجودين على حافتي الشرخ لتعميق الهوة بينهما
· وقد نجحت الخطة إلى حد كبير في إيجاد الفجوة بين الشعب والقيادة عن طريق التضييق على المواطن في لقمة عيشه وكافة متطلباته الحياتية من المسكن إلى الكهرباء إلى الهاتف إلى الماء لكنها لم تنجح في إيجاد فجوة بين قائد الوطن والشعب وقد تم حل هذه الإشكالية المتمثلة بالفصل بين القيادة والقائد من خلال الوعي بوجود فجوة بين أداء مؤسسة الرئاسة والمؤسسات التي تليها في الترتيب ففي الهرمية الوظيفية كانت الفجوة بين أداء السيد الرئيس وأداء مجلس الوزراء كسلطة تنفيذية وفي الهرمية الحزبية كانت الفجوة بين الأمين القطري والقيادة القطرية كسلطة اشرافية و وصائية وفي الهرمية التشريعية بين السيد الرئيس ومجلس الشعب كسلطة رقابية .
· كما نجحت في إحباط كل المحاولات التطويرية والمثال الأوضح على ذلك تجربة المعهد الوطني للإدارة العامة حيث لم تقتصر الخطة على تفريغ التجربة من مضمونها بل تعدت ذلك إلى محاربة الخريجين عن طريق وضعهم تحت وصاية من يعتبرونهم خطراً عليهم
· وقد نجحت في دعم الفاسدين وإيصالهم إلى مستويات إدارية عليا حيث تم الاعتماد على الصنف الأول المنخرط بالمؤامرة وله دور فيها في دعم الصنفين الآخرين ووضعهم في مواقع تؤثر على القرارات ورغم حدوث الأزمة فلا زال بعضهم في موقعه بعيداً عن الشبهات أو ضمن الشبهات ولكن مستفيداً من أن الأولوية هي للقضايا الأمنية وأن الأوان ليس أوان المحاسبة على الفساد بل إن بعضهم استفاد من الأزمة وارتقي أكثر في المناصب الإدارية
· ونجحت الخطة في محاربة الشرفاء وإجبارهم على التقوقع والاكتفاء بالدفاع عن أنفسهم في ظل الهجمة الشرسة التي تم شنها عليهم كما تم القضاء على روح المبادرة من خلال انعكاس المبادرات بالويلات على أصحابها والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى وتعد
· وأيضاً نجحت الخطة في ترسيخ ثقافة الفساد حيث صار ينظر إلى الفاسدين على أنهم هم الناجحين والأذكياء وإلى فسادهم على أنه ضرب من ضروب الشطارة في حين ينظر للشرفاء على أنهم هم الأغبياء وأن فقرهم هو نتيجة عدم فهمهم للواقع والتأقلم معه والاستفادة منه
وانطلاقاً من أن معرفة المشكلة وتحديد معطياتها هي الخطوة الأولى باتجاه الحل الذي لا بد أن يقوم على :
1. إعادة النظر بكل القرارات والتشريعات التي تم اتخاذها خلال السنوات الماضية وتصويبها بما يخفف الضغط والعبء النفسي عن كاهل المواطن و يعيد ثقته بقيادته ويردم الفجوة التي توسعت على مدى كل تلك السنوات .
2. إعادة تقييم آلية تنفيذ الرؤية التطويرية للسيد الرئيس لإعادتها إلى المسار الصحيح والعمل على وضع الآلية المناسبة للحفاظ على نتائجها .
3. دراسة قرارات التعيين التي تمت خلال السنوات الماضية ومعرفة خلفياتها والقيام بعملية تنظيف و محاسبة للفاسدين تبدأ من الأعلى إلى الأدنى في كل من الهرمية الرقابية والإشرافية والوظيفية مع ضرورة التركيز على أولئك الفاسدين من الصنف الأول الذين لديهم ارتباطات خارجية قطرية سابقاً وخليجية أو سعودية حالياً أو ارتباطات تركية مع إدراك أنّ هذا الصنف لديه قدرة كبيرة على التلون والاختباء وتغيير الاتجاه
4. وضع الآلية التشريعية المناسبة لمحاسبة المسيئين وتحميلهم نتائج قراراتهم المسيئة والسماح للأفراد المتضررين من تلك القرارات بمقاضاتهم أمام المحاكم المسلكية وتغريمهم بالتعويضات عن كل الأضرار الناجمة سواء كانت مادية أو فكرية أو معنوية .
5. إعادة التأهيل الفكري والديني والاجتماعي لتعزيز ثقافة الانتماء للوطن والعيش المشترك
6. تضمين المناهج التربوية والدراسية مقررات عن الإصلاح وآليات مكافحة الفساد
7. الاستفادة من الدرس الكبير الذي أعطانا إياه التاريخ بعد أن دفعنا ثمنه غالياً من دماء أبناءنا ودمار وطننا في علاقتنا مع ما يسمى بالدول الشقيقة وما يعرف بالدول الصديقة
وفي النهاية لا بدّ من السؤال , ونحن أمام الاستحقاق الرئاسي في ظل ظروف أقل ما يقال عنها أنها مفصلية وأن الوطن فيها على حافة الهاوية :
هل يكفي أن يكون الرئيس القادم جيداً أو أن يكون قوياً أو أن يكون عادلاً ؟
والجواب ببساطة إننا بحاجة لرجلٍ بحجم وطن .
https://www.facebook.com/you.write.syrianews