إن استعمال اللغة هو طريقة الدخول إلى
عقل الآخر والتأثير على هذا العقل .
إننا نستطيع إدخال أفكار وتصورات وأوامر إلى عقل الآخر عن طريق اللغة .
إن هذه المخلات مهما كانت طبيعتها تفرض
تأثيراتها على هذا العقل , فهو مجبر على التعامل معها ومعالجتها والقيام
باستجابات لها ,وهذا يمكننا من التأثير على هذا العقل والتحكم في الكثير من
استجاباته وبالتالي تصرفاته .
إن هذه الظاهرة أو هذه القدرة التي تملكها اللغة كان يستخدمها الإنسان منذ
القديم عندما أدرك فاعليتها وجدواها .
وكل منا لاحظ تأثير اللغة على الآخرين وخلق الإيحاءات والاستجابات لديهم
وبالتالي التحكم بتصرفاتهم , وذلك عن طريق التكلم معهم بأسلوب وطريقة مناسبة .
وقد كان للقصص أو الحكايا و للخطابة والأمثال والشعر ( والآن الإعلام ) تأثيرهم
, وكانت الخطابة أشد تأثيراً لأنها كانت تستغل ظاهرة القطيع (أو الجمهرة ) التي
تعتمد على المحاكاة والتقليد الغريزي للآخرين , وكلنا لاحظنا " هتلر" وغيره كيف
كانوا يفرضون أفكارهم ودوافعهم وأهدافهم على الآخرين بواسطة الخطابة .
وتأثير الإيحاء يمكن أن يكون ذاتي , " يكذب كذبة ويصدقها "
مثل جحا عندما قال للأولاد الذين يضايقونه : أن هناك وليمة في المكان الفلاني
فركض الأولاد إلى هناك , وعندما فكر حجا بما قال , وجد أنه ربما يكون هناك
فعلاً وليمة فركض خافهم . والوسوسة والتردد والتوهم . ., هم ناتج تأثير أفكار
وإيحاءات دخلت الدماغ وأعطت تأثيراتها .
إن الأفكار بعد أن تولد في أحد العقول , نتيجة تفاعلات الحياة , أو نتيجة تفاعل
أفكار سابقة كانت قد دخلت إليه .
تسعى للخروج والتوضع في العقول الأخرى , نتيجة لأمور عديدة , ذاتية واجتماعية ,
فإذا وجدت العقل الذي يسمح لها بدخوله , دخلته وسعت لكي تتوضع فيه , وهي سوف
تجابه بمقاومة وممانعة من قبل الأفكار المتوضعة فيه , وتمنعها من التوضع فيه .
فإذا استطاعت أن تجد لها مكاناً , احتلته وأقامت فيه .
وكلما كانت هذه الأفكار الداخلة أكثر اختلافاً أو متناقضة وغير منسجمة مع
الأفكار الموجودة , كان احتمال توضعها أصعب , فهي تجابه بممانعة ورفض قوي وحتى
تحارب وتمنع من التداول , أي تسعى الأفكار الموجودة سابقاً في العقل للقضاء
عليها بمنعها من الانتشار في العقول الأخرى .
فالأفكار الموجودة في العقول تحافظ على وجودها وتسعى لزيادة انتشارها في العقول
الأخرى , وبشكل عام تقاوم الأفكار الجديدة من قبل الأفكار الموجودة , وهذا أساس
المحافظة وعدم التجديد .
إن هذا يحدث وبغض النظر عن أي الأفكار أدق أو أصح , فالموجود هو الأساس ,
والجديد هو دخيل ويجب أن يقاوم مهما كان , ولكن دوماً هناك احتمال بأن تستطيع
بعض الأفكار الجديدة التوضع والانتشار في العقول , وهذا يكون نتيجة عدة عوامل
وهي :
1- تكون العقول المستقبلة فارغة من الأفكار, وعندها لا تجد من يقاومها فتتوضع
بسهولة .
2- تكون الأفكار الجديدة قريبة من الأفكار الموجودة , أوهي تدعمها أو تنسجم
معها .
3 - نتيجة تكرار نشرها , فهناك دور أساسي وهام جداً للتكرار في نشر الأفكار ,
فقد كان يقول " غوبلز " المسؤول عن الإعلام لدى " هتلر " لمساعيه كرروا وكرروا
ما تنشروه فالابد أن يصدكم الشعب وهذا ما تمارسه كافة وسائل الإعلام بهدف نشر
سلع أو أفكار أو خلق رغبات ودوافع أو استجابات وتصرفات لدى المتلقين.
4 – وإن للمحاكاة والتقليد دور أساسي وكبير في انتشار الأفكار في العقول .
إننا الآن جميعنا تحت تأثيرات الأفكار المنتشرة في العقول والتي تتنافس وتتصارع
فيما بينها .
أن المتحكم فينا " أويتحكم بغالبية تصرفاتنا " :
هو الأفكار المنتشرة في العقول وبالذات التي تنشرها وسائل الإعلام , فهي التي
تفرض علينا قوها وتأثيراتها , وبالتالي تفرض علينا غالبية استجاباتنا وتصرفاتنا
, أي " المؤثر الأكبر فينا " ليس الأشخاص والمؤسسات والحكومات , بل الأفكار
والعقائد .. التي يقوم بنشرها الإعلام
إن الإيحاءات تشمل كافة مناحي حياتنا الثقافة والفكرية ( والإيحاء هو أساس
التنويم المغناطيسي ) .
فنحن نوحي لبعضنا بالأفكار والمفاهيم والقيم التي نعتمدهم ونؤمن بهم , وهذا
بمثابة تنويم مغناطيسي نقوم به فنؤثر به على الآخرين وندفعهم لتبني أفكارنا
قيمنا وثقافتنا , وكذلك لتنفيذ أهدافنا ورغباتنا .
وكافة أشكال الإعلام هي إيحاءات فكرية وثقافية , أي هي نوع من التنويم
المغناطيسي .
فمفهوم غسيل المخ أو برمجة العقول , والذي يستخدم في نشر الثقافات والعقائد
والمبادئ . . . وبالتالي دفع الناس لتبني أهداف ودوافع وغايات معينة , وذلك عن
طريق الإيحاءات باستخدام كافة أشكال الإعلام , هو أيضاً شكل من أشكال التنويم
المغناطيسي .
وهذا أدركه الإنسان منذ قديم الزمان ( ودون أن يعرفه بشكل واضح ) وهو يستخدمه
دوما وبفاعلية كبيرة .
https://www.facebook.com/you.write.syrianews