من الظلم اعتبار زياد مجرد موسيقي مميز, و هذا ليس بقليل, فعند التمعن العميق في مسرحياته نجد أنفسنا أمام أخصائي علم اجتماع في البيئة اللبنانية، الغنية بالتناقضات و الأمراض الطائفية المذهبية الشيزوفرونية, حاول زياد عبر اعماله عكس و ترجمة أمراض هذا المجتمع اللبناني بطريقة المضحك المبكي.
فهل كل من يسمع زياد و يدعي أنه من محبيه هو بالضرورة يفهم ما يقوله زياد ؟ هل هناك من يضحك و يحب زياد لمجرد أنه يتفوه بكلمات بذيئة غير مألوفة في مجتمعنا ؟ و هل الحق في عدم الفهم هو على زياد لنخبويته الزائدة ؟ أو على المستوى الثقافي البسيط الذي وصل اليه الناس لانعدام الحراك الثقافي في العالم العربي عموماً و العولبة القبلية في لبنان، عدا عن الرقابة التي لا تسمح بكتب الفكر و تنمية الوعي كي لا يرتفع سقف التفكير من أسفل البطن إلى أعلى الرأس ؟
هل نحن أمام جمهور لزياد منقسم بين أسود و أبيض ؟ هناك من يؤلهه على العمياني و
هناك من يكرهه لمجرد سماع اسمه كونه تعدى و تمرد على مقدس الأقداس "الدين" مع العلم
أن موسيقاه لا تحتاج إشارة دخول الى جدار القلب كونها دكتاتوريه بامتياز ؟
لكن هل جمهور زياد الرحباني، اللبناني على وجه الخصوص، الذي ينفجر ضحكاً و يعبر عن
اعجابه بشكل واضح، يستوعب بالشكل الكافي الرسالة أو الصرخة التي يريد زياد ايصالها
؟ ألا يفترض بمن يدعي حب زياد و الأفكار التي يطرح أن يتفاعل معه لتجاوز هذه
الرواسب و الميكروبات العفنة ؟
في فيلم أميركي طويل و هي مسرحية ناقده اجتماعيه سياسية تجري أحداثها داخل
مشفى للأمراض العقلية في الضاحية الجنوبية لبيروت... المسرحية تتكلم عن الواقع
المرير الذي يمر فيه لبنان وعدد من الدول العربية و تستعرض أحداث الحرب الأهلية
اللبنانية.
تسع شخصيات في المسرحية ... كل شخصية من هذه الشخصيات تعبر عن فئه من المجتمع
اللبناني...
رشيد: "زياد الرحباني" شخص غريب لا أحد يعرف ما يريد، أتى الى المشفى نتيجة
تهجمه على شخص دون أي سبب عدا عن تسكيره لشارع الحمرا في بيروت...
ادوار: مسيحي معقد و لديه حالة رعب و يكره كل المحمودات، اي المسلمين نتيجة
رواسب الحرب الأهليه، عندما يرى اي شخص يسأله عن دينه فوراً...
أبو ليلى و عمر: مدمنيين مخدرات ... عبد الأمير: أستاذ جامعي في علم المنطق
يؤلف كتاب يريد أن يوضح فيه المؤامرة الأمريكية على المنطقة ...
نزار: من الحركه الوطنية اللبنانية .. هاني: دائما بحاجة لابراز بطاقته
الشخصية و ينتظر الأمر بالذهاب ألخ... بسبب الحواجز الأمنية و لا يجرؤ على ابداء
رأيه في اي مسألة.
أريد تسليط الضوء من خلال هذه الخربشة على رأي رشيد بزميله ادوار، و الحل المقترح
من قبل رشيد كي يشفى ادوار من مرضه، حيث يطلب من جميع المرضى كل على حدا بإبداء
رأيه بمرض زميله ... رشيد يقول بأن ادوار معقد و لا يستطيع الخروج من هذه العقدة و
أن الحل هو بما يسميه يفتته الصخر.
رأي رشيد بادوار حرفياً كما جاء في المسرحية ....(الكلام هنا
على لسان رشيد بالمسرحية )
(مشكلة أدوار من العقدة
النفسية التي متحكمة فيه و بسما ربه لا يقدر أن يخرج منها بسهولة، الانسان الله
بيضربوا و المسؤولية على الانسان .لماذا يفكر بهذا الشيء ؟ هناك سبب جوهري ..
الشعور الانسان بني آدم . بيجي بهذا الشيء، نفسية أو انسانية هنا الفرق ؟ هو بنصف
عقل هل يتصرف من نفسه أو في الساعة الفلانية ؟ بيجي على مخه شي الله ضربوا، هذه قوه
آلهية هو اذا أراد يوما بيشفى لنفسه ...
هذا الشيء بالطفولة لا يضرب الانسان الا بالطفولة، بيقطفة زهرة بأول عمره شب طفل،
الله ضربه بعز عمره، بيخلقوا الأطفال شو بدهن يعملوا ؟ بيتعقدوا ... اذا أراد يوما
أن يتغلب على هذا الشيء ما ألو الا هو يفتته الصخر و لا بد أن يستجيب القدر هو
بيقدر أن ينفذ هذا الشيء... اذا أراد يوماً يمكن أن يشفى).
بعد كل هذا الصراخ الزيادي و الاعجاب الكبير من قبل الجمهور اللبناني منذ أن بدأ
زياد الى اليوم، هل كان كل ذلك كافياً لاستخلاص العبر و المضي في ثوره ضد الطائفية
بكل اشكالها و منها السياسية ؟ و محاولة تطبيق جزء من نظريتة "يفتته الصخر" ؟ اي
التحرر من الموروث الديني الدوغماتي و الايمان بلبنان كوطن لا "كقرطة عالم مجموعين"
كما يقول في كلمات اغنية قوم فوت نام و صير حلام أنو بلدنا صارت بلد ؟
لا أظن أن زياد يجهل حقيقة جمهوره و ذلك عندما قال في الماضي " أن الجمهور يضحك في
أماكن لا يجب أن يضحك فيها و العكس صحيح"... فهل ما يطلبه رشيد من ادوار هو بالامر
السهل ؟ كيف سيكون باستطاعته القيام بذلك و نبذ كل ما تربى عليه و ابدال كل ذلك
بفكرة الوطن. هل ما يطلبه رشيد من ادوار هو بهذه البساطة و على من يقع اللوم ؟
هل لو كان الايدوارات "من ايدوار " اغلبية و تعطى لهم الديمقراطية و الحرية سوف
يفعلون مثل ايدوار حيث يقول أن على المسلمين الذهاب الى أي مكان، المهم أن يرحلوا
عنه، كونه لا يثق بهم و لا يحبهم ؟ فهل ما يطالب به زياد من استبدال القبائل
الطائفية و المذهبية و احلال الدولة المدنية و جعل الدين مجرد علاقة بين الفرد و
ربه و ليس ايديولوجية تلغي الآخر المختلف هو بمثابة يفتته الصخر ؟
أمام هذا الواقع المرير يقول أبو ليلى "جوزيف صقر" أن الحل هو في نبتة "الحشيشة"
تقضي على الطائفية " كل سرك تحشيش يجمع كل الملل، و الطوائف برا ضاربة ببعضها". فهل
أبو ليلى على حق ؟ و أنه لا داعي للوعي ان كان يؤدي للطائفية و المذهبية؟
أم أن الحل كما قال ادونيس في مقابله على قناة العربية، ان الدين يجب أن يكون حالة
كيانية يجب ان تحترم، لكن لا يجب ادلجة الدين و استغلاله سياسياً و تحويله الى أداة
في الصراع الاجتماعي السياسي و الفصل الكامل بين الدين كرؤية ايديولوجية سياسية و
المجتمع أو الدولة، الدين لتنظيم العلاقة بين الفرد و الغيب، بين الفرد و الله، أما
المجتمع كمجتمع فهو للمواطن للانسان و يسوده القانون، دينه القانون و ليس الدين
الموحد... اذا لم نتوصل الى هذا لا يمكن ان نبني ديمقراطية فكل ايديولوجيا هي نفي
للديمقراطية أي كانت. فكيف بايديولوجيا دينية تنفي الديمقراطية على مستويين: النظري
السياسي و المستوى الايماني، حيث الآخر ليس موجوداً الا بوصفه كافراً.
ما دامت الرؤية الدينية مهيمنة على المجتمع كمؤسسات و كثقافة و كقانون و تشريع لا
يمكن ان نتوصل لا الى ديمقراطية و لا الى مجتمع مدني ... هذا هو تحدينا .
https://www.facebook.com/you.write.syrianews