كثيرون تساءلوا عن جدوى انعقاد مؤتمرٍ في هذه
الظروف والأوضاع لوزارة الخارجية مع أن هذا كان مطلبا منذ زمنٍ طويلٍ وحينما كانت
سفارات سورية تعمل في كل العالم وسفارات العالم تعمل في سورية، ومع ذلك لم يُعقَد
هكذا مؤتمر ولم يتمَّ قبول هذه الفكرة حينئذ..
اليوم يتمُّ قبول الفكرة (في ظل إغلاق غالبية السفارات المُعتمَدة بدمشق وإغلاق غالبية السفارات السورية في الخارج، وتعليق عضوية سورية في الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.. ومحدودية دور الدبلوماسية السورية (التي تنوب عنها الدبلوماسية الروسية).. فهذه هي من تقوم بالدور في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والعلاقة مع دول الإتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة وغيرها!!.
ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد أناس في هذه الدبلوماسية يبذلون قصارى جهدهم وطاقاتهم
وبحسب الإمكانية المُتاحة لهم لِلعبِ دورٍ مَاْ حتى لا تبدو هذه الدبلوماسية في خبر
كانَ ويصبح وجودها وعدمه سيّان.. نعم تُوجد هذه النوعية وإن بِشكلٍ ضئيل، وفي
المقدمة نائب "الوزير" الذي تفُوقُ خبرته ومقدرته وزيرهِ ( وأقول هذا عن خبرة
ومعرفة وثيقة بالإثنين وكشهادة حق لا تنطلق من أية غاية ولا أية خلفية) ويسعى لوضع
الشخص المناسب في المكان المناسب ويُقدِّر الخبرات والكفاءت والمؤهلات، ولديه
الرغبة لتطوير الوزارة وخلق معايير مؤسساتية، ولكن كما يقول المثَل: "ليس بالإمكان
أكثر مما كان" !. فماذا يمكن أن يفعل الجميع إن كان الوزير يُسنِد صلاحيات إلى
سائقه بدل أن تكون بِيدِ أعلى المراكز في الوزارة، وكان يستطيع السائق أن يفعل ما
لا يستطيع أن يفعله كل المجلس الإستشاري بالوزارة!!.
بكل الأحوال لا بأس من انعقاد هذا المؤتمر طالما أنه يخدم الغاية الإعلامية، وطالما
أن الإمكانات المادية باتت اليوم أفضل منها قبل عشر سنوات، وحتى لو غابَ عنهُ أهم
وجه في الوزارة لمدة ثمان سنوات (فقط) وهو سائق الوزير السابق المعروف للصغير
والكبير والقاصي والداني لِما كان يتمتع به من سلطة ونفوذ ممنوحة له من الوزير
بالذات، وكانت كلمته تعادل كلمة الوزير، وأكبر مسئولي الوزارة كانوا يتوددون له كي
يلبي مطلبا لأحدهم ولو السماح له في إرسال ابنته بسيارة الوزارة إلى بيروت ومنحه
قسائم بنزين إضافية، كي تحصل على تأشيرة للسفر بعدها إلى باريس؟!. صحيح ياسيد
(!!!!!) هذا الكلام أم لا؟.
*ِ تصوّروا لو أن وزير خارجية "إسرائيل" كان يُسنِد بعض صلاحياته إلى سائقه ويدعس
على كل شيء اسمه معايير في الوزارة ويتجاهل كل التراتبية، ويمُرّ الأمر بشكل عادي
وطبيعي ودون أن يُسائلهُ أحدا في (الكنيست) ولا في الدولة!!. لو كان هذا ما يفعله
أي وزير إسرائلي في "إسرائيل" من ممارسات لَهَزمنا إسرائيل وقضينا عليها من نصف
قرن!!.
المهم أخيرا هل ناقش مؤتمر وزارة الخارجية أمراض الوزارة الأكثر استعصاء في الدولة
لِما تتمتّع به من خصوصية العمل في السفارات والقبض بالعملة الصعبة، وتزاحُم أبناء
المسئولين والمدعومين والمتنفذين وأهل السلطة عليها، حتى باتت مزرعة لهم.. بل باتت
الأكثر استباحة بالدولة لأهل الدعم والواسطات والمحسوبيات!. ومن بين هذه الأمراض:
*أولا: غياب القواعد والمعايير والدّعس على كل أشكال التراتبية والأقدمية والخبرات
والمؤهلات.. فهل تجرّأ احدٌ أن يسأل ما هي المعايير لِنقل هذا أو ذاك بالتحديد دون
سواه من مكان عملهِ الأصلي للخارجية ومنحه لقبا يحتاج الدبلوماسي إلى ربع قرن حتى
يحصل عليه، ثم بعد فترة قصيرة يُصبِح سفيرا بشهادة جامعية يتيمة وانعدام كامل لأية
معرفة بأية لغة أجنبية في الدنيا، وربما لو تقدّم بِمسابقة مُلحَق دبلوماسي لما
نجح؟. هل هناك سوى المحسوبيات؟. أليس هذا من البراهين أن هذه الدولة لا يحكمها
قانون ولا معيار وأنها مزرعة لأهل السُلطة والمدعومين!.
*ما هي المعايير لنقلِ هذا وذاك، أو اختيارهم بالتحديد دون غيرهم من الجامعة، أو من
أي مكانٍ آخرٍ وتعيينهم سفراء على حساب أبناء المهنة المحترفين؟. هل هناك سوى
المحسوبيات؟. لماذا لا تجري مسابقة بشروط معينة ومُحدّدة ولتكُن (للبعثيين بالدولة)
حينما يحتاجون لِسفراء من خارج السلك ومن ينجحون بها يُعيّنون، بدل المحسوبيات
والشخصنات والدعم والواسطات والقرابات وثقافة التنفيع للبعض دون البعض الآخر!!. أين
تكافؤ الفرص الذي طالما يتحدّث عنه الكثيرون؟. ألا يكفي أن هؤلاء الذين يأتون بهم
من خارج السلك كانوا يشغلون مناصب هامة بالدولة لسنوات عديدة ومليئون مادّيا، فبأي
حقٍّ يُؤتَى بهم وكأن المسألة منحِ واحدهم "سكرة" زيادة، أو أن أرحام السوريات باتت
عقيمة!!. معقول البلد ما فيها سوى بضعة وجوه يجب أن تبقى تشغل المناصب إلى ما لا
نهاية؟!.
*ثانيا: هل طالبَ أحدٌ بِوضع معايير ثابتة في الوزارة: وفي هذا الصدد وضع معايير
وشروط لاختيار السفراء من داخل السلك هذه المرّة، واضحة وشفّافة ومُعلّقة في لوحة
الإعلانات، وهكذا يعرف كل دبلوماسي ماذا ينقصه لتلبية الشروط ويسعى لتجاوز كل
الشروط التي يفتقر إليها، ولا تبقى المسألة مسألة ألغاز وحزازيرغير مفهومة!!.هذا
ليس أسلوب عمل دول!. وهنا يُطرَح سؤالا: لماذا تمّ تعيين العديد بالماضي سفراء من
داخل السلك ومن ثمّ عادوا وعيّنوهم قائمون بالأعمال؟. هل هذا يعني أنهم اكتشفوا بأن
تعيينهم سفراء بالأساس كان خطاً؟. وكيف يقبل أولئك على أنفسهم ذلك؟.
*وهل تساءل أحدٌ لماذا يُقحِمون السفراء في مسألة (الدّور) للدبلوماسيين العاديين؟.
فمَن تعيّن سفيرا فيجب أن يكون على دور السفراء وليس على دور الدبلوماسيين حتى يصرخ
بعد سنتين من وجوده في الوزارة (لقد جاء دوري فانقلوني للسفارات شو ما كان)!!.
بينما حينما بقي في السفارة سفيرا عشر سنوات لم يقل انتهى دوري من خمس سنوات فلماذا
لا تنقلوني!!. لأن القبض بالسفارات بالعملة الصعبة آلاف الدولارات بالشهر، بينما في
الوزارة القبض بالليرة السورية ولا يعادل مائة دولار بالشهر!.. فالمسألة مسألة
دولار وليست مسألة خدمة وطن!!.
ثالثا: هل تمّت مناقشة عملية التوريث" في الوزارة، وعدم تعيين أبناء السفراء
السابقين سفراء بعد آبائهم، إلا وفق شروط الدَور والأقدمية والتراتبية، وكذلك عدم
تعيين أبناء السفراء والمتنفذين بالوزارة دبلوماسيين على حساب أبناء الوطن الآخرين
الأكفأ (كما حصلَ في آخر مسابقة) وكي يرثوا أبائهم في المستقبل ، تحت عناوين
"مسابقات"، فالجميع يعرف ماذا تعني المسابقة في بلدنا، وخاصّة بالخارجية!!.
بل السفير الذي ليس له ابنا أو ابنة في الخارجية يأتون بابنه أو ابنته من مكان عملها في أي مكان كانت ليضعوها سفيرة بعد والدها، وفي ذات السفارة، كما هو حاصل في باريس!. يعني أرحام الأمهات عقمتْ والدولة باتت لشريحة معينة هي وأولادها، وهناك من لا يخجلون وهم يتحفونك بالتصريحات أن الدولة للجميع، بل يوزعون شهادات حسن سلوك على البشر!.
رابعا: هل تمّت مناقشة مسألة جوهرية في الوزارة بشكلٍ جدِّيٍ، وهي الأقدمية
والتراتبية كمسألة مقدّسة لا يجوز القفز فوقها لدى تعيين مدراء بالوزارة أو رؤساء
بعثات وقناصل وسفراء بالخارج... فهناك حالة مرَضية مرفوضة لم تعرفها الوزارة إلا
بعد العام 2006 حينما أصبح يتحكّم في إدارتها سائق وتمّ الدّعس بعدها على كل معايير
الأقدمية والتراتبية والخبرة!!. وقبلَ ذلك كان ممنوع تعيين مدير إدارة وهناك زميلا
واحدا أقدَم منه ولو بِيومٍ واحدٍ، ولكن بعد 2006 أصبحت شوربة وتحكمها الشخصنات
والمحسوبيات والكيديات وبات ينطبق عليها صِفة شركة "واه" يعني (و- أ- ه) المساهمة
المغفلة!!.
خامسا: هل طالبَ أحدٌ بالتوقف عن منطق الظُلم في توزيع الكوادر على السفارات،
فالمدعومين لهم دوما أفضل البعثات في أرقى البُلدان، بينما غير المدعومين فلهُم
بُلدان الملاريا والكوليرا في أفريقيا السوداء، أو البعثات البعيدة في آخر الكون..
يجب الإصرار على أن كل دبلوماسي ودبلوماسية وإداري وإدارية، يجب أن يخدموا في
البُلدان الصعبة والبعيدة ولا يوجد خيار وفقّوس، وهذا دلُّوعة أمهُ، لا يستطيع
العيش إلا في جنيف أو روما أو باريس أو لندن .. هذا عيب على من يفضلون أولادهم
وأقاربهم بالوزارة على زملائهم، وهذا لا يؤشِّر إلى شعور وطني ومسئولية وطنية،
حينما يُبعِد البعض أولادهم عن الأماكن الصعبة ويزجُّون بالآخرين بدلا عنهم!. إنه
تماما كمن يُبعِدون أولادهم عن الجبهات ويزجُّون بأولاد الآخرين!!. إنه ذات العقل
الانتهازي الاستغلالي الذي يفتقر للوطنية، ويحصد كل المكاسب في الوطن!.
سادسا: هل تمّت المطالبة بإعادة النظر في كل بدلات الإغتراب، فلا يعقل أن يحصل
الدبلوماسي أو الإداري في لندن أو باريس أو جنيف أو فيينا، ضعف ما يحصل عليه زميلهِ
في نيجيريا أو السنغال أو تنزانيا ...علما بأنّ أي بلدٍ أوروبي هو أرخص في تكاليف
المعيشة من أي بلدٍ أفريقي من تلك البُلدان.. فلا يكفي أن أولئك يعيشون في العواصم
الأوروبية بل يجب أن يقبضوا ضعف ما يقبضه زملائهم في المناطق الصعبة.. هذا ظُلم
وغير مقبول!..
*كل دول الدنيا تعطي امتيازات لكوادرها الذين يخدمون في الدول المتخلفة والبعيدة
وغير الآمنة، كَسَكن مجاني، وتأمين طبي شامل، وإجازة أطول، وبطاقات طائرة مجانية كل
عام، وتعويض اغتراب أعلى.. كي يشجعونهم على الخدمة في تلك البُلدان، إلا عندنا
فالأمور تسير تماما بالمقلوب!!.
سابعا: هل تمّت المطالبة بإعادة النظر في المرسوم 4 للعام 2010 لما يحتويه من تمييز
عنصري فاضح ومعيب بين أبناء الوزارة ويُميِّز بينهم على أساس مستوى الدّعم
والمحسوبية، فمن يمتلك الدّعم يعينوه سفيرا (وأتحدّى إن كان هناك عاملٌ سوى الدّعم
والمحسوبية) وهذا يفسح له المجال للبقاء على رأس عمله حتى عمر السبعين عاما.. وإن
كان مدعوما أكثر فيتم الإحتفاظ به بذريعة "الخبرة" إلى ما لا نهاية كما هو حاصل
اليوم مع أحدهم الذي لم يعثروا في كل الوزارة على خبير غيره (الخبير في كل المجالات
والعضو في كل الوفود وحتى لو أرسلوا وفدا لسطح القمر لكان من بين أعضائه لأنه خبير
في علوم الفلك والنجوم والكواكب)!!.. وأما غير المدعومين فلا نصيبا لهم في تعيينهم
سفراء ولذلك يصرفونهم في عُمر الـ 60 بغض النظر عن مؤهلاتهم وخبرتهم وكفاءاتهم
العلمية واللغوية ووطنيتهم ونظافة يدهم، وحتى لو كان واحدهم مناضلا في البعث منذ
نصف قرن وفي عائلته العديد من الشهداء.. فكل هذه المعاني ساقطة في نظر من أعدّ هذا
المرسوم (ولكن الغريب كيف مرّروه في رئاسة الوزارة وما فوقها)!. والأغرب كيف يَسمح
من قاربَ الثمانين من العُمر لنفسهِ بِصرفِ من يصغرونه عشرون عاما وهم في كل
لياقتهم البدنية والصحية والنفسية وخبرتهم الغنية، وأن يحتفظ بِمن قاربَ الخامسة
والسبعون عاما!!. أليس هذا مُضحكا ويدعو للسخرية والشفقة على هذه الدولة!!. هل هذا
سلوك مسئول ووطني؟. وهل يحقُّ لأصحاب هذه الممارسات أن يُقيِّمون غيرهم ويوزعون
شهادات حسن سلوك!!.
*في المرسوم 4 المُشار إليه ورد في المادة 35 ما يلي : ( يحق للوزير أن يرفض بدون
بيان السبب وقبل إجراء المسابقة طلب أحد راغبي التعيين في وزارة الخارجية وهذا
الرفض التقديري غير تابع لاي طريق من طرق المراجعة القضائية أو الإدارية ) ..
لاحظوا أن الرفض "تقديري" ويحصل دون بيان السبب!. أين يوجد هذا في العالم؟. أن
ترفِض طلبا لابنِ وطنك يريد التقدم للمسابقة من دون أن يعرف لماذا، وماذا يوجد بحقه
حتى يُرفَض طلبه؟. هذا بدلَ أن يعرف المواطن ما هو ذنبه وما هي مشكلته حتى ينتبه
لنفسه ويصحح أخطائه، إن كان مخطئا!.. ثم ما الذي يضمن أن يكون رفض الطلب مبنيا على
خلفيات وحساسيات شخصية وكيدية لاسيما أننا في دولة لا توجد فيها أدنى المعايير
والمنطق والموضوعية والضمير وكل شيء تحكمه المحسوبيات والشخصنات والواسطات
والكيديات، بل والسائق والمرافق والسكرتيرة!..
*أعتقد من حق المواطن أن يعرف بالتفصيل لماذا تمّ رفض طلبه، ومن حق كل مواطن أن
يعرِف لماذا يُحارب حينما تتم محاربتَهُ، ويدافع عن نفسه إن كان بحقهِ افتراءات
وكيديات وتقارير ويُعطَى الفرصة لتفنيدها وتوضيح الحقائق، وإلا كيف سيشعر المواطن
أنه من هذا الوطن إن كان بلا شأنٍ ولا قيمة له لهذه الدرجة!.. بل لماذا لا يعرف حتى
الراسب في المسابقة ما هي أسباب رسوبه كي يستطِع في المرة القادمة أن يتجنبها؟. متى
سنكون شفافين وصريحين وصادقين مع المواطن؟. متى سنجعل المواطن يشعر أن له قيمة ولو
صغيرة في دولته ووطنه ؟.
ثامنا: هل تمّت المطالبة بتحديد مدة السفير بخمس سنوات كما كان الحال في الماضي
وقبْل هذه الفوضى التي اجتاحت الوزارة بعد العام 2006 ، وأن لا يبقى السفراء بلا
أية حدود زمنية 12 سنة و 13 سنة و 14 سنة و15 سنة و 17 سنة يقبضون بالعملة الصعبة
(آلاف الدولارات بالشهر) بينما أعلى راتب في سورية لا يعادل مائة دولار، وسورية
باتت من أغلى دول العالم.. وشعبها من أفقر الشعوب.. هكذا لا نبني دولة المؤسسات..
وهكذا لا نصنع العدالة وتكافؤ الفرص .. وهكذا لا نُوزع ثروات الوطن بعدالة .. وهكذا
لا يشعر الجميع أنهم متساوون بالمواطنة..(وهكذا ندفع بالناس دفعا للشوارع للوقوف في
وجه هذه الدولة وهكذا ممارسات والاحتجاج على هذا التحيُّز والظلم واستغلال السلطة،
والنضال لخلق دولة مؤسسات للجميع وليس لفئة أو شريحة مدعومة في الوطن تحتكر المناصب
والمكاسب).
تاسعا: هل تمت المطالبة بمنح جوزاز سفر دبلوماسي بعد التقاعد لكل دبلوماسي أمضى
بالوزارة ربع قرن وأكثر من الزمن أو وصل إلى مرتبة وزير مفوض، أو مدير عام أول
دبلوماسي.. فمن العار أن ترى شخصا مدعوما أو ابن شخص مدعوم يحمل جواز سفر دبلوماسي،
أو أن ترى شخصا من خارج السلك اشتغل سفيرا (بالواسطة)أربع أو خمس سنوات وصار من حقه
أن يحمل جواز دبلوماسي بينما ابن الوزارة لخمسٍ وثلاثين عاما ليس من حقه ذلك لأنه
لم يتعين سفيرا!!. هذا عيب..
عاشرا: هل من أحدٍ طالبَ بِسحب صلاحية ترشيح السفراء من يد الوزير(أيِّ وزير كان)
لأنه لن يعمل بموضوعية وحيادية وإنما بشخصانية ومحسوبيات ومزاجية.. ودولتنا ونعرفها
ونعرف مسئوليها.. وأنْ يتم تشكيل لجنة أو هيئة خاصة لهذا الغرض من عدة أطراف
بالدولة، ويخضع المترشح إلى جلسة استجواب أمام لجنة مختصة في مجلس الشعب(رغم دوره
المحدود)!!.
إحدى عشر: هل طالبَ أحدٌ بالنظر في إضبارة كل من انحدر مستواه لمستوى العمالة إلى
سفير لبناني موالٍ للقوات اللبنانية، وطرده من الوزارة.. وعدم التستر عليه لأنه من
جغرافية هذا وذاك!!.
ثاني عشر: هل تمّ الاتفاق على عدم تعيين أي رئيس بعثة، سفيرا أم قائما بالأعمال، ما
لم يُتقن الإنكليزية، فهذه باتت لغة الدبلوماسيين بكل العالم (بل لغة العالم)، ومِن
العيب أن يذهب سفيرا لحضور مناسبة أو غداء أو عشاء أو حفل استقبال لأية سفارة ولا
يعرف أن يتحدّث مع سفير أجنبي، ويشرحَ لهُ أمرا ما.. أو يجاملهُ بالحديث.. هذا
عيب!. في لبنان، هذا البلد الذي لا يعجبنا بائع الخضار يتحدّث الإنكليزية!..
ثالث عشر: هل تمّت المطالبة بمحاسبة الشخص المسئول عن السماح لِسائق لا يمتلك أية
مؤهلات علمية، بالتحَكُّم بالوزارة على مدى ثمان سنوات، وما نجَم عن ذلك من أضرار
بالوزارة، وإضرار بخيرة كوادرها، والدّعس على كل معاني العمل المؤسساتي، من أقدمية
وتراتبية وأحقية وخبرة وكفاءة ومؤهلات، في حالةٍ غير مسبوقة بوزارة خارجية في
العالم، وبانعدام كامل للضمير والوجدان والأخلاق وحتى التربية!.. صحيح الدولة
مزارِع، ولكن لم تصِل في الشخصانية إلى ربع ما وصلت له الخارجية!..
رابع عشر: هل تمّ الاتفاق على إعلام كل دبلوماسي وإداري عن المكان الذي سينتقل إليه
قبل ستة أشهر.. ولا يبقى الأمر سِرا حتى آخر لحظة.. بل أذكرُ في تشكيلات العام 2008
تمّ تغيير القائمة ثلاث مرات خلال أسبوع نتيجة الواسطات!..
*هذه مسائل يتحدث بها الجميع بين بعض وهي مُهمة جدا لنجاح أي عملٍ وخلق العدالة
وتكافؤ الفرص وتحجيم الظلم والمحاباة والشخصنات وعقلية المزارِع، وأعتقدُ أن مؤتمرا
لوزارة الخارجية وإن لم يناقش هذه الأمور كلها بجرأةٍ ووضوح وصراحة، فما الفائدة
منه؟.
خامس عشر: هل تمّت مناقشة احتكار البعض للعمل في بعض الإدارات المفصلية في الوزارة
على الدوام وفي كل مرّة بعد عودتهم من البعثات؟. هل يجوز ذلك؟. لماذا يعود البعض
لذات الإدارات (مكاتب خاصّة، إدارة رقابة، شؤون إدارية، مراسم ...) وغيرهم لا
يحلمون بالعمل بها؟. بل لماذا لا يحقُّ لِمن ينتمون إلى(.... ) أن يكونوا مدراء
لهذه الإدارات؟.
سادس عشر: هل تساءل أحدٌ لماذا كانوا بالماضي يُعيّنون سفيرا في دولةٍ ما قبل أن
يزورها رئيس الجمهورية بعشرين يوما، بينما لا يفعلون ذلك في دولةٍ أخرى يقوم الرئيس
بزيارتها، مع أنها قد تكون الأكثر وقوفا إلى جانب الحكومة السورية؟!. هل بهذه
المزاجية تُدار الدبلوماسية؟. وهل يتوجّب ترك البعثات بلا سفراء ريثما يتوفّر من هو
مدعوم ومُلتمسْ كي يتمّ تعيينهُ؟. دولا تقيم علاقات على مستوى سفراء فلماذا لا تتم
معاملتها بالمثل ولا يُعيّن فيها سفراء؟. ولماذا تبقى سنينا على مستوى قائمين
بالأعمال؟. أليسَ هذا إضعاف للأداء الدبلوماسي في البعثات؟. حينما افتُتِحت السفارة
في أرمينيا تمّ تعيين قائم بالأعمال ولكن بعد زمنٍ وما إن أصبح له قريبا في موقع
المسئولية حتى حوّلوهُ فورا إلى سفير... وبعدهُ بقيت أرمينيا بلا سفير(رغم مطالب
الحكومة الأرمينية أكثر من 18 عاما حتى توفّر شخصٌ مُلتمس فعيّنوه سفيرا حالا،
ومبروك عليه!. هل هناك من ينكر ذلك؟. هل هكذا تُدار الأمور؟.
*نتمنى أن لا يكون الخوف هيمنَ على الجميع، ولم يجرؤ أحدا من ملامسة الأمراض
الأساسية التي تعيق تطوير وإصلاح الوزارة!.. فهناك تجربة مريرة سابقة حينما أرسلوا
تعميما في بداية (العهد الجديد) 2006 ، وطلبوا فيه من الجميع إرسال آرائهم
ومقترحاتهم لتطوير عمل الوزارة، وكنتُ من بين من صدّق ذلك فأرسلتُ كتابا من خمس
صفحات، ولكن كل غضب الله نزلَ عليَّ من الفاسدين والمفسدين بالوزارة الذين استغلوا
نفوذهم لتظبيط أولادهم وأقاربهم، لأنني تطرّقتُ إلى هذه الظاهرة الانتهازية، حتى
اضطررتُ إلى إرسال كتاب إلى معاون الوزير للشؤون الإدارية في حينه أطلب به سحب كل
مقترحاتي واعتبارها لاغية!!.
*أما إن كان التركيز فقط على السياسة والخطابات فهذه لا فائدة من مناقشتها، أوّلا:
لأن الجميع يُدرك ويتابع كل شأن سياسي، ولذا لا أحدا سيضيف أمرا جديدا!.. وثانيا:
لأن مستقبل سورية السياسي وحتى وحدة شعبها وأرضها (بكلِّ حسرةٍ وحُزنٍ وأسى وألمٍ)
لم يعُد منذ زمن بأيدي السوريين الذين ارتهنوا جميعا للخارج، وإنما هو بيدِ الروسي
والأمريكي الحريصان جدا على مراعاة مصالح "إسرائيل" في سورية أيضا!!. وأكثر ما يحزُّ
في القلب أن "إسرائيل" الكيان المُصطنع التي بدأت من الصفر، وخلقوها من العَدم،
وكان هناك من يطرح رميها في البحر، باتتْ اليوم شريكة مع الروسي والأمريكي بتقرير
مستقبل سورية والمنطقة !!..
*بكل الأحول تبقى الخارجية مؤسسة وطن حتى لو حوّلها البعض إلى مزرعة، ولا يجوز أن
تبقى هذه الوزارة خاضعة لِمزاج أيِّ كان أو أن يُسمَح له الوقوف والقول : أنا لا
يوجد عندي زمنا مُحدّدا لبقاء االشخص سفيرا ورئيسا للبعثة، أو عضوا في البعثة، ولا
يوجد عندي زمنا مُحدّدا لبقاء الشخص في الوزارة.. هذا يعني الدّعس على كل شيء اسمه
معايير مؤسساتية، ويعني الفوضى، ويعني تسابُق الجميع للاستعانة بالواسطات، وهذا
يعني تعميق ثقافة المزارِع والمحسوبية والشخصنات واحتكار المناصب، وهذا أكبر تخريب
في الدولة!.. الوزارة (وأية مؤسسة بالدولة) ليست مُلكا لِمن يقبع على راسها حتى
يتصرّف بها كيفما يشاء ودون معايير ورادعٍ ولا مساءلةٍ ولا محاسبة!!. هكذا لا نبني
مؤسسات، وإنما نُحطِّم ما تبقّى منها!. وللأسف هذا ما يحصل..
*ثمّة من طالبَ في نهاية المؤتمر بتحسين الأداء الدبلوماسي، وهو ذاته من همّشَ
وأقصى خيرة الدبلوماسيين أداء وكفاءة وخبرة ومؤهلات!. بل هو من كان يُشجِّع أسوأ
دبلوماسي أداء وسلوكا وممارسة، على رئيس بعثته ويرفض نقله من السفارة، مع أن
ممارساته كانت كافية لنقله خارج الوزارة كلها!!. وهو من عيّن سفراء لا يعرف واحدهم
كلمة بلغة أجنبية في الدنيا، فكيف سيكون أداء هؤلاء حينما يلتقي واحدهم بسفير أجنبي
أو بأي أجنبي ويشرح له الوضع في بلاده!!.
إنها مصيبة سورية دوما فهناك كلاما من المسئول موجّها للإعلام والدعاية والنشر
وهناك ممارسات مناقِضة 180% درجة في العمل والتطبيق.. ولكن الناس ليستْ ساذجة كما
يعتقدون!..