حينما تختار البذار الهزيل لزراعة القمح فسوف
ينبت عندك قمح هزيل.. وهذا ينطبق على كل بِذار هزيل وغير صالح للزراعة، كما ينطبق
على كل شخص هزيل غير صالح لتمثيل اية شريحة من شرائح الشعب في مجلس الشعب.
لا أدري لماذا كان الإصرار دوما أن لا يرتقي مجلس الشعب إلى مستوى طموحات وتطلعات
الشعب ويبقى دوره ثانويا في التصدي للدفاع عن قضايا الشعب بقوة والوقوف بوجه
الفاسدين والمُفسدين مهما علتْ مواقعهم والدفاع عن المظلومين في وجه الظالمين من
أهل السُلطة والمناصب لا سيما الذين لا تحكمهم سوى أمزجتهم المريضة وعقليتهم
السادية، ولا يحترمون في مؤسساتهم أية مؤهلات وخبرات وتراتبية وأقدمية ويمارسون كل
أشكال التخريب، بل هم أشبه بذاك العميل السوفييتي أيام زمان، الذي سنتحدث عنه لاحقا.
فما هي الأسباب، ومن المسؤول عن ذلك؟.
لقد انتشرت أخير على اليوتيوب فضيحة لأحد أعضاء المجلس وهو يتحدث باسم الشعب، ويهين الشعب كله بجهلهِ وضحالته الفكرية واللغوية. والأجدى بالمجلس أن يُجمِع على إعفاء هذا الشخص وأمثاله من الجهلة من عضوية المجلس، لأن في بقائهم بالمجلس إزدراء للشعب.
هذا الشخص (الفضيحة بالمجلس) يروي عنه الفنان السوري (حسام تحسين بك) في حديث إذاعي
يوم 23/1/2018 وبعد خلافٍ بينهما إحتكما فيه إلى وزير العدل، ينقل عنه قوله : من
هذا وزير العدل، أنا عضو مجلس شعب ونأتي بأكبر وزير لمحاسبته.. تصوروا أن هذا الشخص
الجاهل يأتي بأكبر وزير لمحاسبته!. أليسَ هذا قمة الهُزال والهزَل والمهانة، وعودة
الوراء إلى الوراء؟. من هو صاحب المصلحة أن تبقى هذه الدولة تسير من الوراء إلى
الوراء؟. من له مصلحة في الإصرار والاستمرار في وضع الناس بمناصب ومواقع ليست لها،
والتجاهُل الكامل، لمبدأ وضع الرجل المناسب في المكان المناسب؟.
هذا السلوك فعلهُ ذات يوم عميل سوفييتي للمخابرات الأمريكية، وحينما ألقوا القبض
عليه وسألوه عن المهام التي كلفته بها المخابرات الأمريكية، أجاب: كان دوري هو وضع
كل حامل شهادة جامعية في غير مكانه المناسب.. أي تخريب الدولة ودفعها إلى الوراء
والتخلف والضعف حتى تصل إلى مرحلة من الهُزال تنهار فيها بدفشة صغيرة.. وهذا ما حصل
أخيرا للإتحاد السوفييتي.
جاؤوا بكثير من المسؤولين الهزيلين، والوزراء الهزيلين، وكل وزير هزيل أو مسئول
هزيل لا يقبل أن يأتي إلا بالهزيلين أيضا كي يسهل عليه قيادتهم، وهكذا دواليك، حتى
تراكمت المشاكل والأغلاط والتقصير والسلبيات والروتين والبيروقراطية وانعدام
المبادرة وضعف الشعور بالمسئولية وضعف الإنتاج والتطوير..وكانت المقدمات لإنهيار
الإتحاد السوفييتي.
أمر غير طبيعي في الحياة أن تكون شريحة الجهَلة والحمقى ومحدودي العقل والوعي
والتفكير والمؤهلات العلمية المحدودة هُم من يشغلون المواقع الأولى في أية دولة،
بينما أهل الكفاءات والمؤهلات والخبرات والمقدرة مقصيين ومُهمشين في بيوتهم.. كيف
لن يؤدي هذا السلوك إلى الخراب؟.
حينما نتحدث عن الهزيلين، فهذا لا يعني أن أولئك الهزيلون لا يوجد بينهم مثقففون
واصحاب شهادات جامعية وعليا، بل الكثير منهم يحملون شهادات جامعية وعليا، واصحاب
إختصاصات أيضا، ولكن الهزالة هي في جُبنِهم وانعدام الجرأة لديهم في قول كلمة الحق
بوجه الفاسد والمُفسِد والظالم مهما كان موقعه في الدولة.. هزالتهم هي في الإنبطاح
أمام أبواب المسئولين من أصحاب النفوذ، والتملق، والانتهاز، كي يبقون في مواقعهم أو
ينتقلون منها إلى مواقع أعلى، ولذا لا يجرؤون على قول كلمة حق في وجه أي سلطان أو
مسؤول جائر.. هنا تكمن هزالتهم. فضلا عن خوف البعض من القيام بأية مبادرة في مجال
عملهِ ذات فاعلية وأهمية خشية من الخطأ والفشل، وبالتالي تحمُّل المسؤولية عن ذاك
الفشل.. ولذا نرى كثيرا من أهل المناصب، دورهم لا يتعدى دور ساعي البريد.. فلا
مقدرة على المبادرة، ولا مقدرة على اتخاذ القرار، ولا مقدرة على تحمُّل المسئولية،
ويطلب توجيهات بأسخف الأمور، ويكتفي واحدهم بمعالجة البريد الذي يصله، وكفى الله
المؤمنين شر القتال.
في الفقرة الثانية من المادة (60) من الدستور السوري وردَ:( يجب أن يكون نصف أعضاء
مجلس الشعب على الأقل من العمال و الفلاحين و يبين القانون تعريف العامل و الفلاح)
.. وللأسف أن القانون لم يشترط أن يكون العامل والفلاح من حاملي الشهادات الجامعية..
في غالبية برلمانات العالم هناك من يمثل العمال والفلاحين، ولكن إنّ من يُمثل
الطبقات الكادحة من العمال والفلاحين، ليس الجهَلة الذين لا يحمل واحدهم أية شهادة
علمية ولو بسيطة، وإنما المثقفون من أبناء تلك الطبقات الذين يصلون إلى قيادات
النقابات العمالية والفلاحية عن طريق الانتخابات الحرة في نقاباتهم. فكيف لشخصٍ
جاهلٍ أن يدافع عن قضايا عمال وفلاحين؟. إن من يجب أن يدافع عن العمال والفلاحين هم
المثقفون الذين يتبنون قضايا العمال والفلاحين في برامجهم وسياساتهم ومواقفهم،
وهؤلاء هم الأقدر والأكفأ عن رفع قضايا الفلاحين والعمال والدفاع عنها، وليس
الجهلَة.
لقد شاهدتُ خلال عملي في جنيف وحضوري لعدة مؤتمرات لمنظمة العمل الدولية، أن من
يأتون لتمثيل النقابات العمالية والفلاحية من الدول الغربية، وحتى دول العالم
الثالث، هُم من أصحاب الشهادات المقتدرين والقادرين على أن يتحدثون بقضايا العمال
والفلاحين، وليس الجهلَة الذين لا يحملون أية مؤهلات. ومعلوم أن مؤتمر العمل الدولي
من أكبر المؤتمرات العالمية لأنه ثلاثي التمثيل، فهناك ممثلي العمال وممثلي
الحكومات وممثلي أرباب العمل.
كمْ هناك في سورية من أبناء العمال والفلاحين يحملون الشهادات الجامعية والعليا،
وغالبيتهم ما زالوا يعملون بأراضيهم، يفلحون ويزرعون إلى جانب وظائفهم كمعلمين
ومدرسين، فهل يُعقل أن نغفل هؤلاء لنأتي بآخرين جهلَة لِمجرّد أنهم يلبسون العكال
والحطاطة ونقول هؤلاء من يجب أن يمثلوا الفلاحين؟.
إنني، على سبيل المثال فقط وليس الدعاية والتبجُّح، أحمل الليسانس والدبلوم
والماجستير والدكتوراه، عملتُ مدرسا بجامعة دمشق، ثمّ دبلوماسيا محترفا 34 عاما،
تدرّجتُ من مُلحق إلى وزير مُفوّض (قبل أن يُصبِح سائق الوزير الجاهل والمُعقّد
صاحب القرار لثمان سنوات ويقرر الاستغناء عن خدمات البعض من الدبلوماسيين في عُمرِ
الستين ويُبقي على البعض حتى عمر السبعين، في تمييز لا مثيل له في العالم إلا في
دولة التقدم والإشتراكية والمزارِع الخاصة والمؤسسات الكاذبة) ، ولم أهبط في
الخارجية بمظلة كما الكثير من المزايدين والانتهازيين والمدعومين، ولكن قبل كل شيء
أنا ابن فلاح وأعيش معاناة الفلاح وهمومه، وأفخر بوالدي الفلاح صاحب الأصالة والقيم
والشهامة والصدق والأمانة والكَرَم، وسيبقى مثَلي الأعلى في هذه الحياة، وأعتزُّ
بإنتمائي للأرض التي مازلتُ ملتصقا بها، وعندي أرضا أملكها ونفلحها ونزرعها، فهل
يُعقَل أن يمثلني في مجلس الشعب فلاحا جاهلا لا يعرف أن يتحدث بجملتين، ولا يعرف
كيف يدافع عن قضايا الفلاحين، الذين هم الأكثر عطاء في الوطن والأكثر مظلومية من
طرف الدولة لجهة تسعير ثمن محاصيلهم الزراعية التي لا تتناسب مع 10% من جهودهم
وأتعابهم وتكاليف الزراعة الباهظة. وهل يُعقَل أن يقوم واحد جاهل في مجلس الشعب
بمسائلة وزير في الدولة قد يحمل أعلى الشهادات؟.
طبعا أمثال هؤلاء الممثلون للفلاحين في مجلس الشعب هم من يتحمل المسؤولية الأولى في
الظُلم الذي يقع على الفلاحين. ومن يتحمل المسؤولية أكثر هُم الجهات التي تأتي
بهؤلاء ليمثلوا الفلاحين، وهُم أكبر مهانة للفلاحين ولكل الشعب المليء بالمثقفين
وحاملي الشهادات الجامعية والعليا.
لقد قرأتُ أخيرا عن وفاة فلاحٍ عضوٍ في مجلس الشعب ثمّ تبيّن لي أنه من ذات المنطقة
التي أنتمي لها، بل قريته لا تبد كثيرا عن قريتي، ولكن أجزم بالله أنني لم اسمع به
بحياتي.. ولا أعرف كيف وصل إلى مجلس الشعب. وقيسوا على ذلك.
إنني وبِقوة مع أن يكون نصف أعضاء المجلس من العمال والفلاحين ، ولكنني وبِقوة أيضا
ضد أن يكون أيٍّ من هؤلاء لا يحمل شهادة جامعية.
ومن هنا فإنني أطالب بتعديل القوانين ذات الصلة بحيث تنص على أن يكون ممثلي
الفلاحين من حمَلة الشهادات الجامعية المنتمين للفلاحين ويحملون هموم الفلاحين
ويدافعون عنهم في برامجهم ومواقفهم وسياساتهم، ولديهم أرضا زراعية يديرونها بأنفسهم
فضلا عن عملهم الوظيفي. هؤلاء هم من يمكنه الدفاع عن الفلاحين والتحدث باسمهم وليس
الجهلَة الذين يهينون الفلاحين بتمثيلهم لهم.
وأما بالنسبة للعمال، فإن القانون يعتبر كل موظفي الدولة عُمالا، والطبيعي أن يكون
ممثلي العمال والنقابات العمالية المتعددة من أصحاب الشهادات الجامعية والعليا.
يخجل المواطن من هكذا مجالس لا ترقى لمستوى طموحات وتطلعات الشعب المُتخم بالمثقفين
وحاملي الشهادات، ولكن كم يشعر بالإزدراء حينما يرى اليوتيوب الذي انتشر عن ذاك
العضو الجاهل في المجلس. فهل هؤلاء هم من يستحقهم الشعب؟. ألا يستحق هذا الشعب
الأفضل؟.
هؤلاء لا يمثلون الشعب وإنما يمثلون فقط الجهات التي جاءت بهم للمجلس على أسس
المحسوبية والإلتماس والإرتباط، وهي جهات معروفة، والغبي هو من يعتقد أن الناس لا
تعرف البير وغطاه في الدولة.
كفى إزدراءً وسخريةً وفرضا للأعضاء في هذا المجلس.. كفى للموتورين والحاقدين
والفاسدين والتافهين والطنطات، الذين تحدث عنهم عضوا في مجلس الشعب من حلب علنا، في
أحد البرامج الحوارية الشهيرة ، كفى لأولئك أن يُقيِّموا خيرة أبناء هذا الوطن
ويمنحونهم شهادات حسن سلوك بينما هم أسقط من الساقطات، وأكبر دواعش في هذا الوطن،
لا تعرف قلوبهم سوى الحقد على الآخر، واستغلال كل الفرص لخدمة مصالحهم ومصالح
أولادهم وزبانيتهم وحصد الفوائد إلى ما لا نهاية على حساب دماء أولاد الآخرين..