Stereotype
حينما يضع أي فنان لوحة فنية يضع لها إطاراً , وهذا الإطار هو المحدد الخارجي لهذه الصورة , وهو الذي يعطيها الخصوصية التي تميّزها .
وخارج هذا الإطار تصبح الأمور ليس لها أي رابط بهذه الصورة ولا يتدخل في مضمونها لا من قريب و لا من بعيد , فتصبح عصيّة على التغيير مهما أخذ النقاش حولها من الوقت .
وللإبداع الفني أنواع كثيرة منها التشكيلي الذي يحمل رموزاً خفية أو التجريدي أو التكعيبي أو ........أو........أو أن تكون ما يسمى [ الصورة النمطيةStereotype ] وهي من أنواع الفنون التي ابتدعها الفكر الإنساني في هذه الأيام , فكان بها ظالماً لنفسه ولغيره ,وهي صورة متحركة تحمل رموزاً ودلالات مترابطة برباط وهمي خيالي يجعل منها صورة متماسكة رغم هشاشتها الاعتبارية .
وتعريف الصورة النمطية في أبسط تعريفاتها أنها اعتقادات وأفكار مسبقة عن أمة أخرى أو فئة من الناس و إسباغ صفات محددة عليهم و عزو تصرفات مجموع فئته إلى تصرفات الفرد منهم حتى لو توافرت الأدلة على خطأ هذه الصورة .
ولعل أبلغ هذه الصور النمطية في العالم هي تلك الصورة التي يظهر فيها العالم العربي والإسلامي في الإعلام الغربي وفي السينما الأمريكية تحديداً , فكم من الأفلام الشهيرة ظهر فيها الإنسان العربي بصورته النمطية بليداً قذراً يحب النساء ويضطهد زوجاته , ويعيش في خيمة في صحراء ليس فيها أحد , دون نسيان وجود الجمل وبعض الجرذان إلى جانبه .
والسؤال هنا عن هذه الصورة النمطية ؟ هل هنالك يد خفية تتعمد إبراز هذه الصورة السلبية فهي المسؤولة المباشرة عنها , أم هنالك دور لنا في تعميق هذه الصورة و تكريسها , و لعلي أتذكر هنا تصريحا للمخرج السوري العالمي الراحل مصطفى العقاد عندما سئل من قبل صحفية سورية عن شعوره وهو يرى فيلماً سورياً يفوز بإحدى جوائز مهرجان سينمائي في أوروبا ً فضحك وقال : لو كنت في لجنة التحكيم لأعطيت هذا الفيلم عشر جوائز , لأنه يكرس في مشاهده كلها الصورة النمطية التي رسمها الغرب عن الإنسان العربي وتخلفه و أصبح في جعبتهم دليلاً مادياً على ذلك .
و ما يفطر القلب عدم وجود وعي لهذا الموضوع , وإعطائه أحياناً تفسيرات غير واقعية وبعيدة عن الحقيقة المرّة التي لا يريد أن ينطق بها أحد , ويحضرني هنا جواب أحد الباحثين العرب الذين يعتدّ برأيهم عندما سئل عن سبب هذه الصورة النمطية في الإعلام الغربي , فأجاب بخبث وسوء نيّة :
لعل أن أكثر ما رسخ الصورة النمطية البشعة للإنسان المسلم في الإعلام الغربي هو منظر المسلحين في شوارع طهران الذين انتشروا فيها أثناء الثورة الإيرانية , وكانت تصوّرهم عدسات الكاميرا العالمية , مما أدى إلى تشوه صورة المسلم في الإعلام الغربي والسينما الأمريكية .
متناسياً هذا الرجل أن الصورة النمطية كانت قبل قيام الثورة الإيرانية بخمسين عاماُ ومتناسيا أيضا أن الصورة النمطية المشوهة كانت في الغالب تخص العرب بالذات أكثر مما تخص بقية الشعوب الإسلامية , وأن أولئك المسلحين الذين طعن بهم دخلوا السفارة الأمريكية في طهران ليكشفوا عن أكبر مركز للتجسس على الشرق الأوسط شهده التاريخ , وليدخلوا السفارة الإسرائيلية وليحولوها إلى أول سفارة لدولة فلسطين عرفها العالم .
وقد قامت اللجنة العربية لمكافحة التمييز بدراسة حول نظرة الغرب للعرب والمسلمين فتوصلت وجود عدد غير محدود من الصور النمطية عن العرب ومنها:
- صورة نمطية عامة تصف كل العرب في بيئاتهم بأنهم : راكبو جمال ، عبيد , بدو، كل العرب مسلمون وكل المسلمون عرب، القبيلة، الجمال، الصحراء، الحريم، الشيخ .
- صورة نمطية حالمة عن العالم العربي : هو ساحة تنافس يعيش فيها الأبطال الغربيون مغامراتهم العاطفية ألف ليلة وليلة، البساط السحري، الأميرات، الجن، وزير ظالم .
- صورة نمطية عن العرب كمسلمين : سفاحون ، إرهابيون ، محاربون ، متطرفون ، مغتصبون ، مضطهدون للمرأة ، الجهاد، الحرب المقدسة .
- صورة نمطية عن الفلسطينيين بالذات : يحاولون تدمير إسرائيل، مفجروا طائرات ، إرهابيون .
- صورة العرب الصالحين : شخصيات دونية ، سلبيون ، شخصيات ثانوية بالنسبة للأبطال الغربيين ، من النادر أن يكونوا أبطالاً .
- صورة الرجل العربي : شيخ بترول ، ثري جداً ، مسرف ، يريد شراء أمريكا ، طماع ، قذر، غير متعلم غير أمين ، ديكتاتور .
- صورة المرأة العربية : مضطهدة من الرجال ، حريم مترفات ، راقصات عاريات ، سيدات جميلات يقعن في حب الرجل الغربي .
إذا كان الأمر كذلك من نظرة الغرب إلينا فهل لدينا نحن صور نمطية بشعة راسخة في أذهاننا نطال بها بعضنا البعض دون رحمة ؟
والجواب بكل بساطة نعم , هنالك عدد كبير أكثر مما يتصوره العقل من الصور النمطية التي تقف حجر عثرة أمام تقدم مفهومنا عن الآخرين الذين يعيشون حولنا , وتقف عائقاً أمام إخراج المجتمع من الجمود القاتل المقولب الذي يعيش فيه .
كأن نطلق أسماء تصف جماعات يتأطرون بإطار واحد تم جمعهم وإطلاق الأحكام عليهم كمجموعة واحدة مثل ( حوراني , شاوي , بدوي , حمصي , وهكذا ..... ) وكم نرى من العائلات في حوران وحمص فيها من المتعلمين وحملة الشهادات العليا أكثر مما يتواجد في أكثر المناطق تحضّراً في سورية .
و لن تستغرب لو سمعت من يطلق صفة «اللؤم» على ذلك الشعب، و«الخبث» على تلك الأمة، و«الذكاء» على ذلك العرق، و«الأمانة» على تلك الجنسية بدون مراعاة للفوارق الفردية أو المواقف الشخصية فيما بينها
وبالتالي فإننا جعلنا من الصورة النمطية للغرب تجاهنا قميص عثمان نتباكى عليه ليل نهار بينما ننسى بأن قال الشاعر فينا :
نعيب زماننا و العيب فينا و ما لزماننا عيب سوانا
و نهجو ذا الزمان بغير ذنب و لو نطق الزمان لنا هجانا
فدنيانا التصنع و الترائي و نحن به نخادع من يرانا
و ليس الذئب يأكل لحم ذئب و يأكل بعضنا بعضاً عيانا
وعلى الرغم من أن الصور النمطية يمكن أن تساعد الفرد في تحليل وتبسيط التعقيدات في البيئة الاجتماعية حوله ، إلا أن معظم علماء الاجتماع يرون أن لها تأثيراً ضاراً على الشخص الذي يحملها وعلى المجتمع عامة , ذلك أن نظرتها المتحيّـزة يجعلها تحرّف الواقع الاجتماعي الذي نعيشه وتمنع التغيرات البناءة في المجتمع .
ومن الصور النمطية التي نكاد نراها كل يوم وكل ساعة هنالك الكثير الكثير , الراسخة في عقولنا والمطبوعة فيه بطابع سرمدي غير قابل للتغيير :
* بهتان العلماء :
الصورة النمطية : أصبح رجل الدين في هذه الأيام كما يقول المثل العامي ( يريد سلته بلا عنب ) فرجل الدين عند الناس متهم بالنفاق والتزلف و المراءاة يأكل بدينه , حتى يثبت بالدليل القاطع والمعجزات والكرامات صدقه وأمانته وورعه وفقره , فصارت مع الأيام لازمة له فلا ترى في مجلس من المجالس يأتي ذكر عالم ما إلا ويبدأ الشتم والسب والقذف بلا أدنى حياء أو خجل وتظهر الضحكات الساخرة الطاعنة .
متناسين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من عادى لي ولياً فقد آذنته بحرب ومن حاربته فقد قصمته
وقد قرأت منذ فترة وجيزة تعليقاً لأحدهم رداً على موضوع إسلامي لأحد الشيوخ وكم أحزنني ما يحمل هذا التعليق من القساوة والفظاظة رغم الجهل والأمية الواضحة لكاتب التعليق .
* المرأة الموظفة أو العاملة :
الصورة النمطية : امرأة متمرّدة مارقة على المجتمع وعلى الأخلاق متهمة بأخلاقها مهما قدمت من البراهين على حسن سلوكها من أي انحراف , تقوم بما ليس هو واجب عليها .
بينما نعرف جميعاً أن خروج المرأة إلى العمل في أوروبا في فترة ما سببه قلة الرجال بسبب الحروب , أما عندنا فسببه قلة مروءة الرجال , فلم يعد هنالك ذلك الرجل الذي يأكل الصبر حتى لا تخرج زوجته للعمل .
بالإضافة إلى ما سبق هنالك عدد لا يحصى من الصور النمطية التي تطال الرجل في مركز القرار , وأصحاب المهن , و الأخطر أن تطال المذاهب والأديان والانتماءات الطائفية .
فعلى أحدنا أن يتقي الله عز وجلّ في نظرته وتقييمه لأي فرد في مجتمعنا الإنساني ولا أرى سبباً لهذه التقييمات الخرقاء إلا قلة العلم وقلة القراءة والإطلاع ومعرفة الغير بشكل أكثر عمقاً .